الخميس، 24 أكتوبر 2013

قتلت ِ القصيدة وقتلت ِ الكلمات



ربما كنت ِ شيئاً جميلاً في حياتي
ربما كنت ِ أغلى الكائنات
لكنك لم تعودي كذلك في حياتي
منذ أن خنت ِ القصيدة
وخنت ِ المفردات
منذ أن قتلت ِ القصيدة
وقتلت ِ الكلمات
**
ربما كنت ِ نهراً من الياقوت
يجري بين يدي 
ربما كنت ِ  حقلاً  من التوت
ينمو على فمي
لكنك اليوم لم تعودي كذلك
منذ أن شربت ِ دمي
**
ربما كنت ِ يوماً شجرة
تثمر ذهباً وحرير
ربما كنت ِ يوماً معجزة
تتفجر ماء وخرير
لكنك لم تعودي كذلك
منذ أن انتصر الصرير
**
ربما كنت ِ شاطئ أمان
وكنت ِ نبياً وكنت ِ إنسان
لكنك لم تعودي كذلك
منذ أن خنت ِ الدين
وخنت ِ الإيمان
**

لم أحبك


ربما أحببت الخير فيك ِ
لكني لم أحبك
ربما أحببت حسن الظن فيك ِ
لكني لم أحبك
ربما أحببت أفكاري فيك ِ
لكني لم أحبك
**
ربما أحببت فكرة أنك خيالية
شهية  لذيذة  ذكية
لكني لم أحبك
ربما أحببت فكرة أنك بدائية
جامحة ، قوية، بدوية 
لكني لم أحبك





حبك أقوى من أشعاري

حبك أقوى من أشعاري
من اشتعال النار بأشجاري
من إعصاري
من طوفان الإنس في عقلي
من غليان الجن في أفكاري
من أطواري
من إيماني بملائكتي
من إيماني بشيطاني  
من أسراري
من ثقتي بأقدامي
من ثقتي بمشواري
من أنواري
من دخول الشمس إلى صبحي

من خروج الليل من أقماري

كأن ولعي مزامير



تعثر الموج حين رآنا معاً واختفى البحر خلف الصخور ، فرحت السماء حين رأتنا معاً وضحكت في أعشاشها الطيور ، أهداني الوحي قليلا من الشعر ِ فدخلت إلى معانيك ، وأهدتني الملائكة قليلا من العصمةِ فعشت نبياً في أراضيك ، حبيبتي سأرحل بك خلف الأرض هناك حين اقتلعت شجرة تشبهك وزرعت أخرى تشبهنا معا ً ،هناك حيث خلقت سمكا من سحرك  ومن عطرك صيادين ، حيث اخترعت من خدك أزهارا ومن أنفاسك عاشقين ،حيث خلقت من حزنك بحرا ومن فرحك مسافرين

هناك حيث اخترعت من أجل حبا جديدا لا يعرف الموت ولا حزن الرعاة ولا ألم الميتين،هناك حيث خلقت من ثغرك فجرا ومن قبلاتك مهاجرين . أحبك كلا ، أنا أعبدك ،فافترشي صدري كأنه أرض وكأن نبضي عصافير ، كأن شعري سماء وكأن حرفي نوافير ،كأن شوقي مساء وكأن ولعي مزامير



وصلنا إلى نقطة الصفر يا عزيزتي



تريد لحبنا أن يصبح  بطلا ً
 كخالد بن الوليد
 ليقتل من أجلها مالك بن نويرة
تريد لحبنا أن يصبح فارساً
كالظاهر بيبرس .. كقطز ْ
لتحرر من سجنها جلنار الأميرة
تريد لحبنا أن يصبح قمراً
من أقمار المساء
وشمساً من شموس الظهيرة
تريد لحبنا أن يصبح سيفا ً
يقاتل البحر على الجزيرة
  ويقاتل الحرب على الذخيرة
 **
وصلنا إلى نقطة الصفر يا عزيزتي
وصلنا لنقطة الصفر 
فحبنا فقد عبيره
وسحرنا فقد أثيره
لا تطلبي مني شيئاً
فضميرنا خسر ضميره
وعبيرنا خسر عبيره
وصلنا إلى نقطة الصفر
لستُ خالد بن الوليد
ولستِ حسناء مالك بن نويرة
لستُ الظاهر بيبرس .. لست قطز
ولست ِ جلنار الأميرة
وصلنا إلى نقطة الصفر يا عزيزتي
وصلنا لنقطة الصفر
فارحلي .. ارحلي قبل أن أعلن
 انتهاء المسيرة




