الأحد، 30 يونيو 2013

وصايا..7







صغيرتي .. هل نحن أحرار ؟ هل نستخدم مفردة "الحرية" الضخمة المعنى على أرض الواقع كما نستخدمها على أرض الورق ؟ هل نمارس حرياتنا العقائدية والثقافية والسياسية فعلاً كما نشاء دون قيود ؟

لا أدري بطبيعة الحال عنكم ولا عن زمنكم إن كان قد أعطى قيمة"الحرية" مفهومها الحقيقي خارج الاستعارات والدعايات الانتخابية وكذب الحكومات عن أن حرية الفرد مكفولة بحسب الدساتير والتشريعات والقوانين التي يتغنون بها .

لكني أعلم عنّا نحن يا صغيرتي .. أعلم أن الحرية التي نمارسها في العالم العربي تختلف تماماً عن تلك الموجودة في الكتب والدساتير والتفاسير . أعلم أننا نمارس حرياتنا تحت ضغط الحكومة وقبضة القبيلة وسلاح العادة ولكمات التقليد وركلات جهاز المخابرات .

أعلم أن القيود التي على الحرية أن تتخلص منها لتكون " حرة" لا زالت في أيدينا ، أن الأغلال التي يجب أن تكسرها "الحرية" لأنها كبّلت طاقات الإنسان لا زالت في أيدينا ، أن العبودية التي ترفضها " الحرية" لا زالت تسير حافية في شوارعنا ، أن المسار الثقافي والسياسي والعقائدي الذي يجب أن يتحدد وفق حرياتنا الشخصية لا زال يهرول وفق مسار الحكومة وينمو ويكبر ويزدهر تحت عين وسمع وزراء الإعلام والثقافة في شرق المتوسط.

أعلم أن "الحرية" التي خلقت لتنحر الإجبار والإكراه والفرض والوصاية والاستعباد لا زالت تعمل في بلادنا الشرق أوسطية عمل سالومي بــــــ رأس يحيى .

إيمانويل كانت .. هذا اسم فيلسوف يا صغيرتي تحدّث كثيراً عن الحريات الموجبة والسالبة وعن الحق الطبيعي للإنسان والمطلق .

المسكين ما كان يعرف أن هناك بقعة في الخريطة الكروية لا تعرف أي معنى للموجب وللسالب وأي معنى لإبداء الرأي أو اختيار مكان أو تحديد مصير .

المسكين ما كان يعرف أن الإنسان في هذه البقعة لا يستطيع أن يرفع أي شعار وأي معنى ، ما كان يعرف أننا في هذه البقعة لا نستطيع الانتخاب ولا الانتداب ولا نستطيع تعيين حياتنا كما نشاء ولا انتخاب آمالنا كما نريد .

المسكين يا صغيرتي ما كان يعرف أننا لا نستطيع التحرك ضمن قوانين الطبيعة حتى نستطيع التحرك ضمن قوانين المشيئة والإرادة ، ما كان يعرف أننا لا نستطيع التحرر من تبعيتنا للآخرين حتى نستطيع أن نتبع أنفسنا ، ما كان يعرف أننا لا نستطيع أن نكف عن استعارة أصابع الآخرين حتى نستطيع أن نكتب بأصابعنا .

المسكين ما كان يعرف أن عبارة " لا أحد يستطيع إلزامي بما يريد " ليس لها مكان في بقعتنا ، فهنا الرعاة والأوصياء والولاة والذين نصّبوا أنفسهم مشايخاً عند الله يستطيعون أن يلزمونا بما نريد وبما لا نريد .

هنا يا صغيرتي ، نحن نفعل ما لا نشاء ، ونؤمن بما لا نؤمن ، ونكفر بما لا نكفر ، ونعتقد بما لا نعتقد ، ونعترض على شيء نحن في أمس الحاجة إليه .

نحن هنا يا حبيبتي لا نبحث عن سعادتنا ولا عن حريتنا ، نحن هنا نبحث عن سعادتهم وحريتهم وعن حقهم في البقاء مكّرمين ومنعمين فوق جثثنا حتى يوم القيامة وإن تذمرنا خرج علينا الحاكم بأمر الله قائلا : الدنيا جنّة الكافر وسجن المؤمن" .

نحن هنا يا صغيرتي لا نؤمن كثيرا بترهات جون سيتوارت ميل الذي قال : الإنسانية يجب أن تتدخل في الحريات فقط حماية للنفس ))

اخبريه يا ابنتي أن الإنسانية هنا معدومة والحريّات معدومة .

اخبريه أن الحيوانية هي من تتدخل لتحديد ما هو الأفضل وما هو الأنفع وأن الإنسانية التي قال أنها يجب أن تحمي المجتمع من الحريات الضارة ليس لها وجود هنا ففي بقعتنا أصلاً لا يعيش إلا الضار ، أما المجتمع الإنساني الحضاري الذي يتحدث عنه ليس موجودا ً في الأسفل هو في الأعلى فقط -عزيزي جون- هو في الأعلى فقط حيث شرفات القصور حيث التحرر من الأديان والتحرر من البنيات الاجتماعية غير المتطورة مثلنا .


في زمنكم يا ابنتي ، تشبثي بحريتك ، لا تتنازلي عنها إطلاقاً ، لا تمنحي السياسي فرصة كي يسلبها منك ، لا تجعلي المتطفل على الإعلام وعلى الثقافة أن يفعل ، فالكل يطمح أن يكون حراً ولو بالمال، وأريد لطموحك أن يكون حراً بلا مال ، أريده أن يكون حراً بالآمال رغم أنف الإكراه والوصاية والقسر ، فأرجوك أرجوك يا حبيبتي لا تدعي الإكراه يقترب منك أو يخيف في "حريتك" شعرة .

في زمنكم يا ابنتي .. أكرر .. تشبثي بحريتك ، بفلسفتك ، بمنطقك ، برؤيتك ، واحذري أن يبرزوا لك أشكالا فلسفية ومنطقية مخادعة كدمج عالم الدين بعالم الإنسان فقط ليمرروا آلهتهم إلى السماء ليستولوا على أفكارك باسم الرب ويقضوا على اختيارك وانحيازك الفطري للفضيلة من أجل انحيازهم الفطري للرذيلة .

