السبت، 30 يونيو 2012

سأعود حين تسجد الحرب وتركع الدماء

سأعود ..


حين يخرج الدود من المقابر


حين تنمو الورود على المنابر


حين يستسلم الدمع في المحاجر


حين يعتذر النمرود عن المخاطر


حين يهرب البارود من العساكر


حين يتأسف اليهود عن المجازر


حين تجبر القلوب في الخواطر


حين يسقط الاحتلال من المعابر


سأعود ..


سأعود ولن أكابر


..


سأعود ..


حين يعود النبي وتبتسم الزهراء


حين يعود الحسين وتعتذر كربلاء


حين يتوب يزيد ويرحل البلاء


حين تسجد الحرب وتركع الدماء


سأعود ..


سأعود ولن أكابر


أجيبيهم عني لأني لن أكون هنا

كان ثلاثينياً حين أصيب بداء ٍ في رئة حبره ، كان مزاجياً حتى وهو يتأنق لاستقبال القبر ، كان هوائياً حتى وهو على مشارف السقوط في حفرة الإهمال ، كان يموت ببطء ٍ دون أن تهتز فيه طبلة أو يسقط فيه مزمار، كان يشتهي الإيقاع حتى حين أصبح خارج اللحن وخارج الموسيقى .

كان يجمع كل هذا الوقت لينفقه مرة واحدة حين يغيّبه الزمان ، كان إنسانا لا يشبه المكان كان يشبه العود يشبه الكمان ، كان حين يتحدث تتشابك النجوم وحين يعطس تتحد الغيوم وحين يكح تكح اللغة كل ما عرفته عن مفردات الكيان .

كان يحترق مثل خيام البدو دون أن ينصره ماء القبيلة أو تقاتل من أجله السيوف ، كان يقول أنه مثل الضيوف سيموت لثلاثة أيام ٍ ومن ثمّ سيبعث للألوف كما يسوع حين مزّق الكفن وقاتل الخسوف .

كان يتحدث عن الأمل كأنه الشمس ويحارب اليأس كأنه المستقبل ، كان يهوى انزياح النص وصلاة الكنائس في قلب القس، كان يهوى تتبع الموروث ودراسة المحسوس ، كان يقول أن القديم رجلاً هرطق في الماضي فعلّقوا له المشانق ولهذا اختبئ اليوم في المعروف .

كان يموت ويظل يكتب ، كان يدخن ويظل يكتب ، كان يصنع من دخان موته خرافة تعبدها أمهات الكتب النائمة في خدر الرفوف ، كان لا يشاء الحياة التي شاءته يسير وحيداً منشداً يقول :

كيف يخشى الغريق من البلل أو يخشى القتيل من الملل .

كان حزيناً جداً ليس كحزنه شيء ، كان لا يخاف أن يخسر الدنيا لكنه كان خائفا على الحدائق بعده من سيرعاها من سيرويها من سيهتم بالتوليب من سيمسح على رأس الوردة ، من سيقدّر احساس الجميلة نفرتاري من سيكتبها من سيهواها من سيهدهد على المدّة التي سيقضيها بعيدا عنها هناك حيث السيوف لا زالت منشغلة بحروب الردة .

كان سراً جداّ ليس كسره شيء ، كان لا يخبر أحداً عن موت الريح في صدره ، عن هروب الساعات من عمره ، عن احتراق اللحم في جلده ، عن اشتعال الطين في جسده ، كان يعالج موت الريح بصحة ِ صدرها وهروب الساعات بأيام عمرها واحتراق اللحم بقوة جلدها واشتعال الطين بماء صبرها ، كان لا يخشى أن يصلب فكره حين يموت أو يشنق حرفه كان يخاف فقط أن يبعدوها عن سطره أن يحرقوها في حبره.

كان لا يخاف أن يكفروا بحرف اللام أن يشطبوا حرف النون ، كان يخشى فقط على حرف الشين على حرف الياء على العشق المعلّق في حرف الخاء على الهاء التي آمنت بالماء .