ليس الماء يجري من شفتيك



تحبيني أو لا تحبيني
هذا أمر ليس يعنيني
ليس يزعجني
ليس يجرحني
ليس يدميني
فليس الماء يجري من شفتيك
وليس الدم يسري منكِ لشراييني
ليس الشجر يُخلق  من عينيك
وليس الزهر يساق منك ِلبساتيني 
  **
تحبيني أو لا تحبيني
النار تعنيك أنت ِ
لا تعني براكيني
والبرهان يعنيك أنت ِ
لا يعني براهيني
والثأر يعنيك ِ أنت ِ
لا يعني سكاكيني
تحبيني أو لا تحبيني
القضية تعنيك ِ أنت ِ
لا تعني مساجيني


ما عجائب الدنيا



حبيبي ..
تاريخ الجمال جزء من طلاء أظافري
وتاريخ السماء والكواكب ْ
تاريخ الرمال جزء من تراب دفاتري
وتاريخ البحر والمراكب
صعود الجبال يشبه الصعود إلى مشاعري
يشبه شراعاً تحدى في بحري العواقب
حبيبي ..
ما استدارة الدنيا لولا استدارة ناهدي

ما عجائب الدنيا
 لولا ما أملك من عجائب ؟!

أشعلت في السماء نصف الكواكبْ



بيدي منحت السماء نصف النجوم 
وبيدي وهبت البحر نصف المراكبْ
لست إلهاً لكني خلقت نصف الغيوم
وأشعلت في السماء نصف الكواكبْ
ما هذه الأقمار إلا جزء من حرائقي
وما هذه الأشجار إلا جزء من النوائبْ
ما هذه الأزهار إلا جزء من مكاسبي
وما هذه الأشعار إلا جزء من المتاعبْ
ما هذا الربيع إلا جزء من مشاعري
وما هذا الخريف إلا جزء من المصائبْ
ما هذا الصيف إلا جزء من دفاتري 
وما هذا الشتاء إلا جزء من  العواقبْ
لست إلهاً لكني حبست نصف السموم
وأطلقت  في الأرض نصف العجائبْ


بحق كل ما تؤمني به

بحق كل ما تؤمني به
بحق الله بحق السماء بحق المطر
فلنفترق من أجل هذا الحب
الذي يعاني الخطر
فلنفترق قبل أن تنقص محبتي لك ِ
ولهذا الزهر ْ
فلنفترق قبل أن أحرق بين يديك رسائلي
وفي وجهك القمر ْ
بحق كل ما تؤمني به
ابتعدي قبل أن تكرهك قصائدي
وقبل أن يقتلك الخبر ْ
قبل أن أراك ِ فضيحة لا تليق بسمعتي
أو أراك ِ متردية لا تليق بهذا المنحدرْ
بحق الذكريات بحق الأمنيات
بحق الدموع فوق دفاتري
ارحلي .. ارحلي ..
قبل أن أكره أجمل قصة حب
وأجمل بحر ْ
قبل أن أطلق النار على أجمل أغنية

وأجمل وترْ

لم أخسر البيع



أنت كأس الخمر الوحيد الذي شربته وأنا واثق أني لن أفقد النعيم ، أنت الخطيئة الوحيدة التي اقترفتها وأنا واثق أني لن أخيّب ظنّ الجنّة .

أنت الجواد الوحيد الذي أمتطيته دون أن أخسر سيفاً أو أهرب من معركة ، أنت النداء الوحيد الذي كلّما سمعته قطعت وضوئي والتحقت بالمعمعة .

أنت الكنيسة الوحيدة التي منذ أن دخلتها لم أنكر أن يسوع كان عاشقاً لمريم المجدلية ، أنت البستان الوحيد الذي منذ زرته تركت كل بساتين الدنيا وسكنت في مزهرية .

 أنت الإمارة الوحيدة التي زرتها وقلت : لم أخسر البيع فيها أبدا كما خسر تاجر البندقية .

أنت الموروث الوحيد الذي أحفظه بعد أن طردت من عقلي خرافات القرية وإضافات المدينة ، أنت الاسطورة الوحيدة التي آمنت بوجودها ونصرتها أمام ريش الحمام وجرح الشظية.

أنت الشاهد الوحيد الذي أقبل أن يشهد بأنني طرت أو خنت دون أن أخسر القضية ، أنت المدعي العام الوحيد الذي أقبل أن يصدر أحكاما ضدي دون أن اشتم فيه شارباً أو ألعن  لحية .