احذري أن يقنعوك بنظرياتهم المخادعة القائمة على عبارات واضحة مكررة ومكذوبة ، تذكري يا صغيرتي أن حتى أكثر النظريات شهرة -أياً كانت النظريات - القائمة على معالم واضحة تعاني من الاضطراب والتذبذب في الكثير من أجزائها.

صدقيني يا ريّان الإيمان بالحقيقة يبدأ حين يبدأ الشك في كل الحقائق . والحرية تبدأ حين يستيقظ الإنسان من سباته العقلي ليستخدم نشاطه الفكري في مختلف الأصعدة دون وصي أو وسيط.

لا بأس يا ابنتي ، أعلم أنك الآن ربّما ترثين لحالي وتقولين –رحم الله والدي- كان مكرهاً أن يقوم بأشياء لا يحبها وأنه ربما حقق مقولة جورج واشنطن : مثل الدابة البكماء التي تقاد إلى المسلخ .

في الحقيقة يا طفلتي لم أقم بأشياء لا أحبها ولم يقدني أحد إلى المسلخ . لذا ابتسمي ودعيني أقول لك : حين رأيتهم يحملون أكياسا بلاستيكية لخنق "حريتي" وسيوفاً "عنترية" لنحر إرادتي وماسحات صخرية لمسح فكرتي فعلت كما تفعل الأجسام في الفيزياء حين تسقط حرة .

آثرت السقوط حراً في مكان ٍ أخر يا صغيرتي . فلعنة "الحرية يا ابنتي " كما يقول سارتر "ترقد على الإنسان شاء هذا أم أبى" .

وأنا شئت منذ البدء أن تحل لعنتها علىّ راضياً حتى لا أرغم في المستقبل على التعايش مع حق مطلق فقط لأن الحكومة العربية قررت تحت الضغط "الدولي" أن تمنحني إياه .

الثلاثاء، 25 يونيو 2013

وصايا..6





تقول القصة يا صغيرتي كما هي في الميثولوجيا : أن بروميثيوس سرق النار المقدسة .

 أن زيوس أمر أبنه بخلق المرأة " باندورا" عقوبة للبشرية .

 أن الآلهة فيما بعد قدّمت الكثير من الهدايا كرشوة ٍ لباندورا بعد أن دسّت بينها " الخديعة".

 أن شقيق بروميثيوس لم يستمع لنصح أخيه وتزوج المرأة باندورا .

 أن صندوق "الشر" الذي كان بحوزتها هدية من الإله المخادع زيوس قد فتح . أن الصندوق الذي فتح خرجت منه كل الشرور التي نعيشها اليوم .

 أن قيم الخير كانت مخبئة في الصندوق نفسه .

 أن الشرور قضت أيضاً على قيم الفضيلة لم تبق في الصندوق قيمة معتبرة إلا " الأمل " الذي رفض أن يخرج بعد أن عرف أن باندورا فتحت الصندوق في الشرق الأوسط . !

 منذ ذلك الحين يا طفلتي ونحن نعيش في شرقنا المتوسط "سباق المسافات الطويلة" كما يصفه الميت الكبير " عبد الرحمن منيف . ونعيش أيضاً عالم منيف المنزوع الخرائط .

 ورثت الحكومات العربية"صندوق باندورا" لم تغلقه يا صغيرتي ، لم تعده للآلهة ، لم تعدمه أو تحرقه أو ترميه في أقرب مزبلة وتخلص العالم من الشرور .

 وجدته صيداً ثميناً يا حبيبتي .. حمته ، حافظت عليه ، أورثته للحكومات المتعاقبة ، أمّا باندورا فأحدثت العجب العجاب في شرقنا المتوسط فهي تنام كل ليلةٍ في خدر الملك " الكندي" الذي منذ عاشرها قام يردد : ((اليوم خمر وغداً أمر )) ولا زلنا ننتظر الأمر يا صغيرتي .. وننتظر أن ينتهي يوم الخمر .

 بالطبع اعترضنا يا صغيرتي .. كتبنا .. طالبنا .. شجبنا ، نددنا ، هتفنا بأن يغلق الصندوق وأن تطرد باندورا. لكن الصدى وحده من استمع لأصواتنا والريح .

 قلنا لهم يا صغيرتي أننا مهد الحضارات ، أننا العالم القديم ، أننا مهد الديانات السماوية ، أننا لبنة الإنسانية ، أننا وأننا ، وأن باندورا وصندوقها خطر علينا .

 صغيرتي كم أتمنى أن أقول لك ِ أن باندورا وصندوقها مجرد ميثولوجيا لكني لا أستطيع فالميثولوجيا تحولت لحقيقة في شرقنا المتوسط علينا أن نتعامل معها ونصدقها ولا شيء أصدق ولا أدل على وجودها أكثر من هذا " الشر " المنتشر في جميع أصقاع الوطن العربي .

 كم أتمنى أن أقول لكِ أن الآلهة بقيت في النقوش على جدران المقابر والمعابد وأنها حتى الآن لم تخرج من المتاحف ولا زالت تنام في القطع والمنحوتات الأثرية ، لكنها ليست كذلك ، لا تصدقيهم يا صغيرتي لقد فرّت الآلهة من المعابد والنقوش والمتاحف ، لقد فرّت الخرافة من كتب الأساطير .

 الآن أنا أتطلع حولي وأراها بكل في وضوح في المدينة وفي القرية وفي ملابس الموديل وفي وشاح القرويات وفي المجالس النيابية وفي المجالس الشعبية وفي المنتديات والمدونات .

 أراها في كل مكان يا صغيرتي ، نعم يا ابنتي باندورا هنا والخرافة هنا .. وهيراكليس ابن زيوس الأكبر لا زال منذ قرون يجلس على عرش الشرق الأوسط . صغيرتي .. إن كانت هناك خرافة في هذه الدنيا .. فهي نحن .وكما بيعت النساء الطرواديات للعبودية في مختلف أنحاء اليونان باعونا في سوق "النخاسة العربي " .

