الخميس، 29 مارس 2012

الإنسان الحر ..1







الإنسان الحر هو الإنسان الذي يملك عقلا يستطيع من خلاله أن يطرح أفكارا ومعرفة يفيد بها الإنسانية كلها دون أن تكبله وتقيده الأيدولوجيات الدينية أو الطائفية أو القبلية أو السياسية أو غيرها والتي تجعل عقله يعمل ضمن آلة تستغل فكره وتجعله عبدا لها ولنمطها ولمرجعيتها الموتورة بظلام الأيدولوجيات التي لا تستطيع أن تشعل شمعة لترى النور لأنها جبلت على العيش في الظلام .

الإنسان الحر هو ذلك الإنسان الذي يستطيع أن يسترجع عقله من ماكينة الدين وماكينة القبيلة والطائفة والسياسة وتجعله يهندس مخرجا يخرجه من ظلام القصور إلى صباح التنوير .

الإنسان الحر هو ذلك الإنسان الذي استطاع الخروج من عمى ذلك الوهم الذي ألصقته على عين عقله الأيدولوجيات المختلفة التي راحت تتلاعب بفكره وبحياته وسيّرته حسبما شاءت وخططت له حياته منذ ولادته وحتى مماته دون أن يكون له الحق في اختيار طريقه الخاص وضوءه الخاص ودون أن تعطيه فرصته في الرؤية والتقرير والتنوير لهذا ما أن استرد نوره الخاص وطريقه ورؤيته وتمكن من أخذ قراره بنفسه وتمكن من تجاوز قصوره وأخرج عقله من إشراف الغير عليه لإشراف الذات أصبح حرا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى و أصبح نفسه وذاته لا نفس وذات الآلات و المرجعيات الغارقة في المخيال الاجتماعي الموروث .

الإنسان الحر هو ذلك الإنسان الذي صرخ في أذن العقل قائلا : " بحياتي لم أكن مسلما ضالا ولا يهوديا تائها ولا أظن أني مسيحيا مؤمنا " إذ أن هدفي الأسمى في الحياة أن أمنح عقلي الحياة متجاوزا كل تلك الديانات وتفريعاتها وأيدولوجياتها وميثولوجياتها من أجل إضاءة العقل البشري بما ينفعه لأني مؤمن بضرورة استعمال العقل والاعتماد عليه لانتاج وخلق سبع جنات من المعارف الحرّة .

الإنسان الحر هو ذلك الإنسان الذي يملك عقلا ناقدا يبدأ بنقد العقل نفسه ولا يتخاذل عن اتهامه بالخطأ وبالتورط في الانقياد إلى أيدلوجيات معينة وانتهاء بسبر غور الأشياء والبحث فيها . هو ذلك الإنسان المتحرر من كل عبودية المتحكم في اهوائه المؤمن بأنه سيد الأرض المحمي من سطوة التقليد والعادة .

هو ذلك الإنسان الجسد والروح الذي يصيب الفضول وشبعه بالرعب لأنه علم معنى الوجود ولأن من حوله سديم وهو نور ، هو ذلك الإنسان الحي الميت مبلغ الشمس وكبد السماء وصديق الأرض ورفيق التربة المؤمن بالإنسان الذي لم ييأس من أمله في الخلاص من الأشباح والأوهام ، المؤمن بالشعلة التي يحملها في رأسه والتي لا تدفن نفسها عند أول انطفاء في رمل الكتب السماوية وفي أوهام أصحاب السموم البيضاء وأصحاب الكلمات السوداء اللذيذة .

أنا ذلك الإنسان المتضايق من الواقع والواقع في ضيق بدأ يتماثل للشفاء لأنه عرف كيف يجعل السديم ينسل من عقله ويسكن القبر المجاور للعقول المريضة التي توفتها الميثولوجيات ، لن أنظر إلى الوراء وأنا المقدمة ولن أنظر إلى الأعلى لأني الجبل ، الصغار فقط صغار العقول من ينظرون إلى أعلى لأن عقلهم لا زال في أسفل الوادي بقطرات دم تنزف مخلصة للراعي الذي جعل عقولهم قطيعا يكره حياة السمو ويفضل ميتة الوادي .

وراء أفكاري ، حكمتي المثلى ، والكبرى ، وأمام أفكاري أنا بكل دقتي وصلابتي أقود ذاتي إلى الغاية التي يجب أن تصل إليها ( إلى ّ ) لهذا سأصارح ذاتي رغم احتقاركم لها ومقتكم لما تحمل بأنها أفضل من ذواتكم فهي منتظمة وواضحة ودقيقة وصادقة ولا يسودها ما سادكم من رق ٍ فذواتكم لا زالت أسيرة ومرهونة ومباعة لذوات أخرى غير ذواتكم .

وراء أفكاركم ، ذئابا وحشية تعوي طلبا لفريسة من الحوريات ، وأمام أفكاركم خنازير برية لا تكف عن الاحتلام بأنهار الخمر واللبن ، لهذا سأقول لذواتكم رغم احتقاري لها بأنها الشر ، الشر كله الذي تريد أن تلصقه بالآخرين ، أنتم الشر أنتم بفضائلكم المهترئة وشركم الناجم عن تناقض الأقاويل التي ورثتموها غير مصدقين فإضطررتم للتعامل والتعايش معها إلا أن هذه الكذبة يفضحها طبعكم الحيواني الذي ما فارقكم للحظة ، تلك الأطباع التي تشتهي وتتلذذ بالقتل والاغتصاب والتخريب والهتك والتدمير والارتياب والنميمة وتريد أن تحطم الكرة الأرضية حين تغضب وتحقد ، كل شيء فيكم مريع لأنكم منذ سلّمتم عقولكم للغير يشرف عليها أصبحتم أجسادا وأوراحا تالفة ومأسورة تريد أن تجعل كل شيء تالف ومأسور مثلها .

