الأحد، 12 أبريل 2015

موازرت يخرجُ من قبره


موزارت يخرج من قبره
ليؤلفَ أعظم السيمفونيات
وتشايكوفسكي يخرج من وتره
ليعزفَ أحلى المقطوعات
كلما تكلمتي
تساقطت السماء أغاني
وتبللت الأرض كلماتْ
***
كلما تكلمتي
عادت الموسيقى بفرسانها الأوائل
وعادت بالذكرياتْ
عادت بشوبان وبشوبرت وبباخ
وعادت بالأمنياتْ
كلما تكلمتي 
تساقطت السماء أغاني
وتبللت الأرض كلماتْ
**
كلما تكلمتي ..
أمسك الشعر المكان
وعانق اللحن الزمان
وتساقطت السماء بيانو
وتبللت الأرض كمانْ 
**
كلما تكلمتي
تواضع شعر المتنبي
وتواضعت حكمة جبران
وتساقطت السماء معاني
وتبللت الأرض بيانْ
**
كلما تكلمتي
القمر أصبح قيثارة
والشمس أصبحت إيقاع ْ
وتساقطت السماء إثارة
وتبللت الأرض إبداعْ


الأربعاء، 8 أبريل 2015

"أبولو" أيها الإله الطيّب




توطئة هامة : قصة ، نحن هنا نقرأ قصة قد تتشابه فصولها مع قصصٍ كثيرة وعديدة وقد لا تتشابه ،عن أثينا القديمة ، هناك حيث لا زالت آلهة الأولمب تسكن قمة الجبل المقدس ، حيث لا زال كبير الآلهة "زيوس" يسيطر عليها ويحكم عالم الإنسان الأثيني ، هناك حيث ما زالت أثينا تحت الجبل تنتظر فضلات "زيوس" المقدسة وسيئات الآلهة الأخرى المليئة بالبركة تتساقط عليها من فوق الجبل .هناك حيث إله الفن ، إله الموسيقى والشعر والجمال "أبولو" يقرأ قصة قديمة جديدة وصلته عن طريق رسالة أرسلها مجهول من خارج الجبل المقدس . 

حسناً فلنفتح البريد ولنقرأ الرسالة مع الإله "أبولو" لنفهم القصة ، إليكم بها : 

"أبولو" أيها الإله الطيب ، ليس مطلوباً منك أن تعزف وتكتب وترسم ، توقف أرجوك عن كونك ربّا يوزع الموسيقى على الفنانين ويرمي القصائد على الشعراء ويهب القصص للأدباء .توقف فحامية الشرف العذري "آرتميس" لم تعد تحمي شرف الأرض ولا فضيلة الشجر ، لم تعد تفكر في الحيوانات المتطورة وغير المتطورة ، توقف فأختك لم تعد تفكر في هذه اللحظة تحديداً إلا بصيد الحيوانات التي تسكن أسفل الجبل المقدس وقتلها .

توقف فقد قامت الحرب وآريس" إله الحرب تحالف مع "هيفيستوس" إله النار بمباركة "زيوس" العظيم كبير الآلهة ضد الفلاحين والبسطاء ضد الفنانين والشعراء ضد الأدباء والمهندسين والأطباء ، ضد الجنس البشري ، ضد الحياة .

توقف فإن آلهة الأولمب مثلك مثل أثينا لم تغير عاداتها ولم تبدل صفاتها فهي لا زالت كما هي على مر العصور والأزمنة تعشق الحرب وتقدّر السلاح ، حتى أنها لم تفكر أن تفكر في السلام ، لا زالت تقدّس الصاروخ وتكره الحمام .

 الآلهة في الأولمب منذ أن وجدت وهي تعيش نفس الدور وأثينا تتنفس نفس المشهد ، والحرب هي الحرب يا "أبولو" وفي الحرب ليس مهماً أن تحدد من المصيب ومن المخطئ المهم من سيبقى ومن سيموت وحتماً الأقوى سيبقى وإن كان مخطئاً والضعيف سيموت وإن كان محقاً . 