 نحن ماضٍ يا ابنتي .. نحن ماضي كالأوثان في قريش.. أما المستقبل فلا يعيشه إلا أبناء هيراكليس .

الاثنين، 24 يونيو 2013

وصايا..5









صغيرتي ، أنا الآن في مجمع ٍ تجاري في وسط البلد ، أنتظر أن تفرغ أمك من التسوق.


أسأل نفسي : ترى بعد عشرة أعوام من الآن أعني حين تكوني في العاشرة من عمرك هل سيتيح الله الفرصة لي لئن تكوني معنا ؟


حبيبتي أود أن أخبرك ِ عن أخيك ِ .. نعم البارحة سألني :


بابا .. (هل يموت الناس في الحرب ) ؟


ما رأيك يا طفلتي ؟


أي قدر يحمل هذا السؤال من البراءة وأي قدر يحمل من الدم ؟ لعلي سأستشهد بشكسبير –بالمناسبة هذا اسم كبير عليك أن تعرفيه – مثل الدودة التي تنهش برعم الوردة العطرة ، أو لعلي أستشهد بعلي بن أبي طالب – أيضاً هذا اسم عظيم يجب أن تعرفيه – الدنيا خلقت لغيرها ولم تخلق لنفسها .


نعود لأخيك وللحرب ..


قلت له يا صغيرتي : الناس يموتون في كل مكان ، يموتون في الحرب كما يموتون على الدرب ، يموتون من الكراهية كما يموتون من الحب .


حاولت يا ريّان أن أبسط الأمور عليه .. لكن ليس هناك ما أبسطه فالحرب هي الحرب كما النار التي وقودها الناس والحجارة .


صغيرتي .. سيكبر"عبدالله " قبلك وسيفهم أن النقاب الذي نضعه على الكلمات لنخفي قبحها ودمامتها لا يمكنه أن يخفي الحقيقة وأن الحجاب الذي تضعه فتاة ما لترضي أسرتها المتدينة فقط لن يخفي حقيقة الوجه اللعوب الذي يرتع خلفه ، وأن الحرب التي نشنها على بعضنا البعض مهما حملت من مبررات ومهما كذبوا علينا في المحطات ومهما وضعوا من زينة وأعلام ومانشيتات لن تستطيع أن تخفي الخسارة الفادحة التي يدفع ثمنها " الإنسان" .


ريّان قولي لأخيك عني -إن لم أكبر معه ويكبر معي- : نعم يا بني ، نحن نموت في الحرب ويحيا السيف ، نحن نتمزق في الحرب ِ أشلاء في عز الشتاء وعز الصيف .


أخبريه أن حياتنا كلها "حرب" ننام على وقع القنابل ونستيقظ على وقع الدبابات ، ونأكل على صوت الباتريوت ونستريح تحت نخيل الهدن المؤقتة .


أخبريه يا ريّان أننا منذ ولادتنا ننشأ نشأة عسكرية ويطلقون علينا منذ أيام البادية أسماء ذات هيبة لها وقع في قلب العدو حتى أنهم يلبسونا منذ الصغر لباس العسكر ويدربونا كيف نقاتل في الأودية والجبال القبائل .


أخبريه أننا نعيش حتى الآن " عصر الركبان " وأننا من أجل التفاهة قد نقاتل .. واعرضي عليه الشواهد ، أخبريه أننا تقاتلنا لأربعين عاماً على ناقة وعلى خيل وأننا حتى الآن ربما قد نقيم الدنيا ولا نقعدها من أجل بعوضة لكننا أبداً –مع الأسف يا ريّان اخبريه – أننا لم نقاتل من أجل فلسطين يوما واحدا ولم نجتمع لأربعين يوماً لنشتم إسرائيل كما اجتمعت بني أمية لسبعين عاما لتشتم عليا فوق المنابر .


قولي له يا ابنتي: لم نتوحد ليومين فقط يا بني ليومين كما توحدت المؤامرة لتجعلنا ننحر بعضنا بهدوء ، نعم قالها أحد ساسة بني إسرائيل يا بني " دعوا العرب يقتلون أنفسهم بهدوء " .


صغيرتي .. قولي له : " أكثر السكاكين صلابة يضيع حدها إذا أسيء استخدامها " . ألم أقل لك أن شكسبير الكبير يستحق المعرفة .هل تتصورين أننا نعرف استخدام السكاكين خارج المطبخ ؟ هل يتصور عبدالله ذلك ؟ أو استخدام الخناجر خارج المناسبات واستخدام الدبابات والمقاتلات والصواريخ الحربية التي أنفقت عليها الحكومات العربية والخليجية ملايين الملايين خارج عيد التحرير وعيد الاستقلال وعيد الجلوس أو خارج العروض العسكرية ؟


اخبريه يا ريّان : يبيعونا سكاكين دون نصل يا بني حتى لا نسيء استخدامها في الخارج ، لكنهم حريصون جدا على تزويدنا بكل نصلٍ حاد كي نسيء استخدامه في الداخل .. نعم يا صغيرتي .. دعيه يقول : أغبياء .. حمقى .. ألم أقل لك ِ أن عليا الكبير يستحق المعرفة : " كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلا وعاء العلم، فإنه يتسع به"






صغيرتي .. انتهت والدتك من التسوق .. على ّ أن أذهب .. سأكتب لك لاحقا ُ


لاف يو


أبوك




الأحد، 23 يونيو 2013

وصايا..4


 صغيرتي .. كيف حالك ِ اليوم .. في أي عام ٍ أنتم وأي مكان ؟

إن كنت ِ تسألين عن العام فنحن الآن في عام 2013.. والمكان ( صحراء محترقة - شبه الجزيرة العربية ) أما الأخبار كما هي منشورة أمامي الآن كالآتي :