وجهوا أشواككم إلى أنفسكم وأقتلوها وتفوقوا عليها لتعودوا للبشرية وأنتم محبين للفضائل كما هي وللخير كما هو وللإنسان كما هو بدون قيد وبدون سجن وبدون سلطان يخنق وملك يعذب وإله بشري يقاضي البشر الذين خلقوه في المحاكم لأنهم تخلصوا من سمومه .

ما يجب عليكم فعله حقا أن تطلقوا سراح عقولكم المنهكة والمتعبة والمثقلة بما راكمتموه عليها ، أن تريحوها من السكن في عقول الآخرين وفي أصابعهم وفي أدواتهم الفكرية والسياسية والدينية ، أن تمنحوها فرصة تكون فيها هي سيدة الموقف وسيدة القرار والمالكة لزمام نفسها .

أنصحكم أن توجدوا لوجودكم القيمة وأن تمنحوا للقيمة الإرادة والذات الخلاقة التي تجعلكم تتحلون بالحماسة على أرض المعركة التي ستقفون عليها بلا شك لتحاربوا معظم الذين سيخرجون لحربكم لأنهم لن يسكتوا والسبب أنكم خرقتم قوانينهم وخرجتم عن عاداتهم وتقاليدهم الموروثة .

أنصحكم أن تجدوا لكم رفاقا يتحلون بالشجاعة وبالإيمان بالقيمة وبالإرادة وبالذات الخلاقة ليقفوا إلى جواركم في الحرب لا تكونوا فرادى فالفرد دوما يسقط أمام اختبارات الجماعة والجماعة دائما حين يهاجمها فرد تنتصر لأنها تتحول إلى قطيع من الذئاب المتوحشة حتى وإن كان الفرد الواقف أمامها أسد .

عليكم أن تتعلموا أن تقولوا للرذيلة لا وللخطأ لا وللخرافة لا وللآلات التي تحاول تحريككم كما تشاء لا ، عليكم أن تكونوا ذئابا في هذه الغابة التي يسن كل قطيع من الحيوانات فيها قانونا خاصا به يضفي عليه القداسة والتعاليم السماوية ليغوي به الحيوانات الضعيفة التي تعودت أن تُقاد ولا تقود .

الفقير ينصاع لعقل الغني لأن أفكاره تغريه بالشبع ، والضعيف ينقاد لعضلات القوي لأن عضلاته تؤمن له الحماية والأمن والطمأنينة الزائفة ، لذا نراهم يسلمون هبة العقل بكل سذاجة منخدعين بتلك الأكذوبة التي علقت أمامهم يافطة تهديدية مكتوب عليها : " سفك الدماء قادم لا محالة إن لم ترفعوا الرايات".

الثورة هي خلاصكم ، ثوروا على أنفسكم ثم ثوروا على أخطائكم ثم ثوروا على الأشياء التي تورطتم بها ثم ثوروا على الأيديولوجيات التي قيدتكم وألجمت عقولكم وألسنتكم لتستطيعوا أن تنالوا البر والخلاص .

أعلم أن كلمة الثورة قاسية عليكم ومؤلمة ومنفرة لأنكم لا تريدوا خلاصا يجلب الدمار معه ، و لا خلاص بدون ثورة ولا ثورة بدون دمار ، عليكم أن تعلموا أن الدمار كما يجلب الشر يجلب الخير وكما يجلب الشيطان يجلب الإله.

خانك الرمل يا رستم



هل كان رستم يعلم أني سأقتفي أثر الرؤيا التي أفزعته وسأقص على المدينة بطولة السيف الذي نحر بنيّات رؤاه ، هل كان يعلم أني سأحرّق فيما بعد حتى تلك الأوهام عن الفوقية التي تحلّت بها أفيال هواه .

لقد خانك الرمل يا رستم كما خانتك الرؤى فلا أصابع هنا ستطبطب على حشائشك الميتة ولا أقدام هنا ستقود رؤاك لتتوضأ العشب الأخضر ، لا شيء هنا سيجعلك ملكا تسرج التاريخ على ظهر دابتك كما سرجت أحلام الضعفاء ، لا شيء هناك سيغني باسمك ويطالبك بالمكوث حتى تسقط الرمال على الرمال وتحلب الجبال على الجبال لا شيء هناك سيجعلك كذلك الخيال الذي زار عنترة ونياقه المعصفرة.

لن تبكي عليك العيون التي سرقتها من أوجه الناس يا رستم ، ولن تنزف من أجلك تلك الأجساد التي سرت عليها وكأنها قارعة الطريق . كل شيء ٍ اليوم استفاق يا رستم ، كل شيء حتى حارس الموتى فك الوثاق ، أمّا الرفاق الذين اعتمدت عليهم فلن يستطيعوا أن يلعبوا معك بعد اليوم لعبة العناق ، اليوم كل شيء ٍ سيتخلى عنك / المراسم/ الطبول/ القلاع/ الحصون/ الجياد/ النياق ،اليوم لن يكون بحوزتك أي شيء غير تابوت محطم ودم مراق.