الآلهة في الأولمب لا يبدو أنها قادرة على تمييز الخير الذي ترميه من فوق الجبل من الشر والغث من السمين ، كما يبدوا أنها ليست قادرة كذلك على تغيير مزاجها السيئ الطبع أو تغير من طبعها القاسي وتتسق وتتجانس حتى أنها رفضت أن تنسجم وتتحد وتخرج  على الناس من فوق الجبل بزي موحد ، هي لا زالت منفصلة مهما حاولت أن تظهر العكس ، وكما هو الحال على الجبل ، الحال نفسه أسفل الجبل .

في مجتمع أثينا كل فردٍ يملك إلهه الخاص الذي يعبده ويقدّسه ، فأحدهم يعبد إله النار وأحدهم يقدّس إله الحرب وأحدهم يقدّم النذور لربّة الموقد ، القليل منهم من يؤمن بك يا أبولو القليل فقط .لكن الأفراد  عموماً في أثينا وياللعجب في صف ٍ واحدٍ يقفون كل مساء ٍ أمام  "زيوس" سيد الأولمب الذي بارك الحرب ليشكروه على رحمته وعطفه وأمنه وسلامه .!

من يعرف "زيوس" أو قرأ عن "زيوس" يعرف أنه قليل الرحمة والعطف وبخيل الأمن والسلام  ، سيعرف كل من قرأ وتعرّف على "زيوس" أن الآلهة التي يسيطر عليها ويحكمها مثله تماماً تفضّل إحصاء عدد الجثث على إحصاء عدد المواليد ، وتفضّل أن تسهر على أفلام الزومبي والدراكولا والموت على الأفلام التي تصنع الحياة ، وتفضّل أن  تبارك حماقة الرصاص وغباء المدافع على مباركة طفلة أو حمامة علقت في أسفل الجبل .

ماذا يعني هذا يا "أبولو" ؟ ماذا يعني أن يكره "زيوس" صناعة الفرح ؟ أو تكره بقية الآلهة صناعة الحياة؟
ماذا يعني أن تشتعل الفتنة أسفل الجبل لكي ترضى الآلهة فوق الجبل ؟ أن تنفجر أثينا أسفل الجبل كي تنعم الآلهة  بالسلام والأمان والطمأنينة فوق الجبل ؟  أن تظل أثينا تقتتل وتتعارك وتتصارع وتفنى أسفل الجبل كي تنعم الآلهة بحياة الخلود فوق الجبل ؟ 

ماذا يعني هذا يا "أبولو" ؟

الآلهة لا تهتم بكل هذا الموت أسفل الجبل ، لا تهتم بأزمة الرغيف والفقر والتخلف والجهل ، ولا يهمها إن رأت أو سمعت أو تدخلت ، فما يهم الآلهة أن يظل أسفل الجبل يصلي لأعلى الجبل . 

ماذا يعني هذا يا "أبولو" ؟ أن تلبس نفس صفاتها المقدسة وترتدي نفس قدراتها الخارقة -مهما تغيرت الأزمنة والعصور- وتظل ترمي فضلاتها المقدسة من قمة الجبل ثم تطلب من الشعب المؤمن أسفل الجبل أن يجمع الفضلات ويشكر  الآلهة على كل هذه البركات القاسية التي أكلها . ؟! وفي كل الأحوال سيظل إيمان أثينا الأعمى يعبدها ويتبارك بفضلاتها ويأكل بركاتها ويشكرها ويحمدها .!

"أبولو" ماذا يعني أن تنفذ أثينا كل طلبات "زيوس"  وهو لا ينفذ لها أي طلب ولا يلتفت لكل هذا الدم المؤمن المهجّر والمشرّد والمفجّر الذي آمن باسمه وباسم بقية آلهة الجبل القادرة على كل شيء .