-اللجنة الدائمة للمساعدات السكنية تعقد اجتماعها الخامس

-اللجنة المحلية لشؤون الأراضي تعقد اجتماعها

-الاجتماع الرابع للجنة الشؤون البلدية بمسقط

-الأمم المتحدة: اكثر من 45.2 مليون نازح في العالم عام 2012

-إخلاء برج "إيفل" في باريس بعد تهديد شخص بالقفز من أعلاه

هل رأيت ِ يا صغيرتي.. اجتماعات .. تتبعها اجتماعات .. تتبعها اجتماعات .. ومساعدات .. تتبعها مساعدات ومساعدات .. لا جديد يا ريّان .. فالاجتماعات هنا يا صغيرتي أكثر من اجتماع "يسوع" بحواريه ، والمساعدات التي تنفق من أجل أن تبقى الحكومة غنية ومترفة أكثر من المساعدات التي تنفقها من أجل أن يبقى المواطن فقير ومعدم . وسياسة أن يكون المواطن أرنبا ً يلحس أقدام الحكومة من أجل جزرة لا زالت كما هي . حتى أن الحكومة -هذه الأيام- تدرس إمكانية إيصال الجزر للمواطنين الأرانب عن طريق " خدمة المنازل "  .

أما على الصعيد  الإنساني  فالمهجرون في شرق المتوسط كل يوم يسجلون أرقاماً لا تستطيع "موسوعة جينيس" أن تتحملها يا صغيرتي ، أما الإرهاب وحوادث الإخلاء والتفجيرات فهي مسلسل ٍ يومي نتابع حلقاته حلقة بحلقة مع أننا نعرف النهاية مسبقا ً .. –ليس ذكاء منا يا صغيرتي – لكن التكرار يعلّم الحمار وحمارنا قد تعلم النهاية جيداً ، تعلم هو وحمار كاتب السيناريو وحمار المخرج أن حمار الحكومات الغربية والعربية سيكون بطلا في الحلقة الأخيرة بعد أن يرفس صدر الشعب  .

ريّان .. أخبريني يا طفلتي هل لا زالت لديكم حتى الآن "حمير" ؟

 لا أعني حمار الحكيم بالطبع .. تفهمين ما أقصد .

 بالمناسبة  كنا نناديه أحياناً العم "صابر" دللناه كثيراً يا صغيرتي .. لسنا وحدنا من نفعل فالحكومات أيضا خرجت علينا عبر المحطات وقنوات الأخبار من أجل أن نفعل ومن لا يفعل .. -كما حدث مع أحد أصدقائي- جهاز المخابرات سيقنعه أن يفعل .

الحكومات العربية تعرف أن الحمار حيواناً أليف وتعرف أكثر أنه منتشر بكثرة في أفريقيا وآسيا ، وربما طوّعت تلك المعرفة أكثر مما يجب حين جعلته أكثر احتمالا للمشقة في " الخليج " .

الحمار أصبح رفيقاً للإنسان ..

 الأمر ليس جديداً يا صغيرتي فمنذ البدء كان الحمار رفيقاً للإنسان .. وكان ينافس معه  دورة الانقراض منذ 12 ألف سنة منذ الجد الأول للحمار في بلاد الصومال .

 نحن في مأزق يا صغيرتي .. فهذا يعني أن  الحكومات كانت تعرف منذ ذلك التاريخ أن الإنسان يجب أن " يدجّن" وأن يعود ليجاور زميله في "المملكة الحيوانية " وربما لهذا تقيم  له الـبرامج التدريبية من أجل أن يتعلم فن " النهيق " واتيكيت " البرسيم " وبروتوكولات " هز الذيل"  .

بطبيعة الحال يا حبيبتي .. هناك من يتمرد .. في كل مكان هناك الشاذ وهناك المميز .. وهناك من لا يحب الخنوع ولا المهانة ولا الاستسلام كـــ " الحمر الوحشية " وهنا في هذه البقعة التي نتشارك فيها العادات والتقاليد قضوا على الحمر الوحشية وعلى الشاذ وعلى المميز وعلى الكرامة لم يعد هناك تمرد يا صغيرتي حتى أن الحكومات هذه الأيام تكريماً لإخماد "ثورة الحمير" قامت تطلق مصطلح " جحش" لمن يحاول أن يرتكب حماقات أسلافه .  

أما على مستوى " الناس" يا صغيرتي .. فالناس يحبون " الحمير" ويكرموهم وأحياناً يدللوهم –تعرفين السبب بلا شك- فالرباط وثيق بينهم والسبب وجيه لذا لا تسأليني لماذا ندلل " الحمار " .

قبل أن أذهب يا صغيرتي إليك ِ أخر الأخبار :  هذه الأيام الحكومة العربية-الخليجية تجري بحوثاً حول إمكانية الاستفادة من جلود الحمير في مجالات اقتصادية وطبية .. نعم يا صغيرتي .. ربما سيأتي يوم يضطر فيه "حمارنا العربي -الخليجي" بدافع التجربة- التي سيرغم عليها بطبيعة الحال- أن يبيع جلده من أجل أن تثبت الحكومات نجاح فكرتها .

حسنا دعينا يا صغيرتي نأخذ الموضوع على محمل " حسن الظن " دعينا نقول : ربما تفعل ذلك  لتوفر وتخفف من التكلفة الاقتصادية والعبء الهائل على الميزانية باستخلاص عقاقير ومنشطات لا تحمل آثار جانبية وتحافظ على منسوب" الصبر" حتى لا ينفد وينفجر في وجهها ...

بعد هذا كله .. هل سنظل يا صغيرتي نستخدم كلمة " حمار" في الشتائم السوقية التي نطلقها على بعضنا البعض .. أو نطلقها كصفةٍ على الغبي دون النظر للقواسم المشتركة وللعمل الشاق الذي يقوم به المسكين دون كللٍ  أو ملل تماماً كما نفعل ؟

ربما سيغضبون مني الآن يا صغيرتي .. فحتى الآن لدينا من يرفض هذه المفردة .. تصوري.. يرفضونها على الرغم من أنهم يطبقون كل معانيها لكنهم لا يطيقون سماعها .. لماذا يا صغيرتي ؟

لأننا تعودنا أن نهرب من الحقائق ..

