الثلاثاء، 7 يناير 2014

بين سندان الدين ومطرقة العقلية



بين سندان الدين ومطرقة العقلية

مخطئ من يعتقد أن العقل هو العقلية ، فالعقل هبة سماوية منحت لكل البشرية وبالتساوي فليس هناك إنسان لا يملك عقلاً لكن هناك إنسان لا يملك عقلية وإذا ملك فربما تكون عقليته متينة أو ضعيفة أو معدومة بحسب معطيات سأوردها في الأسفل .

لماذا ؟

لأن العقلية لم تهبط علينا من السماء كالمن والسلوى بل هي نتاج أرضي وبشري مبني على العادة والتقليد والموروث أعني المحيط الاجتماعي والثقافي والسياسي ..الخ  الذي يعيش فيه الإنسان كفرد أو كمجموعة وذلك المحيط قد يخرج إنسانا عاقلاً  يعقل الأشياء ويدرسها أو يخرج إنسانا عاقلاً لكنه غير متعقل لا يعقل الأشياء ولا يدرسها .

لهذا نجد أن عقلياتنا مختلفة ومتنوعة ومتباينة ففينا الإنسان  المتواضع القدرات وفينا المبدع والمبتكر وفينا العبقري والنابغة كما فينا الغبي والبليد وهذا الاختلاف حتماً لم يأت من السماء لكنه جاء من الأرض نتيجة الثقافة السائدة في المجتمع (متطور/ متخلف ) أو جاء -بغض النظر عن تطور المجتمع وتخلفه- نتيجة لحب الإنسان نفسه للمعرفة وسعيه لتطوير ذاته ونهل العلم أو نتيجة لتخاذله وتكاسله وبلادته.

إذاً نستطيع أن نقول أن كل إنسان عاقل لكن ليس كل إنسان  متعقل خصوصاً إذا عانت عقليته من بعض العلات غير المنطقية التي حتما ستقوده إلى أفعال وأقوال غير سوية وغير متزنة خصوصا إذا كانت البيئة التي جاء منها ينتشر فيها الجهل والتخلف والدجل والشعوذة والميثولوجيا أكثر من العلم والمنطق والحجة والبرهان .

المجتمعات المتخلفة لا تخلو أبدا من الإنسان غير المتعقل ولأنها تغرد بعيدا عن الركب الحضاري في كل شيء يظل أفرادها مثلها يغردون والإنسان كما يقال : ابن بيئته )) .

ابن هذه البيئة المتعثرة وتحديداً صاحب العقلية الدينية المتواضعة ( العوام منهم)  ما يعنيني في مقامي هذا  فأنا من جانب أعذره لأني أعلم ما يعاني ومن جانب أخر لا أعذره لأنه لا يحاول أن يفهم ما يعاني فهو يأخذ جميع الأشياء الموروثة منها والمكتسبة حتى وإن كانت خاطئة على أنها مسلّمات مطلقة مقدسة طاهرة لا تمس لا تناقش في الحين الذي يهاجم فيه مسلّمات الآخرين ومقدساتهم على اعتبار أنها نجسة بل وأشد وساخة من قاذورات  قد يرميها فاحش على بغي في منتصف الليل لذا هي لديه قابلة للتطهير وللمساس وللنقاش .

لهذا  نجد صاحب هذه العقلية ينطلق من موروثه العقائدي أو الثقافي أو الاجتماعي المتواضع جداً ليهاجم موروثا عقائديا أو ثقافيا أو اجتماعيا آخر لا لشيء سوى أنه  أخر لا يشبهه  فيسلبه الفضيلة والشرف أولاً ، ثم يطعن في ثقافته وموروثه وبيئته وأصله وفصله ثانياً ، ثم يسلب  الله منه ظاناً أنه الحق وأن الحق معه ثالثاً ، ثم يختتم رباعياته بعيداً عن الخيّام حين يقوم وكأنه خازن النار بتوزيع  كوبونات جهنم بكل بساطة على من يشاء ويختار بعد أن  يمنح  صكوك الغفران لمن يشاء ويختار! وهو بهذا كمن يكافح النار بالنار وهو يظن أنه الجنّة !

أيها البسطاء الخليل بن أحمد قبلنا قال : الرجال أربعة :  رجل يدري ويدري أنه يدري  فهو عالم فسألوه ، ورجل يدري ولا يدري أنه لا يدري فهو ناس فذكروه ، ورجل لا يدري  ويدري انه لا يدري  فهو جاهل فعلموه ، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري  فهو أحمق فاجتنبوه  . أيضاً قال لقمان الحكيم: أن تكون اخرسا عاقلا خير من أن تكون نطوقا جهولا .