توقف يا "أبولو" توقف أيها الطيب وانظر فحتى اللحظة ما زالت أثينا تعتقد أن شر "زيوس" كله بركة ، وأن نقمته مليئة بالنعمة ، وأن غضب "كبير الآلهة" يحمل الحسنة التي تدفع عن أثينا البلاء ! أي بلاء أعظم من هذا يا "أبولو" ؟ أي بلاء ؟ لا أحد يعلم! 

تبقى أثينا المؤمنة والصابرة والمحتسبة تنظر إلى البلاء على أنه اختبار يجب أن تنجح فيه ، هذا الاختبار  ليس بالضرورة أن يجلب المنفعة والخير لكن نفس الضرورة  تحتم على أثينا أن تحترم الاختبار وتقدّسه وتتقبل نتائجه مهما كانت حتى لو كانت الموت ، يكفي أن هذا الاختبار يحمل  توقيع "زيوس" أو توقيع باقي آلهة الأولمب .

الغريب أن لا أحد في أثينا قابل "زيوس" وزيوس أيضا ً لم يتجلى أو يتواضع وينزل لأثينا ولو لمرةٍ واحدة ومثله فعلت بقية الآلهة ، فدائماً "زيوس" يعمل ويراقب ويوقع من فوق الجبل ودائماً الآلهة الأخرى تفعل المثل ودائماً أثينا تخاف وتتقي وتبارك التواقيع أسفل الجبل .

العجيب أن لا أحد في أثينا شاهد "زيوس" ولو لمرةٍ واحدة يرفع قلمه ويوقع ليتأكد فعلاً أنه قد وقع بالموافقة  على كل هذه الاختبارات ؟ لكن الكل يحلف أنه وقّع ! والكل يقسم أنه لم يستعر أصابع آلهة أخرى مثقفة ومطلعة ليكتب ويوقع ؟ الكل يقسم أنها أصابعه!  

 المدهش حقاً أيها الطيب "أبولو" أن توقيع "زيوس" العظيم يجب أن لا يدنس ولا يمس ولا يناقش ولا يراجع وليس مقبولاً على الإطلاق التشكيك بالتوقيع أو التشكيك بمن حمل التوقيع!

  كل ذلك يحدث يا "أبولو" لكي لا يغضب "زيوس" ولكي لا تغضب الآلهة الأخرى لغضبه ، فالسؤال عن الإله المسؤول عن التوقيع سيؤدي إلى قتل السائل أما التشكيك بحامل التوقيع فسيؤدي إلى انفجار نقمة الآلهة !

أنها البدعة يا أبولو نعم البدعة فما يكون بدعة في عصرٍ ما سيصبح أمراً مألوفاً في العصر الذي يليه، ليس هذا فحسب بل سيصبح المألوف حقيقة لا تقبل الشك ؟!

صحيح يا "أبولو" هل تنفجر الآلهة ، هل تنفجر هذه العظمة كلها ؟! هل ينفجر هذا الجبل المقدس بأكمله إذا شكت أثينا في المرسال ؟ إذا سألت أثينا سؤال ؟  أليس الأجمل من نقمتها أن ترسل نعمتها وتوقع على فضيلتها بيقينٍ ينصر المرسال ويحمل إجابة السؤال ؟!

لا عليك يا أبولو ، لا عليك أيها الإله الطيب ، في أثينا سيؤمن من يؤمن وسيكفر من يكفر ، فالنعمة لا يفهمها إلا الخاصة ولا يتذوق حلاوتها إلا أعمى الإيمان ، صحيح أن صاحب الإيمان الذي يلبس نظارة ربما سيفهم وسيدرك المعنى لكنه في الأخير سيؤمن نعم سيؤمن وسيفعل تماماً كما فعل أجداده في أثينا سيكذّب المنطق وسيصدّق الموروث ، لا تستغرب يا "أبولو" فأفلاطون كبير فلاسفة أثينا صاحب الإيمان الذي يرتدي نظارة الفلسفة والحكمة ظل يطلب من أثينا تسمية فصول السنة بأسماء آلهة الأولمب خشية من  "زيوس" الذي ظل يراقب فلسفته وحكمته من أعلى الجبل .
  