هل سيفيدك الندم ودموع المستغفرات ؟ هل ستتمكن من استرجاع ما ذهب كالساحرات ؟ هل ستقوى على قرع أبواب السماء بما فعلت من موبقات ؟ من سينفعك الآن ؟ الرؤى / الجيوش/ المؤامرات ؟

كم شئت أن تكون صنماً يعبد بعد أن زحفت بعيدا عن الطين لتعانق الصروح السامقات ، كم شئت أن تكون كالرب القديم وتسكن السماوات ، كم شئت أن تكون كفرعون وتعلنها " أنا ربكم الأعلى" لولا المفاجئآت ، كم شئت أن تهشمنا كالكؤوس الفارغات لكنك لم تستطع لأنك تعلم أن رياحنا حين تهب لا تقوى عليها العاصفات .كم شئت أن تكون كرباعيات الخيام في كتب ِ التاريخ وكتب الشعر لكنك لم تستطع أن تكون أكثر من اسم غير قابل للصرف ليس له وزن أو قافية .

الثلاثاء، 27 مارس 2012

ثمَّ ماذا ؟




قالت : سأحجب عنك الضوء .
قلت : ثم ماذا ؟
قالت : ستموت مظلما ً .
لم أجبها : أطفأت الشمس ، ثم سألتها : هل تريني ؟ قالت : أراك ، عجبي كيف تكون مرئيا وقد .... ؟!! قاطعتها : من يراني عليه أن يؤمن بأني سأعيش وأموت منيرا ً دون أن تحفني أفيال أبرهة التي عجزت عن حلبِ نياق الكعبة لتحلب نطاق الضوء عني أو تحلب ما كتب الرفاق.

ليت لي طفلة تشبه ظلالك المسروقة




ليت لي أكثر من فم ٍ لأحدث العالمين عن هوانا ،ليت لي أكثر من قلمٍ لأكتب للناس عن خطانا ،ليت لي أكثر من طريق لأزرع للشوارع قرانا ، لكني لا أملك من كنوز العشق إلا بضعة قلوب خانها المهر وبضعة رسائل كتبت في غفلة من الحبر وعيال صغار أنجبناهم في الحلم ِ الذي زارنا قبيل صلاة الفجر .


ليت لي قبلة تشبهك أتوجه إليها لتحميني من سور الغدر ومن آيات ٍ تحاول أن تقرأني على طريقة الفقر الذي حاول أن يسرق السماء عنوة بعد أن سرق ظل الجيران وعبق العطر .

ليت لي طفلة تشبه ظلالك المسروقة من الشمس لتبيع ظلالي الثقيلة جداً إلى مراعي الضياع وبعد أن تتركها هناك لتجف قليلاً تعود لتفر بها من المراعي نحو الشعر ثم تُسكنني بيتا طويلا عن كاهنٍ هرب من أناجيل يسوع ليسكن في صفحاتك العطر.


ليت لي ذاكرة تشبهك أسبق بها تاريخي وكل الذين حبسوني وحبستهم في خزائني وأتجاوز بها من أرهقوني بسرابهم الذي ضلل مائي ، ليت لي بضعة أوجاع تشبه بضعتك التي فرت من الحروب والسجون إلى طي المصاحف لتنسى دين من أرهقها وتنسى العاشق الذي غرس بداخلها أزهار الخيبة والخوف وشهيق الجوع.


لكن.. ليس لي في هذا الكون إلا اللون الذي يصبغ ذاكرتي بفرشاةٍ سوداء تصرخ قبل صلاة التهجد للرب أن ينقذها كلما مر الموت عليها دون أن تتواطئ معه وتمزقني لسنتين من وحدة إذا خانتها الرياضيات وعلوم الحساب .

ليس لي في هذا الكون إلا بضعة فقراء خانهم الحظ والحدس واللقمة الهنيّة ورياح الرزق التي ضاعت في زحمة المدينة دون أن يستطيع فقرائي أن يستدلوا عليها ، ليس لي في هذا الكون إلا بعض النازحين من البدو إلى خيامي التي حرّقتها نيران الحداثة والعولمة ومن ثمّ فروا منها ليستجيروا بمائدة رجل كريم بداخلي ليطعمهم ويسقيهم في رحلة الشتاء والصيف .

ليس لي في هذا الكون ما يطفئ مشاهد النخيل السامقة والصامدة بداخلي غير امرأة جائعة تحاول أن تذوق من شبعي طلعا نضيدا لكنها لا تجد ما تأكله سوى خبز الضحايا الذين ماتوا وهم يحاولون تسلقي دون أن تبرأ أفواههم .

لست بحاجة ٍ أن يرتاح وجعي فهذا الوجع هو بجعي الذي يطير بي إلى السماء السابعة دون أن ينام أو يسقط في بحيرة البجع ونوتة تشايكوفسكي ليضعني عند سدرة المنتهى ثم يتوضأ ويصلّيني صلاة لا تخاف ثغاء الطين وغضب الماء .