الأشياء الجميلة لا تكتبْ


المعذرة لأني لم أكتبك
ولم أرسمك
ولم ألعب ْ
المعذرة لأني من نهر جمالك
لم أشرب ْ
المعذرة يا سيدتي
لأني لم أكتبك
فالأشياء الجميلة لا تكتبْ





الثلاثاء، 22 أكتوبر 2013

الشعر أيضاً يفقد الشعر


سأتقدم بإجازتي السنوية هذه المرة إلى الشعر وسأسافر عن كل القصائد والأزهار، سأمت من السير على الماء من الرسم على الفجر، من ترميم ريش العصافير وتزيين جناح السهر .

سامحيني مضطر أن أخرج من هذا الزمن الضيق من هذا الطين الضيق من هذا الضيق الضيق ، تعبت من الكلمات وتعبت من الأشعار .

سامحيني لم أعد متحمساً للهجوم على جمالك ، لترويض خيالك ، للقتال عن قتالك ، تعبت من كفي ومن كتفي من صبري ومن عطفي ، من الحياة المختبئة بين حتفي ، تعبت من كل شيء ٍ لهذا قررت أن أخذ إجازة طويلة لأتقدم إلى ساحات الإعدام أنا ويومي وأمسي .

سامحيني فالشعر أيضاً يفقد الشعر ، والصبر أيضاً يفقد الصبر ، والسحر أيضاً يفقد السحر ، سامحيني فعواطفي لم تعد تملك القدرة على رعاية الأزهار ورعاية العطر وعواصفي لم تعد تملك القدرة على تحطيم بوابات القصر .

سامحيني إني أعيش حالة البيت المهجور ، وحالة الكهف المسحور ، وحالة الزجاج المكسور ، وحالة الشريان المنحور ، وحالة النبي المغدور ، سامحيني إني أعيش حالة المدينة التي لم تدفع الجزية ، والحرب التي ترفض الهدنة ، إني أعيش حالة المسرحية التي تخلى عنها النقاد والجمهور ، والقصيدة التي تخلى عنها الحمام والعصفور .

سامحيني فلن أرتدي في إجازتي ملابس الشاعر ، ولن أرفع في عطلتي راية الرسام الساحر ، سأذهب عارياً مني ومن ألواني ولوحاتي وكلماتي ، سأقاتل كي أكون وحيداً من كل شيء ٍ ، أريد أن أرتاح منك ومني ، من صوتك المتسلل إلى دمي ومن طعمك النائم على فمي .






وصايا..12



صغيرتي .. لا يوجد مجنّد يذهب إلى الحرب دون أن يحمل "ربه" معه .

نعم يا ابنتي اليهودي يحمل ربه العبراني  معه والمسيحي يحمل ربه النصراني معه والمسلم يحمل ربه الإسلامي معه . الكل يحمل ربه "الخيّر" معه ليقتل ويُقتل في الحرب.

بعد انتهاء الحرب  يا صغيرتي .. لا أحد يعلم من مِن هؤلاء الإلهة انتصر .. ولا أحد يعلم من فيهم "الخيّر" ومن فيهم " الشرير" .

لكن الأكيد أن لا أحد يجرؤ أن يقول أن الثلاثة : واحد . هو واحد عند المؤمنين بواحد من هذه الأديان السماوية الثلاثة  وكذلك  هو الحال مع بقية المؤمنين بالآلهة الأخرى .

معادلة متناقضة ومعقدة يا صغيرتي أعلم ذلك فالصفات والقدرات التي ستجديها عن أي إله في كتاب تختلف عنه في الكتاب الآخر.

أيضا في المحبة يختلفون يا عزيزتي فالإله اليهودي لا يحب إله النصارى والإله النصراني لا يحب إله اليهود والإله المسلم لا يهتم إلا بالمسلمين فقط أما الآلهة الأخرى فهي لا تحب أيا من هؤلاء الثلاثة  فكل إله يا صغيرتي يهتم بمن يؤمنون به فقط أو لنقل كل مؤمن يهتم بربه الذي يؤمن به فقط !

ماذا عن إله يحب كل الآلهة أو عن مؤمن يحب باقي المؤمنين  ؟

سأدعك تكتشفين هذه الإجابة في مسيرة حياتك .

وحتى ذلك الحين عليك بقبول الواقع .