شعب أثينا ، لا يختلف عن بقية الشعوب الأخرى وإن تخللت عصوره وأزمنته بعض النخب الفكرية ، والفرد في هذا المجتمع الأثيني  يكفر بالآلهة أو يؤمن بها  بحسب الوراثة وبحسب البيئة وبحسب العادة والتقليد والإنسان ابن بيئته وهذا ما سيكون عليه تماماً كل فردٍ في المجتمعات الأخرى سيكون أبن بيئته، ليس هناك اختيار ولا تمكين ، النتيجة أن شعب أثينا القابع تحت الجبل عليه السمع والطاعة وعليه التسليم ، ما عليه إلا أن يصبر ويحتسب ويقتل  المنطق ويحبس المعرفة ويسجن الحكمة  والفلسفة ثم يلتقط كل هذا الشر ويتبارك به ثم يشكر الآلهة آلهة الأولمب على هبتها التي تقتل الحياة .

تبقى هناك حقيقة واحدة لا تقبل الشك يا "أبولو" وهي أن الكل يخشى من "زيوس" الجبار حتى أنت ، حتى تلك الآلهة غير الأصيلة التي انضمت لمجلس الأولمب عبر تداول سلمي للسلطة مثل إله الخمر "ديونيسيوس" التي تنازلت إحدى الربّات عن منصبها الأولمبي لصالحه بعد أن ظلت تسكر ليل نهار كي تنسى خوفها من "زيوس" ولا تنساه ، ظلت تشرب نخب كل اللصوص والتجار والساسة في أثينا كي تنسى ولا تنسى ، شربت كل الفضيلة والأصالة التي لم تصنع شراً بحياتها  كي تنسى ولم تنسى ، لهذا جن جنونها وفقدت عقلها  لأنها لم تستطع أن تصب جام غضبها على "زيوس" فصبته على أثينا وشعبها .

حتى تلك الآلهة الأصيلة التي وصلت لمجلس الأولمب عبر انقلابات وصراعات وحروب ، تلك التي لم تؤمن يوما بالتداول السلمي للسلطة في مجتمع الأولمب ظلت تخاف من "زيوس" ظلت تتقي غضبه وتطلب مباركته على انقلاباتها وصراعاتها وحروبها كي لا يطردها من مجلس الأولمب ويصادر أحقيتها في الانتماء للجبل المقدس الذي يحكم العالم .

الكل يخاف من "زيوس" المنتقم ،ربّ اليونان وأثينا رب المملكة الأكثر قوة ، والأكثر هيبة ، رب البرق والرعد ، رب النفط،  المسيطر على بورصة السماء واقتصاد الأرض .

 الكل في أثينا يا "أبولو" بات يتمنى ويحلم أن يموت ميتة طبيعية لا تنتج الكثير من الدم بعد أن بارك "زيوس" النار وبارك الحرب ، بارك هيفيستوس وبارك آريس ، الكل في أثينا ينتظر من إله العالم السفلي "هيدز" أن يسحبه إلى أسفل ليموت بعد أن قرر كبير الآلهة أن يعاقب هذه المؤسسة البشرية التي تسكن أسفل الجبل بالفناء .

نعم يا " أبولو" زعيم آلهة الأولمب المؤمن بالأهداف المقدسة لا تهمه أن تكون الوسائل مقدسة لذا فهو يرى النفس البشرية غير مقدسة ونجسة وتستحق الفناء ، يراها رخيصة وكافرة وتستحق الموت الفوري إذا تحالفت مع آلهة ٍ أخرى من داخل الجبل المقدس ومن خارج الجبل ضد معتقداته ، ويراها ثمينة جداً ومقدسة وطاهرة إذا آمنت باسمه وبمعتقده وتباركت بالآلهة التي باركها وتحالف معها فقط .