كان لا ينتمي لمعجم المكان لقاموس الزمان ، كان ينتمي إلى ذلك المنزل الذي شيّد في العين الذي تفوح منه رائحة الدمع ورائحة البداوة ورائحة الدين ، إلى ذلك العصير إلى تلك الاصابع التي كتبتنا واحد بعد أن كنا اثنين .

لقد كان وكان وكان ، والآن ماذا بعد أن ارتحلت وبعد أن حطّم أكواخ السعادة وسكن خيمة الوجع ، الآن ماذا سيكون بعد أن اقترب الاسفلت من شوارع صدره واقترب من تلقي الصدمة ، الآن ماذا بعد أن ركبت الصحة سيّارة الاسعاف وتركته وحيداً وسجينا في سجن الدمعة ، الآن ماذا بعد أن أصبح يتوهم الأشياء كأنها ستحدث ويتوهم الأحداث كأنها لم تحدث ، الآن ماذا بعد أن سدد جميع الفواتير إلا واحدة أصروا عليه من في الأرض ومن في السماء أن يدفعها من عمره .

الآن لا شيء ، ليس للمنطق هدف ، ليس للعشق ملف ، ليس للحزن تلف ، ليس في الحرف كلف، ليس لكل شيء ٍ عندي سلف وخلف ، الآن سارتحل للمتاحف مثل التحف ، سأستقيل من اللؤلؤ مثل الصدف ، سأموت عزيزا مثل الشرف ، الآن أو بعد سنتين من الآن أو كما يقول طبيبي مثل النخيل سأقع من أعلى قريباً مثل السعف .

الآن أو بعد سنتين من الآن ، حين يسألوك وهم يحجّون إلى شرائع كلمي ما كل هذا الترف ، أجيبيهم عني لأني لن أكون هنا ولن أكون في الصدف ، قولي كان وكان وكان ، كان كل شيء كان الغايات وكان الهدف ، كان المجلات وكان الصحف ، كان أحلامي الجميلة كان الشغف ، كان آلامي الشديدة كان التلف ، كان منكويا بعشقي لكني لم أسامح العشق ولم أقبل الأسف ، قولي : لم يعش سعيداً أبداً كان مصاباً بالقرف ، لم يمت سعيداً أيضا كان ميتاً دون ترف .

الآن أكون قد ارتحلت من ذاكرة الخلان ومن خارطة الإنسان ، سأرتحل ومعي سجادة سنية وتربة شيعية وقلادة إباظية وشعائر زيدية وسأستقبل المجهول ورحيلي أشبه بخيال قديسة نست أن تأخذ معجزة ريتا معها .

الآن ربّما أيضا قد يكون ولدي يبحث في خارطة العالم عني ، ينقّب في الحنين عني ، يسأل نفسه لماذا تخلّى عني ، لماذا فشلت احلامه الجميله ، لماذا غاب عن فضاء اللحن ، لماذا ترك القصيدة حزينة ، لماذا منذ ذهب أصبحت حياتي عقيمة وأمنياتي جريمة ، ربّما سأرد عليه وربّما أخشى من الفشل أيضا وأقرر أن أتدثر بالصمت وأقطع عن مفرداتي المعنى وأطفئ في معجمي الحروف ، أو ربّما علىّ أن أقول أنني راحل لأنني تعبت من الظلام وقررت أن أشعل الأضواء في الأسفل قليلا وأخبر الموتى عن أسرار الأفول ، سأحدثهم عنك وعنها عن مدائن الفوضى عن قرى لم يزرها الله ولم تعرفها الفصول .

الآن ربّما سأطفى الحرف ، سأمنع السحاب أن يلد بداخله المطر ، ربّما سأعطيه أقراصا تمنع عنه الحمل أو ربّما أعلمه أسراراً تكتم بداخله الفضول ، فقط عليها أن تتذكر وعليك أنت ذلك أيضا حين تكبر وتعرفني أنني لم أكن موسى الذي فرق ببني إسرائيل البحر ، أنني لم أكن أملك أي معجزة أو سحر غيرها وأنني لم أكن أملك صدرا أو ظهر غيرك .