الاثنين، 26 مارس 2012

الريش الجميل ليس كافياً ليصنع منك طائراً جميلاً

على أرض الحضارة لا زال "قابيل" يكشّر عن قباحته ويُظهر أضراس أذاه ، وكل شيء ٍ يحمل ناباً ومخلباً من موت ٍ بيده قد نهض ، لا زال قابيل يطلق رصاصاته دون رحمةٍ لتستقر في قلوبٍ حمولتها سبع سماواتٍ من "الله الواحد الأحد" وسبع أراضٍ من "اللهم صل على محمد وآل محمد" ثم يبحث عن غرابٍ ينقّب في الأرض ليعلمه كيف يواري سوءة المقتول ولا يجد।



قابيل لا زالت جثث الشهداء تتساقط أرضاً وطهرها العالي يمزق جدرانك العازلة ليجبرها على الحديث عن طفل ٍ مات دون أن يُكح الكرة الأرضية بعد أو يسعل هذا العالم المصاب بدوار جُرمك اللا معقول ، لا زالت أيدي غدرك تجتز من الوريد إلى الوريد حياة امرأة مسنّة لم تطلب شيئاً منك إلا العدل بين الرعيّة بعد كل هذا الشيخوخة التي اجتاحت ملامحها ، لازالت قواتك تعاقب بالقنابل المسيّلة للدموع كل مسيرةٍ مشت برجالها ونسائها حاملة يافطة عريضة مكتوب عليها : إنا لله وإنا إليه راجعون؟!



قابيل ॥أنّى لك أن تبرر جرمك؟ أنّى لك أن تعتقد أن الريش الجميل الذي تلبسه كل صباحٍ فوق أنهار الدم سيصنع منك طائرا ً جميلاً ؟ أنّى لك ذلك وعلى أرض الحضارة لا زالت الفضيلة تعتقل والحسنة تكبّل والحقيقة تجتز ولا زلت أيها السفّاح الكبير تحاول أن تُغلق باصبعك ثقب الأوزون حتى لا تخترقه الحقيقة وتفشل। لأن الحقيقة أكبر من أن يوقفها اصبع وأسمى من أن تصادرها قنبلة وأقوى من أن ينسفها قرار .



قابيل॥هناك على أرض الحضارة "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" ستجدهم يحملون كل ما تهشّم من بيوت ذُكر اسم الله فيها كثيرا فوق صدورهم لغسل العار الذي خلّفته ثّلتك ثلّة "قايين"।


قابيل॥حتى إله الماء "انكي" سقط قتيلا في ملحمة"جلجامش" وهو الذي نجى من الطوفان العظيم واختار أرضك ليعيش عليها مع زوجته لكنه مات وكيف لا وأنت يا "قايين" لا زلت تبيع السماء بحفنةٍ من أرض।



لكني وأثق أنه على الرغم من التنكيل والقتل أن هابيل الأول سيبعث المرة تلو المرة في قلوب الذين لا ينتظرون منك تأشيرة رضى أو غفران وسيتكاثر حتى يرث الله الأرض ومن عليها رغما ً عن أنف العساكر والبنادق والزنازن والمستشفيات ودرجات الجحيم ، أتعلم لما؟ لأنه من سلالة "نون والقلم وما يسطرون" ولأنه الإنسان الأول الذي قدّر له أن يكون دوماً بطينته الطيبة وهيئته الترابية الموحدة بالله تاجاً على سلالة الطين.


الأحد، 25 مارس 2012

سيري بأقدامك مع قدمي





فلتمطر السماوات ما شاءت على لغتي ولتمطر الأقلام ما شاءت على كلمي فإني وبعيدا عن قلمي لي أحرف لا تقبل أن ترعى أغنامك مع غنمي ، ولك أحرف أحفظها لا ترضى أن ترفع أعلامك مع علمي ، ولي حجاج يطوفون حول بيتي الحرف ثمانية أشواط دون كللٍ أو مللِ ، ولك قداسة مثلي॥ لا تفنى.. تسير بأقدامك مع قدمي ، ولي معارف لا تنضب من قمة مخزوني إلى نشري ، ولك معارف لا تركع مهما أمطرت السماوات عليها من عسلي

أنتِ بحسب قافيتي / قابلتي / ماشطتي / التي منذ اللحظة الأولى سطّرت تخوم محبرتي ، وأنا بحسب قافيتك / قابلتك/ ماشطتك التي منذ اللحظة الأولى آمنت بأنكِ كتابي وقلمي ومسطرتي، لك ِ معاضل لا تقبل أن تزحف إليها الإجابات تماما كمعضلتي ، ولك ِ أغان لا تقبل أن يغنيها أحدا كأغنيتي ، وكم شاءت الأسفار أن تجعل بيننا أزلاماً وأقزاماً لتباعد بين أسقامك وسقمي ، كم شاءت السيقان أن تركض بالآفاق بعيداً عن أنعامك ونعمي ، ترى هل غرهم تعبك ، هل غرّهم تعبي ؟ أما عرفوا أن جرمك هو جرمي، أن دمك ِ لا يخور كي يخور دمي،أما علموا أن أصابعي / أصابعك لا تتلو ما علق من أسباخ وأوساخ وضعوها على كاهل بدني ، أما علموا أن ألوانك/ ألواني لا تلوّن اللوحات التي علقوها على مراسم فمي ، فلتمطر السماوات ما شاءت على لغتي ولتمطر الأقلام ما شاءت على كلمي فلن أجثو قبيل الموج أمام البحر ولن أرسو مثل السفن أمام الصخر، لن أحفل بالقادم الأخطر ومعي الأكمل الأقدر على استيلادي بداخلها كلما زارها / زارني المقتل।

لن أحفل إذا ما تخرجت من الأرض وأصبحت سعالاً في الأسفل ما دمت ِفي الأعلى تغسلين سعالي في الفردوس وتمزجين صوتي بصوتك الأجمل .