"زيوس" أيضاً يا "أبولو" مثل أثينا يعتز بقوميته وبهويته ويدافع عنها ويظل ينصر من الأعلى كل من ينصرها في الأسفل ، يظل يفضلها على بقية القوميات والهويات ويظل دوماً يراها أفضل ما خلق وأحسن ما أبدع والأقرب دوماً لقلبه الأولمبي الكبير لهذا يضمر لها القليل من الرحمة والمغفرة .

ليس إلهاً يستوجب العبادة في جبل الأولمب من يتحدث بلغة ٍ أخرى غير لغة "زيوس" يا "أبولو" وليس مؤمناً أسفل جبل الأولمب من يؤمن بدين ٍ أخر غير دين "زيوس" وليس أصيلاً من يعتقد بقوميات ٍ أخرى يفضلّها ويقربها على حساب معتقدات الجبل المقدس . 

كل نفس ٍ خالفت تعاليم جبل الأولمب دفعت الثمن يا "أبولو" فتلك النفس باتت استثمار روحي عديم الجدوى واستهلاك جسدي عديم القيمة ، تلك النفس لم تحقق أهداف "زيوس" وتحمي مصالحه ومصالح آلهة الأولمب لهذا كان مقدّر لها أن تموت كي لا يضطر مجلس الآلهة أن يرغمها على قرار ٍ قاسٍ أكثر من الموت بأن يرغمها كافروديت مثلاً ربّة الجمال على الزواج من إله النار لتنجب الكارثة والدمامة والتشويه .

"أبولو" أنت إله طيب تكره صراع الخناجر والدبابات وتكره الحروب وتفجير الدماء وتفضل السلام وتقدّر الجمال وتعشق الموسيقى والشعر وتظل تنشر الفنون وتوزعها على شعب أثينا وتقول في نفسك ربما تنعم أرضهم ببعض الجمال والسلام ربما .

من يهتم بما تحب يا "أبولو" من يهتم فآلهة الأولمب ستظل تعشق منظر الرؤوس المقطعة والأنوف المحطمة والجثث المحترقة ، من يهتم بما تحب يا "أبولو" أو بما تحب أثينا المهم ما يحبه "زيوس" والأهم ما سيقرره مجلس آلهة الأولمب.

 لا تشغل بالك يا "أبولو" فالصراع بالخناجر والدبابات والطائرات أثينا تفخر به وتتباهى، فهذا العمل الفوضوي والوحشي يليق بحيواناتٍ لم تتطور بعد ، هذا العمل  أثينا تقدمه دون خجلٍ ، فلا محاكم جنائية ستلاحق من قتل نفساً باسم "زيوس" ولا مجتمع أولمبي سيلاحق من فجر طفلاً باسم "آريس" ولا قاضي سيدين من أحرق شيخاً باسم "هيفيستوس" ، من يستطيع أن يدين الأولمب يا "أبولو" ؟ ومن يستطيع قبل هذا أن يدين القاتل الذي قدّم خدمة جليلة لآلهة الأولمب ولجبلها المقدس ودافع عن دينها وقوميتها وهويتها التي هي أيضاً دينه وقوميته وهويته ؟

 كيف سيدان من انتصر لمقدسات الآلهة أسفل الجبل والآلهة في أعلى الجبل تباركه وتشد من أزره وتكافئه على كل هذه الجثث التي انهى تاريخ صلاحيتها بأن تؤكد له أن سيعيش معها ذات يوم في الأعلى في أعلى قمة من قمم الجبل المقدس ؟ 

لا أحد سيهتف ضد القتلة أيها الإله الطيب، لا أحد ، فكل من هتفوا كانوا يهتفون لـ" زيوس" الذي عطّل الحياة وفعّل الموت ، كانوا يهتفون لـ "آريس " الذي عطل السلام وفعّل الحرب ، كانوا يهتفون لـ " هيفيستوس " الذي عطل الماء وفعّل النار ، ولو طرح شيئا أخر غير هذا الشر على مجلس الآلهة ، لو طرحت الفنون الجميلة مثلاً يا "أبولو" سيتم الهتاف ضدك وسيتم اغتيالك قبل أن يتم اغتيال الجمال.