عليك بقبول أكثر من ذلك يا صغيرتي فإذا كنت ِ مثلا ستبحثين عن إله ٍ واحد خارج الدين الذي أنت ِ عليه فسأوفر عليك  عناء البحث .

الآلهة كثر يا ابنتي .. أكثر مما قد تتخيلين .

ربما ستفنى أصابعك وأنت ِ تجرين  عمليات الإحصاء  فخارج الأديان الثلاثة هناك أكثر من ثلاثة يحاولون السيطرة على الكون .

فما بين الآلهة العمالقة والآلهة البدائية والآلهة الإغريقية التي تقبع على جبل أوليمبوس وبين الآلهة النصف بشرية والنصف سماوية قد تقفين عاجزة عن الإجابة عن السؤال : أي هؤلاء الآلهة قد خلق الكون ؟

فالذي خلق يختلف باختلاف اعتقاد كل فرد ٍ منا وإيمانه ، والذي فتق ورتق أيضا يختلف باختلاف الأول القهّار !

صداع .. اعلم ذلك يا عزيزتي .. أشعر بصداعك .

لكننا يجب أن نتعامل مع هذا الصداع .. وأن نفهم لماذا تتكاثر الآلهة وتفقس كأنها بيضة دجاج !

سأضرب لك مثالا يا صغيرتي :

في ديانة الفيدا هناك إله عاش بمفرده لم يكن سعيدا -بطبيعة الحال يا صغيرتي- وصفوه بأنه كبير الحجم وعملاق بعد سنوات طويلة ولأنه شعر بالوحدة والضجر اخرج امرأة من نفسه ثم تزوجها فجاء البشر .

الحق معك ستسألين حتماً : كيف أخرج امرأة من نفسه ثم ضاجعها ليأتي بالبشر ؟

القصد أنه بعد أن أخرج المرأة من نفسه تحول إله الفيدا إلى ثور وهي انقلبت إلى بقرة فضاجعها ومن ثم جاءت الماشية وبعد أن ضمن السلالة اتخذ لنفسه هيئة الجواد وهي اتخذت لنفسها هيئة الفرس فجاءت الأحصنة ثم بعد ذلك راقت له اللعبة فتحول إلى ذي مخلب وتحولت إلى ذات مخلب فجاءت ذوات المخالب .

لم تنته اللعبة يا صغيرتي .

فـ اللعبة راقت لإله الفيدا  جدا وهكذا كان يتحول وكانت تتحول حتى خلق كل شيء وهكذا أصبح خالق كل شيء .

هكذا هو الحال في ديانة الفيدا وهكذا هو أيضا في بعض الديانات .. أليس كذلك ؟

جميع الآلهة تريد عرش الكون يا صغيرتي وجميعها تدّعي أنها الخالقة والقادرة والقاهرة .

وكذلك نحن البشر نطمح للوصول إلى العرش إلى التأكد من وجوده إلى التحقق من ماهيته إلى الجلوس عليه ربما .

 فنحن البشر حين وجدنا أنفسنا على هذه البسيطة بمفردنا مع كائنات كثيرة تشاركنا الحياة لكنها أقل منا قدرة على البقاء والصمود والإعداد والتدريب والدراسة والتفكير والتدبير والمكيدة نلنا منها وتفوقنا عليها بسبب العقل الذي أصبح فيما بعد إلها يحدد سمات وقدرات كل فردٍ منا فإما يجعله إلها متنمراً وإما يجعله إلها ً صالحا محبا للآلهة الأخرى من حوله .

 نعم  الآلهة قديما وحديثا جمعيها تتعارك تماما كما نفعل نحن حين نتعارك من أجل كرسي "الرئيس" ومن أجل كرسي "البرلمان" ؟ ومن أجل الفوز بلقب "رجل العالم" أو " سيدة الكون" .

وهكذا فعل  جوبيتر يا صغيرتي ملك الآلهة  القديم فقد فاقها ذكاء ودهشة ، وربما لهذا نحن كافئنا جوبيتر بأن سمينا كوكب المشتري باسمه .