 نسمع عنها من بعيد لكننا لا نقربها ولا نفكر أصلا ً أن نقربها .. تعودنا أو عودونا أن نستمع لكل تلك القصص الهائلة عن " الحمار" وأن نعيش عيشة " الحمار" وأن نأكل ونشرب ونعمل كـ " الحمار" لكن تكرماً وترفعا من الحكومات ولأننا ربما نحسب عليها كـ"بشر" ولأنها في منتهى الآدمية ترفض أن نطلقها صراحة وأن نعترف بها.. تفضّل أن نستخدمها عن طريق " النية" .

لكل "حمار" ما نوى يا صغيرتي ..

 لكل حمار ما نوى ..

قبل أن أرحل لا تشتري أبداً قصة عنوانها " مزرعة الحيوان " لا تنفقي مالك هباء إن أحببت ِ قراءتها ستجديها فيما حولك ِ.. أو عودي لقراءة تاريخنا العربي فهو مليء بقصص " الحيوان" .

لاف يو ..


أبوك .

السبت، 22 يونيو 2013

وصايا..3



مرحبا يا حبيبتي .. هل تأخرت عليك ِ ؟ لا بأس يا صغيرتي فوقتي ليس ملكي فلا زلت حتى الآن أصارع الدقائق من أجل أن أعيش حراً كالهنود الحمر لكني أفشل .

 بالمناسبة أخبرتك في رسالة ٍ سابقةٍ عن فتاة ٍ كنت أحبها.. هل تذكرين ؟ عموماً طالما تحدّثت عن الوقت وعن الحب دعيني  أخبرك ِ حتى أكون صادقاً وطاهراً أمامك ِ أن الوقت الذي لا أملكه كان يسبب لتلك الحبيبة مشكلة عويصة.

 كانت تريد –وهذا حق لها بالطبع- أن أكون حاضرا ً في أي وقت وكل وقت ، لكني لم أستطع ، فالوقت الذي دسّه الله في ساعة أيامي بتصوري يجب أن أنفق بعضه للناس أيضاً وللشعر وللعشب وللبحر وللزيتون وللكتب ولشواهد الموتى وللمعجونين بالألوان والآهات وللمعذبين وللميتمين وللذين يحتاجون أن نكون إلى جانبهم .

أبوك ِ ليس أنانياً يا ابنتي  . فعلى قلبه تربض هذه العبارة المفرطة المعنى ( الحب إنسانية )

والإنسانية تحتم على أبيك ِ أن يفعل ذلك ، تحتم عليه أن يرفض كل شيء يحاول زجه في درج مكتب كأنه منفضة سجائر حتى لو كان هذا الشيء هو " امرأة أحبّها" .

كيف يمكن أن نحب لدرجة الجنون ثم نأتي لنقمع من أحببنا بنفس الدرجة ؟ كيف يمكن أن نعطي من نحب كل شيء نملكه ثم نحاول أن نتملك ما أعطينا بنفس الدرجة ؟ كيف يمكن أن نقول للحب حلّق في السماء كما تشاء ثم نحاول أن نربطه كيفما شئنا ؟

خذيها نصيحة من أبيك ِ يا صغيرتي .. لا تفعلي ذلك . فلا شيء أجمل من القريب البعيد والبعيد القريب ، لا شيء أجمل من منح من نحب مساحات واسعة للحركة وللاشتياق وللحنين ، لا شيء أجمل من أن تدعي الحب يتصرف كما يشاء .. يغضب .. يرضى .. يأتي في موعده .. يتأخر .. يسأل علينا .. لا يسأل .. يأخذنا في سهرة ٍ رومانسية .. لا يأخذنا .. لا شيء أجمل من أن ندعه كما هو يطلع علينا من بين أوعية البخور كما يخرج علينا من بين آيات سلمان رشدي .

الحب يا صغيرتي .. " إنسان "بخيره وشره هو " إنسان" وهي لا تفهم أني " إنسان " لم تفهم معنى كلمة " إنسان " 

هي أرادت أن تختصرني في كلمة :  " عاشق ، محب ، هائم ، شاعر" ربما ، لكنها لم تر الإنسان بداخلي وهو يحترق كعلب الدخان وهو يشتعل بين صفائح البنزين وهو يتلو سورة البقرة بين المقابر وهو يربط ضفائر الصغيرات اللائي لم يجدن من يهتم بأمرهن ، لم تعي أني كنت أتألم كلما سمعت مسيحيا يتألم وهو معلق على خشب الصلبان كألمي تماماً من عذاب مسلم ٍ علقوه على باب المسجد لأنه أراد أن يتعرّف على الله دون وساطةٍ من إمام المسجد أو شيخ القرية  .

لم تفهم أن الحب ليس قمقم  سليمان بل حكمته وليس سجن يوسف بل رؤيته ، وليس غضب الله بل رحمته .
نعم يا صغيرتي لا تقوليها أنا أعرف تماماً أن الحب كما يحمل في قميصه وردة يحمل أيضاً بندقية وكما يعشق هدوء الريح يعشق أيضا غضب المزهرية .

أنا أعرف كل ذلك يا صغيرتي ولذا  أوصيك ِ كي تحافظي على الحب بأن لا تحبسي الخيول المجنحة ، أن لا تضعي خيطاً من خيوط الشمس في أدراج ٍ مسلّحة ، أن لا تمنعي الحب من الرسم على الرخام ، من الكتابة في دفاتر الأيام ، من شيطنة الأولاد ، من الخربشة على الزجاج . دعيه من صدرك ينطلق ليكون نداء ً للرحمة وللمودة وللألفة فذلك أفضل من أن يكون منبراً للهدم كما هو الحال مع رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

أثق في صدرك ِ يا حبيبتي ، وفي قلبك ، وفي عقلك ، أثق أنك ِ تستوعبين ما أقول ، إن لم يكن الآن ففي المستقبل المنظور ، أثق أن مستقبلكم سيتجاوز هذا الجوع وهذا العطش.