الثلاثاء، 26 يونيو 2012

هي السبع إمارات



لماذا تذكرتها ؟ ومتى نسيتها !! لماذا أحييتها ؟ ومتى قتلتها !! لكنك بعتها ؟ لكني اشتريتها . ربما تكون باعتك الآن ؟ لكنها لم تبع الذكرى .ربما تكون قد ماتت من كثر الجروح ؟ لن تموت ، سأهبها ما أملك من روح . ترى هل ستقبل بعد أن تهدمت الصروح ؟ ريثما تلج الإجابة سأطلق الشروح .

لن أقفز من فوق سطح عمارة ، لن أطلب عرشاً ولا إمارة ، هي تعرف يا قلبي ، هي تعرف ، أنها السطح وأنها العمارة ، أنها العرش وأنها الإمارة .

هي تعرف يا قلبي ، هي تعرف ، أنها ملكة على شعب قلبي ، وسيدة في منازل صدري ، هي تعرف أنها في شعري ليست كلمة ، هي حبيبة الكلمات ، هي تعرف أنها في لغتي ليست شمعة، هي ضوء الشمعات ، هي تعرف أنها في الكونفدرالية ليست إمارة ، هي السبع إمارات .

شيخة تقرأ:" ولمن خاف مقام ربه جنتان"



يقولون :  (أن تصل متأخرا خير من ألا تصل أبداً ) .

بعد انتهاء كل شيء ٍ دائماً كنت أصل أنا . بعد أن يصل الموت وينصرف ، بعد أن تعترف الجثة ويسأل منكر ويصلي نكير والمقابر ترتجف ، أصل أنا ، أصل بكل وقاحتي وخطيئتي وعلى شفتي سؤال أحمق : ماذا حدث ؟ وكيف حدث ؟ وأين بدأ الحدث ؟

أحياناً أصل عند النزع الأخير لأمثل دور المنقذ الذي سيخطف البطلة من مقابر الموت ليرميها في مقابر الحياة . نعم أحياناً أصل على هذه الشاكلة لكني حتى في هذه الشاكلة أفشل في إنقاذ السؤال بإجابة شافية تستطيع أن تغيّر الحدث.

تموت حبيبتي في المستشفيات ، تزورها كل السماوات ، تبكي عليها سمّاعة الطبيب وغرفة العمليات روشتة المستشفى وملابس الممرضات ، حتى غرفة حارس الأمن على باب المستشفى تنتحب عليها وتنتخبها سيدة في الجنة وأميرة على الحوريات ، الكل يبكي وينتحب وينتخب حتى دكة غسيل الموتى تبكي عليها وتنتحب وتنتخب ، إلا أنا ؟

أين أنا ؟ أين أنا !!

نعم لا زلت نائماً على سرير ِ الأمنيات ، أرمي النرد على الصدور الناهدات ، أبيع خمر الكلمة واشتري أرداف الكلمات ، وبعد أن انتهى كل شيء ، كل شيء ، ركضت متأخرا كعادتي بسؤال ٍ أعرج : أين حبيبتي ؟ أين حبيبة السماوات ؟

قبل ذلك ، خنتها ، خدعتها ، كذبت عليها ، تاجرت بحبها ، بنيت لها قصرا في الشعر ، لكنها لم تدخله ، كتبت لها رسالة كتبتها حتى السماء لكني كعادتي لم أجد وقتا لأنشرها على العالمين ، لم أعطها الفرصة أبداً أن تكون ملكة في شعري ونبية في رسالتي ، لم أدعها تشبع مني ، نعم لم أدعها تشبع مني أو تأكل مني ، وأنا الذي أكلت فيها كل شيء ، كل شيء ، لحمها وقلبها وحبها وروحها لم أترك لها مني أثراً غير المرض .