المجد لروحك يا صديقتي




يحزنني أن أرى صديقة لي تسير بجانب الحلم المدفون في سرداب ٍ مظلم ، يحزنني أن الحب الذي كان يجب عليه أن يجعلها تكون في مكان أخر جعلها تكون أو لا تكون ، يحزنني أن أقرأ لها في هذا الصباح المجنون أحزانا روحية لا تستطيع التعرف على نفسها وآلاما أسطورية لا تعرف ما عليها أن تفعله .

اسقطي تلك الصخرة من على ظهرك فلست سيزيف وتجردي من تلك الذهنية السالبة التي تحاول أن تسرقك من الطبيعة لتجعلك أسفلها ، اسقطي تلك الصخرة من على صدرك وتجردي من أغلال الحزن التي تحاول أن ترغمك على العيش بداخل معابد وطقوس فقيرة كفقر الأفكار المزروعة في قرية ٍ لا تحق حقا ولا تبطل باطلا.

صديقتي .. حين كنت بائساً اسبغتي على تاريخي المياه فبأي مياه أبلل تاريخك الممتد إلى الأزمنة الأولى من الحب الذي لا زال حائرا في مكانه دون أن يتخذ له قصة أو واقع معاش؟

بأي مياه أطمر شهوة الصراخ التي تنهش سكينتك وسكينتك نفسها تحاصر نفسها من غير شيء كالخرافات المحلية .

المجد لروحك يا صديقتي التي لن تقبل بأن تهزم من ناحية اليمين بحفنةٍ من رجال ولن تقبل أن تستلم من ناحية الشمال لسقطات روحية لم ترضع يوما من ثدي أم أو مرضعة.

الجنون يشبه أنثى لا يمكن احتساب عمر أنوثتها




أفضل شيء يناسبني هذا الصباح نسيان عقلي في الدولاب والخروج بجنوني المشابه لتلك الأرقام التي رصدتها دائرة الأحوال الجوية عن الطقس وسرعة الرياح .

ما أجمل الجنون حين يكثر من الهذر ويرشدني دون قصد منه إلى مواطن المرض في الطبيعة من حولي والكائنات البشرية، ما أجمله حين يصبح أستاذاً يشرح الأشياء غير القابلة للتصديق وغير الممكنة عن طريق قدرته المجنونة على الاقناع بتجاوز المألوف إلى اللا مألوف.

الجنون يبلغ في نفسي من طاقات السحر والفتنة والجمال ما تبلغه آلهة أنثى هربت من ملحمة هوميروس واختبأت في همهمةٍ لا يمكن احتساب أنوثتها.

الجنون يبلغ في نفسي ما يبلغه رجل عاقل يفوق الآخرين نباهة وذكاء على الرغم من أن الرجل مسكون بالأشباح والتراث والممارسات الشاذة

جنوني .. كم أنا معجب بنفاذ بصيرتك وبطيشك العاقل الذي يقوم بوضع أصبعه على الأشياء بطريقة مختلة تبرز العيب الذي يحتاج للتصحيح بنظام لا يتسم بأي منطق ومن ثم يتيح للمنطق الفرصة للتواصل مع النظام.

أرني قدرتك على الرسم

كالرحالة الذي يجوب مناطق عديدة ، كالمحدّث الذي يحاول أن يتواطئ مع القدماء والحكماء ليؤرخ فصولا جديدة عن الإنسان عبر الفرز الفكري والتاريخي والكتابي >> أنا.





الآن أبدو منتميا لجغرافيا الأرض وتاريخ الأنساب كما لم أكن من قبل ، أبدو وكأني أول إنسان نبت على سطح الأرض بعد الطوفان ، أبدو بهذه الابتسامة المصفرّة المغبرة المرسومة على شفتيّ وكأني خارج من أعماق الأرض النارية بحكم مليئة بالمفاهيم المتلهبة


الآن ريعان الشباب يضحك على شيخوختي المبكرة ، يسخر من الروايات التي تسجلها ذاكرتي التي لا تعد ولا تحصى عن نسخ دائمة التجدد رغم كبر سنها ।



ريعان الشباب ॥يضحك كثيرا من يضحك أخيرا .. صحيح : )



إذاً هل تستطيع أن تضعني في إطار ٍ واحد ؟ أن تجعلني أصبح مقروءا وأشبه اللوحة التي رسمتها عني في مخيلتك؟ أن تضع شبابي في كفة وشيخوختي في كفة ؟ أن تفصلني عني ؟ أن ترسم لعوالمي خرائط محددة تنتظم على سطحها معالم الشباب والشيخوخة والتقاسيم والمجاميع البشرية ولوائح اسمائي ؟





هيا॥



أرني قدرتك على الرسم لأريك قدرتي على الألوان.