 واثق أن عقلك سيكون أفضل من عقلي وأن قلمك سيكون أقوى من قلمي وأن ما اقتطعته من أشجاري مناشير الحكومة ستسترديه يا صغيرتي ، أثق أنك لن تخرجي بقوة السلاح وبقوة الصياح وبقوة الفقر وبقوة القمع وبقوة تكميم الأفواه من منزلك كما خرجت من منزلي .

أثق في زمنكم يا صغيرتي ، لأني أثق بك ِ ، وأثق في قلبك الذي هو بضعة مني بأنه مليء كقلب أبيك ِ بقصائد الحب ِ وبالشروق ِ وبالأصداف وباللآلئ وبالدبكة والموال .

أنا علي يقين أنك  ستتجاوزين كل الكذب الذي خلفوه لنا في الشوارع والمحطات والمكتبات وستخرجين من قمقم المخيال الاجتماعي والقصص الشعبية ومن المندسات خلف النقاب ومن الدشداشة والغترة والعقال والعمامة ومن البن البدوي الذي لا يعدّل إلا مزاج الخيام لتعدلي مزاج السنابل والحقول .

وأثق أنك ستتجاوزين من يتغنى بحب زبيدة لهارون الرشيد ، وحب قيس لليلى ، بحب ٍ يطعم الحيتان في قاع المحيطات ويطعم الملائكة في أعلى الجنان ، واثق أنك ستتجاوزين لحية العريفي الذي  خطب يوم الجمعة الماضية في مصر داعيا ً الناس أن يذهبوا للجهاد في سوريا في الوقت الذي ذهب هو فيه إلى لندن  ليجاهد مع زوجته الثانية في أفخم الفنادق وأحلى الميادين  .

وأثق أنك ستتجاوزين حركة الشباب الصومالية التي تبنت الهجوم على مجمع الأمم المتحدة في مقديشو نصرة للدين ، واثق أنك ستتجاوزين كل هذا الدم الكاذب والمنافق والمتطرف والإرهابي الذي تخلّى عن إنسانيته على قناة " الجزيرة " وعلى صفحة " العربية"  .


الخميس، 20 يونيو 2013

وصايا..2


صباح الخير يا حبيبتي .. أعني أتمنى أن يكون صباحكم أكثر خيراً من هذه العبارة المجازية التي نستعملها كل صباح في زمننا المنتهي النهار هذا .

هل تعرفين مرسي ؟ هل سمعتي عن رئيس عربي بهذا الاسم يا صغيرتي  ؟ عموماً لقد قام بقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا تصوري وهو المصري الإسلامي الذي لم يقاطع إسرائيل يوماً . لا عليك ِ الأمر يطول شرحه وبالطبع يحتاج لمعادلات سياسية عديدة حتى أوضح لك ِ كيف يتعاون المسجد مع المعبد .

أهم صورة أريد أن أريك ِ إياها هي صورة الإسلام حين خرج من المسجد واعتمر قلنسوة تشبه قلنسوة طالبان ومن ثم راح ينحر الناس بحسب انتمائهم وطائفتهم وأحيانا بحسب الهوية ، طبعاً لست بحاجة أن أخبرك أن هذه القلنسوة ليست حكراً على طالبان فجبهة النصرة ترتديها في الشام الآن وحزب الله يرتديها في لبنان الآن والقاعدة ترتديها في العراق الآن ، ولن أبالغ إذا قلت أن كل شيخ ٍ سني ومعمم شيعي بات يرتديها ليحكم ويأمر ويصادر ويمنح ويسلب ويقتل ويؤلب ويحرض ويتراجع ويتقدم ويغتصب ويركب باسم الله على كل منبر ٍ وصرح .

صورة بشعة صغيرتي ريّان عن دين جاء ليكون دين الرحمة والسلام وحض الناس على المحبة والألفة والتعايش.. لكن ماذا علىّ أن أفعل وأن أقول.. يجب أن أسجّل لك التاريخ كما هو الآن ، يجب أن أريك ِ أن الإسلام حين خرج أو حين أخرجوه من المسجد ليتجه للمجالس النيابية  والجامعات وللمؤسسات العسكرية والثقافية والمدنية وليجتاح المبرات والهيئات أصبح مجرما ً وإرهابيا ً في كل محطات وقنوات الأخبار وفي الصحف والمجلات وكذلك في المطارات يا صغيرتي حيث أصبح أصدقائنا من المنتمين للإسلام يعانون الأمرين في كل رحلة ٍ وعند باب كل قطار ، ربّما لن تفهمي ما أحاول قوله وأنت في هذا السن الصغير لكنك ستفهمين كل كلمة سجلتها فيما بعد .. دعيني أكمل لك يا حبيبتي .. نعم قلت لك أنه أصبح إرهابيا وستقرئين ذات يوم أيضا عن أسامة بن لادن وعن الزرقاوي  والقرضاوي كما ستسمعين عن الحجاج وعبد الملك بن مروان وعن تاريخ ٍ أسود لا زال يعيد نفسه  وينتشر مثل الفيروس حتى الآن   .

لا أدري إذا كان عصركم سيفجر ذات يوم مخرجاً كبيراً وعظيما كمصطفى العقاد لأنه رفض أن يكون قاتلاً مأجورا  ً يضع على رأسه كاميرا دينية متطرفة تؤذي الناس أكثر مما تنفعهم ، هل تعرفين يا حبيبتي أنه قتل لأنه أراد أن يقول للناس من خلال فيلمه ( صلاح الدين) أن الإسلام دين سلام ، لكني متأكد أنكم ربما في زمنكم لن تضطروا إلى تغييب عقل مثل عقل العقاد في دهاليز الوهم وسجن كاميرا المنطق في سجون الغيبيات .