ثمّ ماذا ..؟ وصلت متأخراً كعادتي بعد أن أكلها المرض وبعد أن هزم السرطان فيها الدم ، أطلب منها المغفرة ، وأطلب منها أن تسامحني لأني كعادتي لم أكن هناك حين احتاجتني سيفاً لا يخشى المعركة !!

ما أقبحني ، ما أوسخني ، ما أوسخني ، ما أوسخ قلبي ، ما أوسخ صدري ، ما أوسخ حبري ، ما أوسخ شعري ، ما أوسخ اسمي ، ما أوسخ هذا القزم الذي يسكنني ، ما أوسخه لقد ضيّعها وضيعني .

قبل ذلك ، كانت تقول يا خالد السيوف حولي كثر ، المعارك تكرهني ، المؤامرات حولي لا تسر ، الحروب تقتلني ، أوقف رماح أصحابك ، أدفع عني نبال عشيقاتك ، دعني أشعر بالطمأنينة والأمان ، دعني أشعر أني أحببت بشرا لن يتركني دون فضيلة أو يجعلني أخسر وزنا دون قصيدة .

ثمّ ماذا ؟ كعادتي بعد انتهاء كل شيء وصلت ممتطيا فرس الشهامة والشجاعة ، بعد أن صرعتها المعارك وهزمتها الحروب ، جئت أسأل ماذا حدث ؟ بعد أن أكلتها الرماح ولفظتها النبال جئت وفي عيني دمعة وقحة بكل صفاقةٍ وسخافةٍ نزلت وهي تسأل : كيف صرعت ؟ كيف ماتت ؟

بعد ذلك، اختفت ، رحلت ، صفعني ألم غيابها ، ركلتني أقدام فقدانها ، استيقظت متأخراً كعادتي ، فتشت بين الأرواح عن روحها ، بين القلوب عن قلبها ، بين الموتى عن قبرها ، بين الأحياء عن عطرها ، بين النهود عن نهدها ، بين الأرداف عن ردفها ، بين العيون عن رمشها ، بين السحاب عن طيفها ، بين النخيل عن تمرها ، لم أجد إلا بقايا دمى لا تستحق أن تسمى دمى وبقايا شجر لا تستحق أن تسمى شجر وبقايا بشر لا فرق بينهم وبين البقر ، لم أجد حولي بعدها ما يستحق أن يجعلني أشتهي أي لوحة وفنان أي زهرة وبستان أي قلب وإنسان أي إنسي وجان أي لؤلؤ ومرجان ، لم أجد حولي بعدها ما يستحق أن تكتبه القصص أو ترويه الجدّات للصبيان .

بعد ذلك ، وصلت متأخراً كعادتي إلى الإيمان ، نفضت عني الزور، مسحت البهتان ، أطلقت في سماوتي الحور ، ردمت الأحزان ، طردت من صدري النساء وطمرت الوديان ، ركلت من قلبي حب الدنيا وعشق الخلان ، اطفأت ظل الشمس وأحرقت الزمان .

بعد ذلك ، وصلت متأخراً كعادتي إلى المكان ، حيث حدّثتها لأول مرة وهي مختبئة خلف سمّاعة دون أن تنبس بحرف ٍ أو تنبش الكيان ، عزفت الكمان . لكنّها لم تصفق ! لم أسمع إلا موسيقى الصمت تأكل الألحان ، حينها عقرت هيامي وأغلقت المكان .

بعد ذلك ، تيقنت أنني لن أسترجعها أبداً حتى لو اغتسلت في البحر ِ المسجور وتطهرت بماء الجنان .