ربما  لأننا أحببنا فيه التخطيط الذي لدينا أعني تلك الصور التي تتشكل في رؤوسنا وتجعلنا نرسم الخطط والمؤامرات والشخصيات والأخلاقيات والتحضير لأدوار معينة نقوم بها في وقتها أو لاحقا حتى استطعنا بناء الحضارات كما استطعنا أيضا بسبب نفس الخطط جلب الخراب والدمار والحروب لأن تخطيطنا كما عند الآلهة القديمة كان خاطئا خصوصاً إذا اعتمدنا فكرة أن كل ما هو جيد جاء نتيجة لإعداد وتخطيط جيد وكل ما هو سيء جاء نتيجة لإعداد وتخطيط سيء نعم قد نختلف عن الآلهة القديمة والعديدة بأن الإعداد لدينا يأتي أحيانا عن طريق المخابرات أو الإعلام البشري الرسمي للحكومات ولدى الآلهة يأتي عن طريق مخابرات وإعلام إلهي يشرف عليه طاقم من آلهة الإغريق أو إله الفيدا بنفسه ربما .

صغيرتي ..سأحدثك عن آلهة الشرق الأوسط فالوضع هنا مختلف .

كيف .. سأقول لك ذلك : هنا يا صغيرتي لم يتم اعتماد فكرة كل ما هو جيد أو سيء جاء نتيجة لإعداد وتخطيط جيد أو سيء فقط فهنا اعتمدت فكرة أخرى تقوم على المقدس .

 أعني على الدين أيا كان هذا الدين الذي أصبح هو المحرك الأول والمحدد الرئيس لكل أفعالنا وأقوالنا وسلوكنا . والذي رسم لشعوب الشرق الأوسط كيف تعيش وكيف تأكل وكيف تنام وكيف تتكلم !

أما لماذا قام بشر شرق المتوسط بذلك ؟ فالسبب يا صغيرتي يعود لشعورهم براحة نفسية عميقة ربما كون أن المقدس لا يخطئ بمعنى أن الإله المقدس المعصوم من الزلل قادر على تحديد ما هو جيد وما هو سيء وما هو أقوم وأنسب ولكونه يستطيع بناء إنسان صالح مستقيم دون أن يسقط في خطأ واحد كما فعلت الآلهة القديمة في مناطق أخرى من العالم ومن الطبيعي إذاً أن يؤمن الناس بهذه الفكرة كما آمنت مسبقا بالموروث والعادات .

بعد ذلك تم تثبيت هذه الأوامر في العقول وترسيخها في الذاكرة وفي العادات والتقاليد حتى أصبحت جزءً لا يتجزأ منهم وحتى أصبحت أعمالهم صورة عن الإله الذي اختزنوه في عقولهم وأدمغتهم وكذلك يفعل أيضا يا صغيرتي كل مؤمن بإله أو ديانة . وعليه سيقوم كل امرئ منهم  بالتصرف وفق المخزون الذي تشكل وجمع في عقله وذاكرته عن الإله ودينه  .

لكن  يبقى السؤال يا صغيرتي : هل نحن نفعل الخير فعلا ً ؟ هل نحن مجسم مصغر عن الإله ؟ هل نحن نقوم بالسلوك الأقوم الذي أراده الآله ؟

أليس المنطق يقول أن أعمالنا الذي شكلها الدين-مهما كان هذا الدين- الذي جاء به الإله يجب أن تكون صورة عن الإله الذي حملناه وحفظناه في عقولنا ؟

حسنا تعالي يا صغيرتي لتتفرجي معي على تلفزيون الواقع :

نحن نخون والإله يجب أن يكون وفيا ً، نحن نميز على الوطن الذي نعيش عليه  بيننا وبين الوافدين أو المختلفين عنا في الدين والمذهب والعرق ونتباهى بعنصريتنا والإله يجب أن يكون محبا لكل الناس دون فرقة ، نحن نسرق والإله يجب أن يكون أميناً ، نحن نذهب إلى الحرب لنقتل ، والإله يجب أن يكون سلاما وأماناً والأهم أن يكره القتل، نحن نكره والإله يجب أن لا يعرف إلا الحب ، نحن ونحن ونحن يا صغيرتي .

وهذا يقودنا إلى السؤال التالي :

إذا كانت هذه هي أفعالنا وتصرفاتنا رغم كل الدين الذي حفظناه ورغم الإله الذي رسمناه وآمنا به وإذا كانت أعمالنا انعكاسا لصورة الإله.. فمن هو هذا الإله الذي آمنا به ؟ وهل آمنا به فعلا ؟

أفعالنا لا تقول ذلك ؟

إذاً يا صغيرتي :  نحن .. بمن نؤمن ؟ وصورة من نعكس ؟ هل فعلا نحن نطبق شرع الإله ؟ أم نطبق شرع أنفسنا وأفكارنا واجتهاداتنا وأهوائنا ؟