الخميس، 22 مارس 2012

إلى صديقتي




صديقتي الطيبة ، لا أخفيك سرا بأنني لم أر ما كتبته لي في مدونتك إلا الآن ، الغريب أني كنت أسأل نفسي عن الدافع الخفيّ الذي جعلني أتحول إلى باحثٍ بوليسي عن "مدونتك" عبر محركات البحث । لم أكن أعرف السبب । الآن فقط عرفت .



الأحرف التي نقشتها في مدونتك لي قد وصلتني بطريقتها السرمديّة والخفيّة والغيبيّة ، حثتني على المجيء دفعتني إلى محرابك دون أن أعلم أنك في الأصل قرأتي وكتبتي آيات و كلمات حافلة بهذا الخالد الذي يسكنني ।



لن أكون متسرعا في صياغة لغة الأرواح إذا ما قلت كما قال سيد الرسل " الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف " ।



صديقتي رداً على " إلى خالد العلوي" أود أولا أن أبعد عن كاهلك ثقل الاعتذار والألقاب ليست إلا وساما يمنح للحمقى । لست أستاذا ولا كاتبا ولا أديبا وأحسنت ِ بقولك " لا أراك وفق تلك المسميات" الأمر عندي يتجاوز هذا الفرز والتصنيف فأنا أعيش حالة فريدة من حالات الاكتشاف المدهش لهذه القارة المجهولة التي تسكن خالد والتي تجعله كل يوم يتجاوز كل تلك المسميات التي يسجلها الفرد البشري عنه انطلاقا من ذاكرته الـ مثقوبة أو انطلاقا من أصباغ الحياة الاجتماعية التي تصبغنا بألوان ٍ عن نفسي لا أحبها ولا أشتهيها .



عطر .. من النادر جدا أن يضع أحدا أصابعه على المشروع الذي أحمله بداخلي فالكل يراني وفق ذلك الفرز الغبي وتلك المسميات العقيمة لكنك تجاوزتي كل ذلك ووقفتي على المشروع العظيم الذي بدأ يتلاشى وينتحر ويقتل نفسه بدءا من ذلك التاريخ المتعدد الأصوات .



قلتها سابقاً وأكررها الآن مشروعي أن أضع حجرا على همي وألمي لأجعل الناس تصعد عليه لتصل إلى سماء ٍ عظيمة تلاشت اسمها " الإنسان।



والحياة ॥ حياة الإنسان .. حقا يا عطر تستحق أن نحتفي بها ولو قليلا بل وأن نرشقها بخمس عشر سنة إن أحببتِ من السعادة المكتوبة ليمر عليها فيما بعد الحزن بكل إرثه الاستقراطي وهو ذليل وخاضع ।



وأنا هنا أؤكد أمام جنابك أنني لا أسأل عن الدافع الذي دفعك للكتابة لي بطريقةٍ جنائية أو حسب طريقة الشعراء والأدباء لأني سبّاح ماهر يجيد لغة الماء ويجيد ترجمة الأحرف ويفهم جيدا لغة الروح التي تحدّث بها كل حرف قد سجلّته في رسالتك।



لست المتنبي لأقول أنا صخرة الوادي وإذا ما زوحمت فإنني الجوزاء ، أنا صخرة الوادي إن رأيت من حولي يعاني من آلام الطين وأنا الجوزاء إن رأيت من حولي زحل ، أنا إن كنت تسألين كيف أصبحت شجاعا بهذا القدر لأتخلى عن حياة وأرتدي غيرها في وطن أخر يسرني أن أعيد عليك ما دونته الذاكرة عن سيرتي الأولى ।





اعترف أمامك أنني لم أكن أشبه قريتي في شيء بل اعترف أنني لم أشبه تلك السجلات التي تخزنها عائلتي في شيء لم تكن الشائعات ولا المخيال الاجتماعي ولا التراث الواسع الشهرة يستهويني وكنت أفكر حينها كيف لهذا العقل الذي أحمله أن يترك جميع الأشياء من حوله دون تفسير منطقي ودون أن يتوقف عندها، كيف أستطيع أن أصبح مثلهم لا أفكر في الحقائق التي أزاحتها المجاميع البشرية الغفيرة في القرية عن الشمس ؟ لماذا كنت أراها رغم كل ذلك الماراثون الخرافي الذي عاشوا فيه ؟ لماذا كانت والدتي أطال الله في عمرها تعتقد أني مجنون وأشقائي يروني معتوه يتحدث بلغة الأساطير وقريتي تنظر إلىّ باعتباري خارجا عن قانونها وإني لست أكثر من عاص وعاق يحاول أن يصيب الشهرة من باب " خالف تعرف" ।



هل هكذا كنت أنا ؟



رفضت ولا زلت أرفض تلك الصورة التي كانوا يحاولون إجباري على العيش بداخل بروازها وفق معطيات وملامح وتقاسيم لا تشبهني في شيء ।



لماذا ألبس وجها ليس وجهي وشكلا ليس شكلي وعقلا ليس عقلي وحياة ليست حياتي، لماذا علىّ أن أصبح آلة بشرية تردد ما يلقونه على مسامعها من تعليمات دون أن يكون لها حق الاعتراض أو الاختيار؟ ।