ماذا ستصنع الموسيقى أمام المدفع يا أبولو؟ ماذا ستفعل القصيدة أمام الصاروخ ؟ ماذا ستفعل المعرفة أمام "زيوس" الذي حتماً سيخشى أن تغضب زوجته "هيرا" فلا تلد له بعد ذلك مصلحة ولا منفعة ، وكل المنفعة والمصلحة يا "أبولو" كلها في إبقاء اثينا متخلفة وجاهلة ومؤمنة حتى أخر حدود فقدان البصر والبصيرة .

أنت إله طيب يا "أبولو" تحب هديل الحمام وحفيف الورق وخرير الماء ، تكره ربّة الموقد وتعشق السلام ، لكن زيوس يعشق الحرب لهذا تزوج من "هيرا" لينجب آريس لتحل لعنته ولعنتها على اثينا ، وليكون هذا الإله القاسي المتحجر القلب رباً لكل حرب ٍ تقع ولكل عنفٍ يتم باسم حاكم الآلهة. 

"زيوس" لا يعرف أن أفضل الجنود الجندي الذي يتمكن من تحقيق الانتصار دون عنف ، وأن أفضل القادة القائد الذي ينجح في تحقيق المكاسب دون أن يحرك مدفعاً أو دبابة ، زيوس لا يعرف شيئا عن مصطلح "ذكاء عدم الهجوم" لهذا تراه يميل دوماً لمصطلح "الهجوم الشامل".

أنت إله طيب  يا "أبولو" لا تدرك أن لا شيء سيتغير فوق الجبل مالم يتغير كل شيء أسفل الجبل ، وحتى يتغير يجب على أثينا أن تفهم أن الخوف هو المصدر الأساسي لكل الخرافات وهو المغذي الرسمي لها وهو أيضا أهم وأكبر مصانع القسوة ، على أثينا أن تعرف أن الانتصار على الخوف هو بداية التغيير وبداية الحكمة.

 فأثينا بالخوف خلقت "زيوس" ، بالجهل صنعته وصنعت باقي الآلهة ، بالتخلف خلقته وبالوهم ضخّمته وبالخرافة جعلته يحكم الرعد والبرق ، وبالأسطورة جعلته يجمع السحاب كما يجمع النفط والذهب .

 خوف الناس في أثينا من المجهول الذي لا يعرفوه ، بالإضافة إلى قوة تخيلهم التي ظلت تتخيل وتتخيل وتتخيل ما يمكن أن يفعله الإله "زيوس" إذا غضب ، صنع كل هذا الهلع والرهبة  يا "أبولو" كما صنع  كل هذه القوة الخارقة والإعجاز الأسطوري الذي تراه .

الخوف ثبّت "زيوس" في أسفل الجبل والتخيّل ثبّته في أعلى الجبل ، ولو نظرت أثينا ملياً يا "أبولو" لو نظرت لعلمت أن الخوف بإمكانه أن يخلق إلها أبدياً وينصبه على عرش العالم بمنتهى السهولة ، فلا شيء يدوم في عقل الناس وفي قلب الناس في كل وقت وفي كل لحظة وطيلة العمر ومدى الحياة لا شيء يدوم كالخوف من إلهٍ كـ"زيوس " بمقدوره أن يبطش وبمقدوره أن يحرق وبمقدوره أن يرضى وبمقدوره أن يغضب وبمقدوره أن يرحم وبمقدوره أن يعاقب وبمقدوره أن يهاجم متى شاء وكيفما شاء .