أليس المنطق يقول : من يحب شيئا يجب أن ينعكس هذا الشيء فيه . حسنا كلنا نحب الله ؟ فهل انعكس حب الله فينا ؟ هل انعكس في أخلاقنا وسلوكنا وتصرفاتنا ؟

صغيرتي نحن لا نفعل إلا التناقض .. الذي لا يقبله  منطق أو عقل فكيف أقنع مثلا رجلا أن القتل والإرهاب وسلخ الضحايا في كل مكان وتفجير المساجد وتنكيل أهل الذمة مثلا فعلا إلهيا إسلاميا ؟

كيف أقنع امرأة أن ما قام به بن لادن مثلا في أميركا وما تقوم به القاعدة الآن في العراق والشام  وما تقوم به أميركا والدول العظمى من قتل وتنكيل أيضا بالعرب والمسلمين هو فعل إلهي أو تصرف مبني على الإيمان بعقيدة وإله ؟

هل يعقل يا صغيرتي أن  قتل الأبرياء من النصارى واليهود بوابة عبور إلى حوريات الجنة وأن حرق عالم عربي مسلم بأكمله على أيدي النصارى واليهود هو انتصار ليسوع وحواريه وانتصار لموسى وهارون ؟   

كيف أقنع العقل والمنطق نفسه أن الإله المحب والخيّر هو من يقف خلف كل الأحداث ؟

كيف يا صغيرتي تستقيم فكرة الإله العادل الرحيم المحب العظيم مع كل هذه الجرائم التي نقوم بها تحت اسمه ؟

كيف سننظر لليهودي الذي يأمره إلهه بالتفرد لأنه فوق العالمين وللمسيحي الذي يأمره إلهه بأن يحفظ الصليب معلقا فوق صدره لأنه سيرث الأرض ومن عليها وللمسلم الذي يأمره إلهه بأن يعد رباط الخيل لأنه خير أمة أخرجت للناس ؟

كيف سننظر لهم  مع كل هذه العنصرية والفرقة ؟ وكيف سننظر لهم إن لم تستقم صورة الإله المحبة مع تصرفاتهم وأعمالهم ؟  والأهم : كيف سننظر للآلهة ؟



أعلم يا صغيرتي تشعرين بالغثيان . لأني أشعر بأني سأتقيأ لذا لا تلقين باللوم أو اللعنة على شرق المتوسط أو على العالم .

الإله قد فعل ربما .

صدقيني يا صغيرتي لن تقوم لأي ديانة قائمة إن لم يطابق قولها عملها وإيمانها سلوكها .

ريّان .. ما يجعلني أشعر بالرغبة بالتقيؤ أيضا أنهم يفترضون كذلك أن الآلهة "ذكور" !

هل لاحظت ِ ذلك ؟

لاحظي المسميات يا عزيزتي ..

أغلبها ذكورية فالأغلبية تفترض أن الإله " ذكر" وبالطبع الإله كيفما كان لا ينبغي أن يكون ذكرا أو أنثى ببساطة لأنه إله ولأنه من خلق الذكر والأنثى ... قلة قليلة فقط يا صغيرتي افترضت أن الإلهة " أنثى " وأنها  فينوس وايزيس وعشتار .

قلما ستجدين شعبا قديما أو جديدا  لا يتخذ إلها ذكرا كان أم أنثى ينصبه على كل قوى الطبيعة ويستنصره في الشدائد والملمات ويتضرع إليه ويطلبه أن يبارك في ذريته وأمواله .

 لكن الأكيد يا صغيرتي أن هذا الإله الذكوري أو الأنثوي لم يصل إليه إلا عن طريق مراحل انتقالية بدأها ذلك الشعب بعبادة آلهة متعددة لكل منها خصائص وقدرات متفردة ومن ثم اختفت تلك القدرات وذلك التفرد  في مراحل لاحقة ليذوب تحت لواء  إله واحد قاهر وقادر على إدارة الكون بمفرده.

حدث ذلك ربما في القرن التاسع عشر يا صغيرتي حيث أوحت الكنيسة لبعض الكهنة بأن يختصروا كل الآلهة في إله واحد أخرج الكون من صليبه .

أما قبل ذلك فحدث في الميثولوجيا الإغريقية بأن تعددت الآلهة حتى بلغت 180 إلها ونصف إله بعضها قام بأدوار بطولية استحق على إثرها لقب" رب الأرباب" أو ملك الآلهة كصاحبنا جوبيتر .