نعم كنت غريباً في نظر المجاميع البشرية من حولي ونعم كانت الغربة تستوطنني منذ البدء وتتضخم بداخلي كل يوم وكان لتلك الغربة صبغة فريدة من نوعها جعلتني أشك في جميع الأشياء ولا أسلّم عقلي وروحي لإغراءات اللذة ووهم التراث وسلطة القبيلة أو قبول التعايش مع شر لا بد منه ।



أتذكر الآن مثلا أنني أضربت عن العمل لأكثر من سنتين متحملا كل العبارات المؤذية والسلبية حتى حين أجبرت أن أخوض اختبارات العمل من أجل العمل فقط أسقطت نفسي قاصدا متعمدا في جميع الاختبارات وفي كل مكان اجبروني على الذهاب إليه فالعمل عندي ليس نقودا فقط ولن أعمل بطبيعة الحال عملا لا أرى نفسي فيه ولا أحبه من أجل حفنة مال حتى حين أرغمت بعد ذلك على الذهاب إلى إحدى الشركات بعد إلحاح شديد من إسرتي وقفت في يومي الأول لأرى المكان من حولي تفحصته جيدا وراقبت الأوجه والجثث والصور المتحركة وشاهدت التمييز والعنصرية وحب الإذلال وقطعا رفضت أن أهين شخصا كريما في نفسي ولهذا حين جاء دوري لأوقع على سجل الحضور رميت القلم وخرجت مهرولا إلى أقرب سيارة أجرة تقلني من مسقط إلى قريتي । لماذا ؟ لأنني مؤمن أنني لن أعيش أكثر من مرة لأعيش حياة ليست حياتي واختيارا ليس اختياري .



لم أستطع أن أكذب على نفسي أبدا وأصدق الكذبة كما فعلوا فالأسطورة التي يتداولونها ليست أسطورتي والفكرة التي يشيعونها ليست فكرتي كان من الصعب على أن أستعير أصابع الآخرين لأكتب أسطورة حياتي وأفكار ذاتي أو أن أتحول من كائن بشري إلى كائن حجري لهذا تحليت بالصبر مجددا وتلقيت نبالهم ورماحهم ( ماجن ، غبي، وضيع ، عبثي ، مقيت ) دون أن يهتز لي جفن والحديث يطول في هذا المقام يا عطر لكني في المحصلة اخترت حياتي وسلكت مساري وشابهت نفسي وفكري حتى في اللغة التي أكتب وأتحدث بها ।



نعم لقد فعلتها حين آمنت بأني سأجد خلاصا لهذه الروح من إطروحات الحجر وثقافة التراث التي ستتلفني مبكرا إن قبعت في مكاني هناك وعليه حملت رؤيتي وفكري وسلوكي وحقيبتي على ظهري ووقفت أمام القرية قائلا : سأرحل . ورحلت .

اليوم : ) أثبت للجميع للأسرة وللقرية أني نجحت وأن أفكاري لم تكن عبثية ولا ماجنة ولا فظة وأن ما أردته قد نلته وما سعيت خلفه قد طلته وأني لم أكن واهما يعاني من قصور عقلي أو مجنون يركض خلف ما لا يعقل .
بحياتي لم أكن مدعي ولن أكون ولست مكابرا ولن أكون ॥ أنا .. هو .. أنا .. بكل بساطة طينة بشرية عطست ثم قالت " الحمدلله" فأمن الله عليها بكرمه।



عطر .. تنفسي طينتك كما هي ففيها الدواء واكتبي حتى التقيؤ وشاهدي كيف ستصبح لغتك أنشودة الأرض وطهر السماء وسحر الطبيعة وراقبيها حين ستحاصر الضياع وتضربه بمطرقات اليقين بـ " الأنا " التي تسكنك.



أخوك.

الأربعاء، 21 مارس 2012

صديقتي حزينة وتفتقد شهية الكلام






صديقتي حزينة وتفتقد شهية الكلام .

هل يتوجب علىّ مساعدتها ؟ هل أخرجها مما هي فيه ؟

هل أروي على مسامعها قصة الحزن الذي منذ الأزل وهو يجعل الشعب يمجد الموتى ويبجل القبور دون أن يترك للشعب مجالا أن ينقب في الأرض عن غراب يواري سوءته ؟ هل أقص عليها قصة الحزن الذي يأبى أن يفك قيد السعادة لتسجل ومضات من البسمة على واقع الشفاه التي أضناها التعب.


هل علىّ أن أذكرها أيضا بأن أثر الحزن في داخلنا كأثر الأرنب الجلي والمتشابك والذكي الذي يجعل الدروب تدخل في الدروب ؟ هل أخبرها أن الحزن صياد ماهر لا يتجول ضمن جماعات ولا يسلك طرقا متشابهة ، هل أبيّن لها أنه محتال وماكر كالبائع المتجول الذي حاول ليلة أمس أن يقنعني بأن لعبة صغيرة تستطيع أن تفعل ما يستطيع فعله المخلوق من تراب ونار ।



صديقتي حزينة وتفتقد شهية الكلام ।



هل أخبرها أن للحزن رؤوسا كثيرة تماما ككلب اسطوري بخمسين رأسا ولسانا ينبح الفرحة حتى لا تجد لها مكانا حيا في دواخلنا .
هل ألقي على مسامعها أسطورة الحزن الذي تحول إلى وحش غاضب وألقي الرعب في نفوس الأطفال والشيوخ وفي الليل يتجول مع زبانية عذابه متنكرا بزي غريب متخذا ألف هيئة وألف شكل ليضل النساء العاشقات ويغوي البطون لتنحرف وينحرف العالم مثله।

هل أؤكد لها أن كل ذلك الحزن خدعة ؟ إشاعة ؟ خرافة تلد نفسها أكثر من مرة على امتداد وجودها انطلاقا مما تخزنه الذاكرة من أوجاع وأسى حتى تجردنا من الحافز والأمل والضوء الآتي من نهاية النفق .