ربما أيضا في زمنكم لن يتمكن صاحب اللحية الطويلة والثوب القصير أن يسيطر على الناس ويخضعهم لهيمنته الروحية والدينية والفكرية ومن ثم يحول حياتهم إلى جحيم ٍ لا يطاق بعد أن يخبرهم ويقنعهم أنه يعمل جاسوساً لدى الله وأنه الوصي عليهم . بالطبع سيجد من يصدقه يا صغيرتي فالهمج الرعاع لدينا كثر وستجدين عندنا من يخرج ويدافع عن لحيته فقط لأنها لحية شذبت وفق الطريقة الإسلامية وهي أبعد ما تكون عن الإسلام في الروح والمضمون .

ربما أيضاً في زمنكم لن يخرج شيخاً على منبرٍ مزخرف بالطريقة الإسلامية أيضاً ليقول للناس " لو أن محمداً بعث من جديد لوضع يده في أيدي الناتو " لا تضحكي يا ريّان .. نعم لقد قالها وفعلها .

ربما يدهشك الأمر حين أخبرك أن البوذي أيضاً تحول لقاتل مأجور شأنه شأن باقي المتطرفين للأديان السماوية والوضعية على الرغم من أن الدين البوذي لا تسمح نصوصه ولا طقوسه بذبح نملة ، تصوري اليوم تجاوز البوذي النملة وذبح إنسان .

نعم يا صغيرتي ، نحن الآن نعيش زمن القتل والقمع والاستبداد ، كل ما حولنا قاتم ، منظر الدم في كل مكان ، أتحدث بطبيعة الحال عنا كعرب أما الغرب يا صغيرتي لا زالوا في تطورهم وتقدمهم رغم كل اتهامات مشايخنا لهم بالكفر ، لا زالوا ينقبون المريخ بحثا ً عن الأوكسجين والحياة ، ويركبون القمر في رحلات ٍ استكشافية ، ويحاولون أن يعيدوا كويكب فر من مداره لمساره الطبيعي، ومع ذلك يا صغيرتي يذهبون في أيام الآحاد إلى الكنيسة ليزورون "يسوع" دون أن يقتل بعضهم بعضا أو يفجروا بعضهم بعضا .

 أما نحن فلا زلنا نتناقش حتى الآن : ( في قضية الحمام وقضية الأقدام ) و ( كيف يقتل السني الشيعي وكيف يذبح الشيعي السني ) و( كيف نقضي على بعضنا البعض دون الحاجة لتدخل خارجي ) و ( كيف نحيي الفتنة ونتمسك بها ) و(كيف نفعل كل ما يبعدنا عن السماء ) وكيف نطلق مناظرات لا تعد ولا تحصى عن الفرقة الناجية التي ستدخل الجنة -بالطبع يا عزيزتي كل فرقة تدعي أنها الناجية  – وأن البقية أعني الفرق الباقية التي آمنت بالله ونطقت الشهادة وآمنت بمحمد نبيا وبالإسلام دينا كلها يا صغيرتي ستأوي إلى جهنم .

أما أنا يا صغيرتي ، لا زلت لا أعرف حتى الآن إلى أين سآوي ، الخيارات صعبة ، والوصول لأرنب يعيش ربما على زحل أسهل من الوصول للجنة ، والوصول لجهنم بالطبع أقل سهولة ، لكني على أية حال يا حبيبتي حتى الآن أتخذ موقف الأعراف وأعيش بفطرة ٍ أراهن يا صغيرتي أنها لا زالت بخير رغم كل هذا الدم المنتشر حولي .

ربما ستتمنين لي الجنة في ضميرك الآن .. أشكرك يا صغيرتي .. على الأقل أمنياتك الطبيبة تجعلني الآن وأنا تحت التراب أفكر بحسن نية عن ذلك المكان الجميل الذي ليس فيه " جوانتانامو" وليس فيه خمسة ركاب كانوا على متن طائرة مصرية هبطت اضطراريا في بريطانيا يطلبون اللجوء ، وليس فيه محطة إخبارية تصيبنا كل لحظة ٍ بالصداع حين تبث مشهدا لمسلحين يقتلون ثلاثة لبنانيين شيعة وتركيا في شرق لبنان أو تبث مقطع فيديو لمتطرفين شيعة في العراق يذبحون خمسة سنة ) . وليس فيه 20 جريحا في انفجار ، وليس فيه إسرائيل تعارض إقامة دولة فلسطينية وليس فيه مستعمرة وليس فيه بوتين ولا أوباما ولا الجامعة العربية.

والأهم يا  صغيرتي أن تكون " الجنة " خالية من النفط والغاز والبرامج النووية والعسكرية ومن وزراء الاقتصاد والخارجية ومن البرلمانات وبالأخص العربية وإلا صدقيني يا صغيرتي لن تفرق جنتنا عن جهنّم في شيء .

صغيرتي لا بأس سأحدثك غداً فالألم استيقظ الآن في كتفي وصدري -كما هي العادة حين أكتب- لن أتأخر عليك كثيرا ً..  تماسكي وحافظي على براءتك .

أبوك


الأربعاء، 19 يونيو 2013

وصايا ..1


صغيرتي .. هذه الأيام .. أعني في وقتنا الراهن لأنك لم تعيشي بعد معنى الأيام .. اختفت تدريجياً المآذن والعصافير والأشجار والأحلام .. لم نعد نخبئ في جيوبنا هذه الأيام زهرة أو بطاقة معايدة لم نعد نخبئ إلا رصاصة تحمي قمصاننا من 
القتل .
ريّان يا حبيبتي .. لا أدري كيف ستكون الأيام حين ستكبرين لأني ربما لن أكون موجودا ً مثلاً سأكون في عوالم أخرى أحاول
 التغريد والكتابة إليك ِ دون أن تريني .. ربمّا .. لكن عليك يا صغيرتي أن عشت ِ أن لا تصدقيهم حين يقولون أن مرفأ البحر أزرق اللون،  أن الصحراء لا تقتل لأن شموسها دائخة ، أن الشعر يرسم رحلته للآفاق ، عليك أن تتأكدي أن الطيور التي تحلّق في الأبعاد حقيقية مثل الموت وإلا فإني أدعوك أن لا تصدقي شيئا ً أبداً .