 للخوف يا "أبولو" مفعوله السحري الذي لا يمكنك تصوّر قدرته أبداً حتى ولو كنت إلها أولمبيا أصيلاً ، يكفي يا "أبولو" أن تخاف أثينا قليلاً لتخاف بعدها كثيراً ، فالخوف من شيء سيجلب الخوف من شيء أخر وهكذا دواليك فالخوف مصنع يا "أبولو" و كل خوف ٍ سينتج خوفا أخر وكل مصنع ٍ للخوف سينتج مصنعاً أخر.

الخوف أيها الإله الطيب يسيطر على العضلات ويجعلها تشك في شجاعتها كما يسيطر على المعلومات ويجعلها تشك في صحتها ، الخوف يسيطر حتى على المنطق ويمنعه من أن يحمل  تأثيراً شجاعاً يزيحه من عقل الذين آمنوا به ، فالخوف أبو الأخلاق التي ستمكنهم من الصعود إلى قمة الجبل مع "زيوس" عندما يتفجر جحيم باقي الآلهة في الأسفل .

 سيظل الخوف يخضعهم لإرادته ويجبرهم على تبني أسلوب ضعيف وجبان وغير منطقي كلما اقتربوا من مناطقه المحرمة وخطوطه الحمراء ، فالخوف قد يصنع عقلاً جيداً لكنه سيمنع العقل الجيد أن يعمل بامتياز.

تخيّل معي يا "أبولو" ماذا يستطيع أن يصنع الخوف بشعب أثينا ؟ ماذا يستطيع أن يصنع في قلب مؤمن ظل طوال عمره يخاف ويخاف ويخاف ويخاف ؟ حتماً يا أبولو سيصنع شعباً يخاف من ظله ومؤمناً يخشى بعضه من كله . 

علينا أن نعترف يا أبولو بأن "زيوس" فوق الجبل المقدس تمكن من استخدام الخوف كوسيلة لإخضاع الأولمب لغاياته وأهدافه كما أستخدمه أسفل الجبل ليجبر أثينا أن تتبع خطواته ، علينا أن نعترف أنه استخدم هذا المصنع خير استخدام بعد أن أنتج كل هذا الهلع الذي أصاب شجاعة وحكمة وفلسفة أثينا في مقتل . 

  مع هذا يا صديقي الطيّب "أبولو" تظل أنت في أعلى الجبل وتظل اثينا أسفل الجبل ، مع هذا تظل أنت تؤمن بقدرات "زيوس" وتنصاع لأوامره وتخشى أن تذهب لجبل أخر يقدّر ما تحمل من فنون ، وتظل أثينا في مكانها تخاف أن تتحرك ، تظل في المكان نفسه تؤمن وتتطلع وتحلم في الخفاء بأن تتمكن فنونك الجميلة ذات يوم من هزيمة فنون الآلهة الحربية . 

 دعني قبل أن أرحل عن أثينا يا "أبولو" الطيب أخبرك بشيء : التناقض لا يخلق إلها منظماً والاضطراب أبداً لا يخلق إلهاً سوياً ومنظماً لهذا أؤكد لك أن هذه الحالة ستزول ، نعم يا أبولو ستزول وإن لم يكن ستضعف .

 صحيح أن مصنع الخوف أنتج إلهاً أولمبياً أبدياً حكم جبل الأولمب عبر كل العصور والأزمنة لكنه صنع وهماً ولم يصنع حقيقة ، صنع غابةً ولم يصنع حديقة .

 مشكلة الخوف يا صديقي الطيب أنه جعل المؤمن في أثينا يتخيّل أنه ملك عين الحقيقة ووصل منتهى الصواب ، لهذا لن تجد مؤمنا واحدا يشك في الأفكار التي يحملها أو يتعب نفسه في دراسة القناعات التي ورثها مع أن الشك أساس الحكمة. سيكتفي بالخوف يا "أبولو" سيكتفي بالتركيز على الشمس التي ظن أنها تسطع من رأسه ونسى أو تناسى أن من يبقي وجهه باتجاه الشمس لن يتمكن أبداً من رؤية الظلال .