وعليه يا أيها المؤمنون إن كنتم تؤمنون بالله حقاً فاعلموا أن الله يعبد بالعلم ولا يعبد بالجهل وأن الاتجاه إلى الجنّة التي تنشدونها يبدأ بالعلم ولا يبدأ بالجهل . فلا تتحدثوا فيما ليس لكم به علم وفيما هو فوق قدراتكم الذهنية والمعرفية فألفاظكم هي الثياب التي ترتديها أفكاركم ويجب ألا تظهر تلك الأفكار بثياب ٍ رثة وتذكروا أن وردة واحدة تهدونها لإنسان خير من باقة ورد تضعونها فيما بعد نادمين على قبره فلا يمكن أبداً لأي إنسان منكم أن يصبح عالما بمعنى الكلمة دون أن يصبح قبل ذلك إنسانا بمعنى الكلمة .

نعم قد أعذر بعض أصحاب العقلية الدينية في سجالهم ونقاشهم مع الضد النقيض لظنهم أنهم على حق وأن الآخر دوما على باطل  لكنّ عذري ليس مطلقاً فالحياة متغيرة ومتقلبة وما نظنه بالأمس صوابا ربما نراه  في الغد خطئا وما ظنناه بالأمس خطئا قد نراه في الغد صوابا .

السؤال : لماذا لا تغيروا من عقلياتكم إن ثبت لديكم بالدليل القاطع إن هناك أفكارا يجب أن تصحح وقناعات يجب أن تتبدل وآراء يجب أن تناقش فلستم موتى أنتم أحياء وسكان المقابر والمجانين والموتى فقط هم من لا يستطيعون التغيير والتدبير والتفكير ؟

 لماذا دينكم وثقافتكم ومبلغ علمكم ومعتقدكم قائم على التلقين فقط ولا شيء سواه والشجاعة بحسب أرسطو ليست أن تقول كل ما تعتقد بل أن تعتقد كل ما تقول ، فلماذا لا تثبتوا شجاعتكم في قبولكم لمعتقد ما ولفكرة ولقناعة أو رفضكم لها عن طريق الحجة والبرهان والدليل العقلي قبل النقلي .

ألا تعلمون أن العقلية المختلة أو المتواضعة قد تحول النعيم جحيماً والجحيم نعيما ً؟
ألا تعلمون أن عقلياتكم هي من تحدد مصائركم وإنها قد ترى في الحق جزء من الباطل فتظنه باطلا كله وقد ترى فيه الباطل جزء من الحق فتظنه حقا كله .
ثم أسألكم بكل ما تؤمنون به .. كيف ترفضون الأفكار ؟ 

أعني كيف تقيّمون أي فكرة كانت أنها  فاشلة أو ناجحة وأنتم لم تسمحوا لها أن تعيش ولستم مؤهلين أصلا في الحكم عليها ؟   ثم كيف تطلقون النار عليها وعلى صاحبها دون أن تعقلوها ؟ أقلها دعوها لمن يفهم. دعوا من يعقلها يفعل ذلك أو دعوه يفهمكم ما لا تفهموه  والناس عالم ومتعلم وسائر الناس همج فلا تكونوا همجا وتحرمون غيركم مما قد ينفعهم لمجرد أن ما سينفعهم لم  تفهموه ولم تعقلوه .

من سلبيات الإنسان غير المتعقل عموما وصاحب الذهنية والعقلية الدينية المتواضعة تحديداً أنه يظل متعصبا لرأيه حتى لو سقت إليه كل الحجج والبراهين التي تثبت بطلان رأيه يظل متعصبا حتى وإن لم يجد من يتفق معه ، لهذا تجده في المسائل الدينية يقاتل وكأن الآخر فرعون دفاعا عن معتقداته أما في المسائل الفكرية والثقافية فهو لا يقاتل فحسب بل يستبسل من أجل إجهاض أي جديد وأي إضافة وأي فائدة وأي معرفة لا يعرفها قديمه حتى وإن كان هذا الجديد فكرة قد تحمل الخير له وللبشرية بأسرها لكنه يظل يقاتل ويظل يستبسل لقتل الأفكار لا لشيء وإنما لأن الآخر فرعون بالنسبة له ولأنه لم يتعود عليها و لم تعجبه أو أنها ليست سائدة في بيئته الثقافية والاجتماعية  دون أن يستند على منطق أو علم أو قاعدة معرفية تبرر قتاله ورفضه سوى تلك التي اكتسبها من تجربته وخبرته الشخصية ومخزونه العقائدي المتواضع .

بربك .. ماذا دهاك ؟ حتى أنت كنت في البدء فكرة .. هل نسيت ؟

الإنسان ما كان إنسانا لولا الفكرة والأفكار أيا كانت ليست شوكة بقدر ما هي  زهرة يجب أن نهتم بها ونتأملها ونتدبرها ونعقلها بمنتهى الهدوء قبل أن نجعلها تذبل فما يدريك ربما تكون الزهرة تحمل بين عبيرها وشذاها ما قد يغير مصير الإنسان بأكمله .