بعد ذلك ، أصيب جهازي التنفسي بداءٍ في الرئة ، بت أختنق ، لا أنام ، لا أكل ، لا أشرب ، لا يأكلني النسيان ، لا يعزّيني السلوان ، باتت أنفاسي تهرب من رئتي ، ونومي يهرب من عيني ، وطعامي يهرب من معدتي ، وشرابي يهرب من فمي ، باتت كل الأشياء عندي تهرب مني ، حتى أنا ، حتى أنا بت أهرب مني إلى المقابر ِ افتش عنها وموتي يتلو على تقاسيم العمر من مصاحفه :

" والسماء رفعها ووضع الميزان " فأجيب موتي : ( اغفر زلة الإنسان) فيتلو : " ألا تطغوا في الميزان " فأبكي وتبكي معي كل الأحزان نعم ، نعم ، لقد طغيت في الأوزان.

يقرأ الموت " والأرض وضعها للأنام " فاقرأ : اللعنة على شيطاني اللعنة على مارج ٍ من نار ، سامحني يا إلهي العظيم ، سامحني على هذه الآثام، سامحني لأني أكلت الأرض وخنت الأنام .

يقرأ الموت :  "فبأي آلا ربكما تكذبان"  ، فيقرأ صوتي : سبحانك آمنت بكل آلائك وهشّمت كل الأوثان ، يقرأ الموت من مصاحفه : " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " فاقرأ وأنا أبكي على عمر لم يزدان : "يعرف المجرمون بسيماهم " .

اللهم آمنت بجرمي . ثمّ ماذا ؟
اطفأت ظل الحياة ، فتحت القبر ونمت وخلفي صوت شيخة يقرأ : " ولمن خاف مقام ربه جنتان" .
أغمضت عيني رأيتها هناك، رأيتها متكئة على فرشٍ بطائنها من استبرق وجنى الجنتان دان ، فتحت عيني ورأيتني بعيداً عنها أعاني الغواش حيث لا نخل ولا رمان لا خير ولا إحسان ، حيث لا رفرف خضر ولا عبقري حسان .
رأيتني بين الشواظ أشتعل أثما ً وأنزف عمراً لكني لم أكن أتذمر أبداً من سطوة النار على جسدي من بكاء الثأر على جلدي من صراخ العار في عظمي ، لم أكن أشكو أبداً من وجعي ، لم أشكو أبداً من قبضة النيران .

قلت في نفسي : هذا جزاء من يصل متأخراً حين ينتهي كل شيء، من يخسر كل شيء ، من لم يفعل أي شيء ، من لم يكسب أي شيء ، هذا عقاب من كان يظن أنه رب النخيل ورب الفيّ ، من كان يظن أنه حين سيأتي متأخراً سيجد كل الأشياء تنتظره الميت منها والحي .

حتى الآن وأنا أنتظر إشارة السماء بأن أغلق القبر على اسمي واخبو في جسمي وأعيش موتا حان وأطوف بينها وبين حميم ٍ آن، لن أشكو فقط سأجعل ألمي يتلو أمام جنتها بكل ندمه وتوبته وإثمه : "فيؤخذ بالنواصي والأقدام ".

حينها فقط ، حينها ربما سأطلب من الرب أن لا يكافئني على صبري بقاصرات الطرف اللائي لم يطمثهن قبلي إنس ولا جان ، ربّما أيضاً لن أطلب ياقوتاً ومرجان ، لكني أكيد إن فتحت الفردوس لي بابها على  صوت الأذان  بأني سأطلب قلماً لأكتب على بابها اسمك وسأطلب فرشاة لأرسم على جدرانها شكلك ، حينها فقط ، سأقف بعذرٍ يليق بوزنك لأرتل أمامك سورة الرحمن : " فيومئذ ٍ لا يسأل عن ذنبه إنسٌ ولا جان " .

الأحد، 24 يونيو 2012

هذا مكاني .. هذا عنواني






لن أذهب إلى أي دار ٍ من دور العرض
ولن أذهب إلى السوق ولا إلى المدينة الترفيهية ..
لن أذهب إلى أي مكان ولن أسهر في أي مكان ..
وإن كان لا بد من السهر هذه الليلة يا حبيبتي ..
فإني سأنقل دور العرض والسوق والمدينة الترفيهية إلى حضنك
وأسهر معك .