لاحظي يا صغيرتي أن هذه الآلهة لا تفشل أبدا وهي تخالف تماما فكرة  الراحل الكبير إدوارد سعيد عن " الآلهة التي تفشل دائما " .

في الحقيقة يا ريّان هنا يجب أن نطرح سؤالا هاما عزيزتي :

هل قام الإله فعلا بخلق الإنسان ضعيفا أم أن الإنسان هو من قام بخلق الإله قوياً ؟

فكري بعمق في السؤال .ثم فكري بكيفية التوفيق بين الفكرتين بين إله قادر وقاهر  وبين إنسان ضعيف أو العكس بين إله ضعيف وبين إنسان قادر وقاهر .

هل تحبين الشطرنج ؟

حسناً .. دعينا نلعب الشطرنج قليلا ً .. وننقل البيادق

فكري كيف نوفق بين إله قادر وقاهر وبين إنسان ضعيف ومغلوب على أمره ظل ملايين السنين ينتظر عاريا اكتشافا عبقريا اسمه " الملابس" وبقي ملايين مثلها حتى اكتشف اختراعا عظيما اسمه " المنزل" ثم بقي ملايين مثلها ليكتشف انفجارا عظيما اسمه " الكهرباء" .

حسناً .. فكري كيف نوفق بين إنسان قادر وقاهر اكتشف السيارات والمركبات الفضائية والآيفون والقمر الصناعي واستنسخ دولي ويحاول الآن استنساخ نفسه بعد أن وضع قدما على القمر والأخرى على المريخ وبين إله أفعاله الكونية نقلت إلينا عن طريق القصص والميثولوجيا والمخيال الاجتماعي ولم نر شيئا منها بعيننا المجردة .

وحتى لا نغالط المنطق أيضا دعينا هنا نوضح فكرة هامة جداً يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار .

المنطق أيضا ً يقول يا ابنتي أن الأفعال التي لم نرها لكننا شعرنا بآثارها لا تنفي وجود مصدرها ومسببها وهذا يعني أننا يجب أن نفترض أيضا أن ما نقل إلينا عن طريق القصص أو الميثولوجيا أو المخيال الاجتماعي يجب أن نأخذ بعضه بعين الاعتبار . خصوصا إذا توافرت الأدلة عليه .

مثلا يا صغيرتي أفعال الإله عند المؤمنين ليست ظاهرة لكنها محسوسة وهذا يعني أننا لا يمكننا إنكار وجود الإله فقط لأنه غير مرئي ، كما هو الحال مع عشرات الأشياء التي لا نراها بصورة مجسدة   لكنها موجودة  ومحسوسة وأثارها في كل مكان  ولا يعني على الإطلاق كونها  غابت عن إدراك حواسنا أنها غير موجودة .

فمثلا الكهرباء موجودة لكننا لا نراها فقط نرى آثارها وكذلك ربما الإله لا نراه لكننا فقط نرى آثاره  .

وهنا على ّ بإلقاء اللوم على  بعض الملحدين أو المفكرين  الذين يحاولون نفي الموجود فقط لأنه غير مرئي بالنسبة لهم وهذا خطأ لا ينبغي لمثل من وصل لمستويات ثقافية وعلمية عالية أن يسقط فيه فمثلا يا صغيرتي إذا كنا سنقول الإله غير موجود فقط لأنه غير محسوس وغير مرئي فسنسحب هذه المقولة على كل الأشياء غير المحسوسة وغير المرئية كالأشعة الحمراء والكهرباء و.. الخ.

ما رأيك أن نذهب لفكرة أخرى ..

باعتقاد الكثيرين  وربما سأدعم هذا الاعتقاد أن وجود الإله ضرورة لماذا يا صغيرتي ..؟ لأن عدم وجود الإله يعني أن هناك عشرات الأشياء يجب أن تتغير سنأخذ مثالاً واحداً حتى لا أطيل عليك منها مثلا : قضية ( الحلال والحرام) .

ركزي يا صغيرتي إذا كان الإله غير موجود فهذا يعني أن الأديان غير موجودة وأن الشريعة التي تنظم المحللات والمحرمات وتعزز بعض الأخلاقيات وتمنع بعض السلوكيات غير موجودة . إذاً ليس هناك مجاز وليس هناك محظور  وبالتالي يستطيع أي رجل منا أن يتزوج بأخته مثلاً  أو أمه أو خالته أو عمته وقيسي على ذلك بقية الأمور الأخرى .