الحقيقة أن ظلال المحبة قادرة أن تصنع إلهاً أولمبيا حقيقياً، قادرة أن تجعل اثينا بنفسها تصعد إلى قمة الجبل المقدس لتثور على "زيوس" وعلى هيفيستوس وعلى آريس وعلى كل آلهة الحرب والدمار والخراب وتنتخب إلها ً مثلك يقدّر الفن والجمال .

 لماذا تظل أثينا تزحف إذا كان بمقدورها الطيران ، أتمنى يا أبولو إن فعلتها وطارت أن تكون أنت الإله الأولمبي المنتخب ، فعلى الأقل يا صديقي الطيب ستكون مهتما بالإنسان وبفنه وبحضارته وستحميها وستحرص على تطورها وستكون حريصا أن تحمل الأرض كتاباً عوض أن تحمل مدفع وأن ترسل السماء قصيدة عوض أن ترسل صاروخ .

الأحد، 5 أبريل 2015

سيارة إطفاء تقودها غيمة



مثلما يسعى نهر للضياع في محيط ، أسعى أنا للضياع في محيطك ، أسعى أن أغسل بأمواجك النجوم وأجتاح بملحك الكواكب .

أسعى إلى تهريب الحياة الوحيدة التي يمتلكها جسدي القريب جداً من الانهيار والموت إلى عالم السماء عبر ممراتك الروح ومن ثم أكون هناك حراً وحياً كيومٍ هرب من شرطة التاريخ وفر من قبضة التقويم.

وهناك.. هناك في الامتداد الواسع للكون سأعيد تشكيل حياتي المهربة وسأفتح ساعاتها وأيامها وتواريخها المقفلة بما يتوافق مع أيامك الكونية المفتوحة وانفتاحاتي .

هناك لن أصبح صورة فوتوغرافية تحملها الجدران ولن أصبح اسماً تحمله سجلات المستشفى وملفات شؤون العاملين ، سأصبح المستحيل ، سأصبح متحالفا مع مصيري وقائداً لجيوش قدري.

 هناك لن أنظر إلى الأشياء كما كنت أراها على الأرض ، هناك لن تتعارك ولن تتعارض نظرة عيني مع نظرة عقلي ولن أضطر أن أبحث عن الاستدلال. هناك لن تكون الأشياء مخادعة ولن تكون مربوطة بأفكارٍ سريعة الظهور سريعة الزوال .

 هناك يا عزيزتي كل لحظةٍ سنعيشها ستبقى معزولة في مكانها ، سنكررها وستبقى اللحظة أيضاً معزولة في مكانها ، هناك لن نشعر بالملل فكل لحظة ستكون الأولى وكل انطباعٍ يُسجّل سيكون دوماً الانطباع الأول.

هناك بإمكاننا أن نكون عاصفة ممطرة أو نكون مدفأة في غرفة ٍ سماويةٍ مقفلة ، أو نكون رائحة اشتعال عند الشمس أو سيارة إطفاء تقودها غيمة ممطرة.

هناك سيكف العيد الغريب عن التنقل من مكانٍ إلى أخر مثل الباعة المتجولين ، هناك سيبقى العيد معنا وستبقى الشهب والنيازك معنا تشتعل وتطير وتسقط كالألعاب النارية.  

 هناك كل شيء سيصبح أفضل وأفضل شيء أن ذاكرتنا ستصبح خارجية وأعمالنا ستصبح خارجية ، هناك لا تخزين ولا تدوين فكل ما نفعل أمامنا يطير ، وكل ما نلمس خلفنا يشتعل. 

هناك سجلات (الأنا) لن تضطر أن تراجع ذاتها وتُخرج ما خبأته في حفرها النفسية ، بعد أن أصبح الجوهر الفرد أعني ذلك النموذج الإنساني الذي حملته ذواتنا محتجز على كوكب الأرض كوكب الوجع ، وأصبحنا نحن هنا ، ماذا أصبحنا ؟ الحلم.  ربما ، وربما الخيال والوسع .