يا هذا جاذبية نيوتن كانت فكرة .. نسبية آيننشتاين كانت فكرة ، آيفون ستيف جوبز كان فكرة ، تصوير دافنشي كان فكرة، دائرية غاليلو كانت فكرة ، مصباح إديسون كان فكرة ..الخ الخ .. فكفاكم نحرا للأفكار ، كفاكم وأداً لها دون أن تعطوها الحق أن ترى الشمس أو تتنفس النهار.

واعلموا أن الأفكار العظيمة لا تموت وإن نامت ردحا من الزمن فهي كالخيل تعرف فارسها لذا حتما ستبعث من جديد وستظهر عند فرسانٍ يعرفون قيمتها ويعرفون كيف يجعلون من الحلم صحوا لا ينام ومن الخيال واقعا لا يضام .

واعلموا أن الأفكار الباطلة أيا كانت تلك الأفكار لا تحتاج منكم كل هذا السجال والعراك ولا تحتاج أن تهدروا وقتكم وتخسروا جهدكم  في التناحر والتقاتل عليها فهي مثل لذة الانتقام لا تدوم سوى لحظة .

في الحقيقة أنا لا أطالبكم بشيء بقدر ما أطالبكم فقط باحترام الآخر من باب" ثقافة الاختلاف" فالاختلاف رحمة وشئنا أم أبينا ليس فينا من يشبه الآخر وحتى من يحتج بالنص السماوي فالكتب المقدسة جميعها تثبت أننا مختلفون بل ويزيد الرب فيها أنه لهذا خلقهم.

 أقلها احترموا ما تؤمنون به إن كنتم لا تحترمون ما يؤمن به الآخر فلو كان الناس جميعهم سواء في المعتقدات والثقافات لما كانت هناك خصومة ولا معارك ولا تطور ولا معرفة ولا منتديات ولا مؤتمرات ولا تسويات ولا مناقشات لكنهم ليسوا سواء لذا أريحوا بالكم ودعوا المتدين لدينه والموسيقار لموسيقاه والرسام للوحاته والشاعر لقصائده والأديب لرواياته والكاتب لمقالاته والنحات لمنحوتاته والفيلسوف لفلسفته .

 أريحوا بالكم فالمجتمع البشري والإنساني لن تكتمل حلقاته بدون هؤلاء وحتما لن تقوم لأي مجتمع قائمة حضارية إن ارتكز على صاحب العقلية الدينية فقط حتى وإن كان مرجعا وفقيها عظيما فالسلسلة الحضارية في مجتمعاتنا البشرية لن تكتمل في معزلٍ عن بقية الحلقات .  

أعلم أن عقلياتكم ليست مؤهلة لخلق مساحات شاسعة للحوار والتفاهم بقدر ما هي مؤهلة لخلق العدوانية والكره والضد تجاه كل ما هو مختلف عنكم .

أعلم أن عقلياتكم لا تعمل إلا وفق منطق ثنائي مبني على لونين : ( الأبيض والأسود)  ولا ترى ألوان الطيف الأخرى والعديدة التي قد يحملها ربما منطق الآخر .

 أعلم هذا لذا أحدثكم عن عقليتكم الدينية تحديداً لأنها المزود الرئيس لثقافتكم التي دائما ما تنطلقون منها وتحتجون بها وبما أن أكثركم على دين محمد ودين المسيح لا أطالبكم بتقديس محمد ولا المسيح-عليهما السلام- بقدر ما أطالبكم باحترام الاثنين.

كيف ؟

 بأن تجعلونا نرى دين محمد والمسيح الذي تتحدثون عنه واضحا وجليا على سلوككم وأفعالكم فالاختلاف لن يزول والمتضادات لن تزول والمتناقضات لن تزول ولكي تتمكنوا من مخاطبة الآخر المختلف عنكم في الدين  والمعتقد أو الشبيه لكم في الدين والمختلف عنكم في المعتقد ونقاشه ومجادلته  بالتي هي أحسن عليكم الإيمان أولاً باختلافه واختلاف  نظرته ورؤيته وإيمانه بالأشياء عندها فقط ستتمكنون من إجراء اتصال ناجح وفعال مع الضد النقيض وقد يقودكم هذا الاتصال يوما في تغيير ما قد تظنوه باطلا .

نعم تذكروا أن بإمكانكم وبكل بساطة أن تهدموا جبلا لكن تذكروا أيضاً أنه ليس بوسعكم أن تخفوا حطامه وقديما قيل : الجبل لا يحتاج إلى جبل ولكن الإنسان يحتاج إلى إنسان  وأعلموا أن ما يسعى إليه الإنسان السامي يكمن في ذاته هو ، أما الدنيء فيسعى لما لدى الآخرين . نعم هكذا قالها كونفشيوس ونعم كم كان محقا .

http://www.aladalaonline.com/detail.cfm?id=19124&author&catid=3&subcatid=12
على موقع العدالة اونلاين

على موقع العمانية الإلكترونية
http://www.alomaniyah.com/detail.cfm?id=31899&catId=14