سيعترض أحدهم ربما ويقول أن الأديان لم تجلب الأخلاق وأن الأخلاق موجودة قبل الأديان . نعم هذا صحيح نحن لا نفعل ذلك لأن أخلاقنا كبشر لا تسمح لنا أن نفعل ذلك ونحن لا نسرق ليس فقط لأن السرقة حرام ولكن لأنها خطأ وجريمة يعاقب عليها النظام والقانون البشري وليس السماوي فقط .

حسنا لكني أعني شيئاً أخر .. فسروا لي إذا ً لماذا لا تفعل الحيوانات بعض الأمور وهي التي لا تملك عقلا لتقيم نظاما أخلاقيا يحكمها في شريعة الغابة ؟

كيف تعرف الحيوانات الحلال والحرام ؟

نعم نعلم أن لكل قاعدة استثناء كالبطريق مثلا  ولكن بشكل عام لماذا الحيوان لا يجامع أمه أو أخته أو عمته ؟

لماذا أنثى الحيوان لا تجامع أنثى الحيوان ؟  وذكر الحيوان لا يجامع ذكر الحيوان .!

 إذاً فهناك قانون عام ونظام حتى مع معظم الحيوانات ..!

 كيف جاء يا حبيبتي ؟

هل هو فطرة ؟ إذا كان كذلك من فطرها ؟

من أين لكثير من الحيوانات  أن تأتي بهذه الأخلاقيات والسلوكيات ؟

هنا لا أحاول أن أثبت لك أن الإله موجود ، أنا فقط أفكر بصوت مسموع وأحاول أن أكتشف المحرك والمنظم ومن ثم أدعك تكتشفين الأمور كما هي يا صغيرتي .

 فإذا كنا سنعزل الإله عن هذا الكون لمجرد أنه غير محسوس فهذا يعني الفوضى فلا نظام ولا تخطيط ولا حلال ولا حرام ولا ميزان يضع الأمور في نصابها.

وحتى السؤال الأهم في هذا العالم يا ابنتي: من خلق الكون ؟

أي نظرية سنختار من نظريات الخلق الثلاث ( الكون له خالق – الكون أوجد نفسه بنفسه- الكون وجد صدفة) .. أي نظرية يا صغيرتي تفرض علينا الآتي :

 إذا آمنا مثلا بأن إحدى هذه النظريات صحيحة لنشأة الكون فهذا يعني أننا آمنا بشيء لم نره . بالتالي هذا يقودنا أيضا لإشكالية فإذا كنا آمنا بشيء لم نره فكيف لا نؤمن بإله لم نره أيضا ً ؟!

أعني كيف نؤمن بنظرية من النظريات ونحن لم نشهد حدوثها أو أحداثها ومع هذا نؤمن بآثارها فإذا كنا آمنا بآثارها عن طريق حواسنا فمن الحكمة أيضا أن لا نلوم أو ننكر على من يؤمن  بنظرية وجود إله ذلك لأنه آمن بما آمنت به ولم يشهده لكنه شهد آثاره عن طريق الحواس .

بالمحصلة ستصل إلى نتيجة حتمية ومنطقية تقول لك :  إذا شطبت نظرية وجود إله وخالق للكون فهذا يقودك لشطب باقي النظريات بأن الكون أوجد نفسه وبأنه وجد صدفة .

فإما أن تقبل بتحكيم العقل والمنطق وإما أن تسقط في فخ التناقضات  

أيضا في جميع الحالات ينبغي أن تقبل بالحقيقة الأهم وهي :  وجود خالق .. سواء كان الصدفة أم الإله أم الفيزياء ... لكن هنالك خالق . وخالق منظم جداً ودقيق مهما اختلفنا على اسمه .

ريّان تذكري يا صغيرتي أن العلم في جوهره وببساطه وكما يقال هو المنطق السليم في أفضل حالاته وهو شديد الدقة والاتزان في المراقبة ولا يرحم مغالطة المنطق.

وأنا لا أحب مغالطة المنطق لكن من حولنا يفعلون ذلك ويغالطون المنطق فقط لأنهم يرون الأشياء من منظورهم الخاص وليس كما هي عليه .

نعم يا ابنتي حتى هذه اللحظة في زمننا يوجد إله وتوجد نظريات ثلاث . لن أقول لك ِ بأيها أؤمن لكني الآن أسألك يا صغيرتي : ماذا عن زمنكم ؟ هل لديكم إله ؟ وبأي إله تؤمنين ؟

اكتبي لي يا صغيرتي سأقرأ ما كتبت ِ ربما من تحت التراب .

لايف يو

أبوك