ريّان .. ربّما أنت ِ الآن تعيشين عصراً من التنوير لم أستطع رغم عقلي المتنوّر جداً أن أعش فيه ، ربّما أنت ِ الآن في هذا العصر المتطور جداً تضحكين على فلسفة الروّاد في فلورنسا وروما وأثينا وقرطبة ، ربّما أنت ِ الآن حتى المدن التي كنا نعرفها لا تعرفيها مثلاً أنت ِ الآن لا تعرفي أن سوريا تشتعل أن بيروت تقتل ساكنيها، أن العراق لا زال كل يوم يصدّر لنا نسخة أخرى من كربلاء ، ربما أنت ِ لا تعرفين أيضاً أن هناك بلداً اسمه السودان- بالطبع سكانه من ذوي البشرة السمراء يا ريان لست بحاجة أن أقول ذلك – وأنه  حتى الآن يعيش بلا أسوار أو أحلام .

ريّان .. هذه الأيام نحن نخاف من الماضي كما نخاف من الحاضر كما نرتعب من المستقبل ، كيف هي الأيام معك ، هل أنتم مثلنا ؟ تخشون من الكلمات والأفكار ونغمات الغيتار ، لا أدري لكني أشعر أنكم لن تكونوا مثلنا أبداً ، أشعر أنكم ستعيشون بلا تاريخ يتكرر كما هو في بلاد العرب ، بلا جثث ملقاة وكأنها الطريق في بلاد العرب ، أشعر أن زمنكم لن يجبركم كما يجبر بعض من أعرفهم من ( السنة والشيعة .. الخ ) أن يحملوا آلهتهم على أكتافهم ويذهبون للحرب في بغداد ودمشق ومصر واليمن هناك حيث الكل يقاتل من أجل آلهته والعدو يقاتل من أجل آلهته- بالطبع يا صغيرتي- الآلهة لا تعرف شيئا عن قتالهم وعن مذاهبهم وعن طوائفهم وعن تعصبهم وعن كفرهم وعن عهرهم  لأنهم يتحدثون باسمها ويعقدون صفقات الجنة والحور العين وأنهار الخمر واللبن ومن سيدخل ومن سيخرج ومن سيمنح كوبونات جهنم دون الحاجة لوحي أو رسول أو كتاب فنحن في زمن ٍ يا صغيرتي ريّان أصبح فيه كل إنسان منا إله .

لا أدري عنكم .. لكننا اليوم ندفن أكثر من خمسين عراقياً وعشرة من الفلسطينيين ماتوا في انفجار في وسط غزة ، أيضاً كان يدافعون عن آلتهم كالذي فجّرهم تماماً . لكن هناك أيضا ً أخبار مفرحة مثلا في إيران يحتفلون بانتخاب الرئيس الجديد على فكرة يرتدي عمامة على رأسه وأيضاً يدافع عن آلهته تماماً مثل الذي أخبرتك عنهم .

 في بلدي الذي هو مجازاً ربّما بلدك الذي لم تريه بعد يحاولون أن يكملوا شبكة الاتصالات في القرى الريفية بالطبع يا ريّان هي سيئة حتى الآن في المدن لكنه خبر سار على أية حال أليس كذلك ؟ تصوّري ونحن في أي ألفية لا زالوا هناك يشحذون 
التكنولوجيا .
أمّا في الكويت حيث هاجر خالد .. هذا اسمي بالمناسبة لا أدري إن كان سيعني لكِ شيئا ً في العصر الذي أنت ِ فيه الآن لكنه إن أردت ِ معرفي رائي فيه قد انتهى شكلاً ومضموناً فهو اسم مخادع صنعته الحكايات والخرافات والأساطير التي 
تسللت بين العصور .

عموماً يا صغيرتي هنا حيث هاجرت أشعر أننا سنلتقي في بيت ٍ لا أعتقد أننا سنجد في زاوية ٍ من زواياه مصيبة ، أو نعثر تحت أريكة من أرائكه على جسد ٍ نازف الشريان ، أو تضطري أن تجادليني على شيء تحبينه .

أبوك رجل طيب يا ريّان ، لا يقمع الحريات ، لا يصادر الأفكار ، لا يسجن الأحلام ، لا يرغم أحداً حتى لو كان هذا الأحد 
أنت ِ أن يلقي النقاب على ناهد ٍ لا زال يعيش سن الطفولة .

حتى أمك يا ريّان .. امرأة طيبة جداً .. وشهية بل أنها أشهى من الخمر المعتقة ، ربما تسألين نفسك هل أحبها ؟
بالطبع يا صغيرتي .. فأمك لم تبعني حين باعتني امرأة كنت أحبها من أجل أن يلاقي كل منا قدره ، بل كانت شجاعة جداً وصنعت القدر وتحدت كل امرأة صعلوكة وقذرة كانت تحوم حول قلبي وأمسكت بطلائها وطلت قلبي بلون ٍ حتى الآن يشعل في دمائي الدهشة ، آه ٍ يا صغيرتي لا أدري ماذا أقول عن أمك ِ لكن تأكدي أنها تينة عطرة ، أتذكرها الآن وهي تقول لي لن 
أرغم ابنتي أن تجر نعاجا من الأفكار في مراع ٍ لا أخضر فيها كما اضطررت إلى جرها .

كانت تقول أيضاً حسبما أتذكر : ريّان يجب أن تعيش حرة ، يجب أن لا تعيش كما عشنا مثل الميت الذي خرج من قبره وظل 
يبكي صحبه ، لا أريد لابنتي أن تقف يوماً قائلة كما قلت : رحم الله أيام الحديقة وأيام الماء وأيام اللبن .

حسناً .. رأيت ِ أننا نحبك جداً .. اسمحي لي الآن أن أذهب للراحة فأنا متعب يا ريّان آه نسيت أن أخبرك ِ أني أعاني من 
علة ٍ تجعلني أبدو أكبر من سني بكثير وتجعلني بعد كتابة كل نص ٍ أبدو وكأنني ساقية معطلة .

اشتريت لك لعبة .. العبي حتى أعود . محبتي
أبوك .