هل ستستطيع أن تتنفس ؟


عموما أنا في نهاية النفق يا صديقتي وسأكون بانتظارك ।




عطر حالم



إني أنا أخوك يا عطر وخالد العلوي لا ينسى اخوته مهما حاول خد الغربة الذي يمتص دموعي الآن أن يجعلني أنسى ، لست فارس الألياذة ولست ذلك الذي تساقط في النهاية مثل حبيبات الحنطة ولست دخانا تخشاه الحطابات لكني ماء يا عطر ماء مأخوذ من ينبوع القمر।

هذا الماء يعلنها أمامك صراحة أنه هجّر نفسه من ذلك المجتمع بسبب الغباء والموروث الذي حاول أن يجعله يعيش تماما كما تعيش الأسطورة في مخيلة البسطاء والقرويين حين تتضخم بدواخلهم كما تضخمت مع الذين عبدوا الآلهة القديمة وفعلوا كما فعل الإغريق في تمجيد هيراقليس وبنوا له المعابد والصروح.

هذا الماء رفض أن يكون عابدا لأسطورة وخرافة كما رفض أن يعبد ويمجّد هيراقليس مهما كان شكله ونوعه ناهيك أن الماء أيضا لم يكتف بالرفض بل كان يسارع في غسل حتى الكلام المقدس ليتأكد بعد غسله أنه كذلك فعلا وإلا تجاوزه واعتبره مدنسا ونتاج خرافة.

اتهموني بالإلحاد بالكفر واعتبروني من قتلة الرسل والأنبياء واطلقوا خلفي " حرّقوه وانصروا آلهتكم" لكني كنت أواجه تلك الاتهامات بإيماني الراسخ بالإله العظيم وبالرضا وبالعذر لأني أعلم تمام العلم مدى البساطة والهشاشة التي تسكن عقولهم ولأني أعلم أني فعلت كما فعل إبراهيم حين هشم أصنام الوهم وحرّق أساطيرهم .

كان بامكاني العيش وفق نظام الأسطورة دون دفاع عن حق أو إزهاق باطل لكن عقلي رفض أن يستخف الأسطوري بمنطقه ويتعامل معه بوقاحة مسروقة من الحكايات القديمة والعادات البالية .

تذكري يا صديقتي وأختي الطيبة أن الناس ينظمون ذكرياتهم وأفكارهم تبعا لما يحدث لهم ويفسرونها وفقا لمنطقهم الخاص بعيدا عن الحقيقة التي حاولت أن تقفز من على أسوار وهمهم ليشاهدوها وفشلت ومن ثم ماتت حين رأتهم يغطون في أفكار وعادات ومعطيات تفتقد الدقة والمنطق.

كان بامكاني العيش وفق معتقدات المجتمع لكن كيف أقنع خالد العلوي أن يفعل ذلك وهو يرى أن ما يعتقدوه ويعتنقوه ليس أكثر من "منتج تايواني" يحاول أن يغازل الزبون بشكله الخارجي المطلي بالخرافة أكثر من جوهره الذي يفتقد المضمون.

قد يفعل بعض الناس ذلك وبعض الشعراء وبعض السحرة وبعض الأدباء والكتّاب الذين باعوا أنفسهم للمعتقد لإرضاء القرية لكن كان من الصعب علىّ أن أفعلها ويصعب عليك أيضا ذلك لأننا لسنا أبناء الأفكار الجاهزة بل أبناء البحث عن الحقيقة الذين يعرفون جيدا أنهم إذا ما أرادوا الوصول إليها وللحكمة أن عليهم تجاوز " متعة الاسطورة " حين تروى على ألسنة المحدثين و كتب التاريخ.

شقيقتي الطيبة انظري إلى السماء واشكري ذلك الرب الحليم العظيم الذي طهر العالم بداخلك من مس الشياطين ومس الأساطير ومس الوهم الخرافي المتنامي ومن الرجعية وعالمها المغلق والمعتم الذي كان من الممكن أن تتوهي فيه إلى الأبد دون أن تكوني قادرة على تأويلها أو شجبها ، كان من الممكن أن تستوطنك امبراطورية الوهم والخرافات المرتحلة لكنها لم تستطع ذلك لأنها وجدتك تعيشين بخارجها وبين أصابعك فأسا يحرث ميدان التراث ليزرع في ترابه بذور المعرفة .

الآن ماذا ؟

أكاد أرى المحاور الذي كان يريد أن يحيي سنّة هوميروس صانع القصص في عالمك يفشل مجددا و يضلّ عن سبيله ويغرق في بحر الموروث بعد أن باضت مخيلته اسطورة غاضبة وخرافة تبتسم.
: )

سأكون إلى جوارك دائما يا عزيزتي رغم أنف المسافة
حفظك الله أينما كنت وإني أنا أخوك.