سأسهر فيك هذه الليلة يا حبيبتي ..
كما اعتدت أن أسهر فيك ِ دائما
سأحمل كتبي وطاولتي وقلمي وأوراقي إلى قلبك
وسأجلس على نبضك ..
وسأكتب على دمك هذه الليلة كما اعتدت أن أكتب عليه كل ليلة
هذا مكاني .. هذا عنواني .. هنا زماني .. هنا كياني ..
الذي أنسى فيه هم العالم
الذي نساني .


أتعب أنا في غيابك يا شيخة

أتعب أنا في غيابك يا شيخة ..
كما تتعب السماء حين تفقد نجومها ..
كما تتعب السمكة حين تخسر خياشيمها ..
كما تتعب الشمس حين تهرب خيوطها ..
كما تتعب الشجرة حين تفقد طيورها.
أتعب أنا في غيابك ..
وتتعب مراكبي .. وأمواجي
وأسماكي وبحاري وأشرعتي ..
أتعب أنا لدرجة ٍ تجعلني أهشم المرفأ
وأكسّر الطوق ..
أحطّم المأوى
وأدمر الشوق .
أتعب أنا في غيابك يا شيخة..
كما تتعب النحلة حين ينزع منها رحيقها
كما تتعب دودة القز حين لا تجد خيطا ً واحدا تصنع منه حريرها ..
كما تتعب كل عصافير الله
حين لا تجد سماء واحدة تزورها ..
كما تتعب الجبال حين ترحل عنها صخورها .

كما لو أنك ميراث قديم


انظري إلى مكتبي ..

ثم انظري إلى نفسك ..
فهناك تقفين ككوب ِ الماء على يمين المكتب
وتنتشرين كما تنتشر أوراقي على شمال المكتب
وتعلبين كما تلعب أقلامي في أدراج المكتب
منتشرة أنت ِ في كل مكان
في الزوايا .. في الأدراج
في دفتر المواعيد
في أوراق التقويم
وفي علب ِ الدخان .
منتشرة أنت ِ في روشتة طبيب الأسنان
وفي قصيدة ولادة بنت المستكفي
وفي خواطر فولتير
وفي محراب ِ مالك بن سنان
منتشرة أنت ِ
في أوجه الحبيبات اللائي يحببن شعري
وفي مداد المطابع التي تكتب عني
منتشرة أنت في أطباق طعامي
ومنامي
وأرضي وسمائي
منتشرة أنت في مكتبتي
كما لو أنك ميراث قديم أو أنك
أمهات الكتب .
...

منتشرة أنت في ستائر المسرح
وفي كاميرا المخرج وفي تصفيق الجماهير
منتشرة أنت ِ في الحدائق
والأشجار والعصافير
منتشرة أنت في صوت مأمورة الشرطة
وفي وجه عميدة الكلية
وفي أنامل أستاذة الفلسفة
منتشرة أنت ِ في صوت فيروز
وفي رقة أسمهان ..
وفي منديل أم كلثوم
...
"شيخة " قولي لي كيف سأحبك بنظام
وأنت الـ فوضى ..
وكيف سأحبك بتركيز ٍ
وأنت الـ شتات ..
قولي لي ..
كيف سأسحبك من كل هذا التبعثر
وأنت مبعثرة في كنائسي كمريم المجدلية
ومنقوشة ٌ في مساجدي كأحرف كوفية

الحب ليس حلقة مكسيكية

الحب  ليس حلقة مكسيكية

يبدأ حين تبدأ الحلقة الأولى ..
وينتهي حين تنتهي الحلقة الأخيرة

..

الحب هو ذلك الانتساب إليها
ولأسمائها وصفاتها ..
هو ذلك الإله العظيم الذي جلال وجهه
ليس له شريك ٌ سواها .


..

الحب  ليس تلك البطلة المستديرة
عن حبيبها
وليس ذلك البطل المستأثر بنفسه
عن دينها
الحب ُ هو قلبها ذلك الجواد السخي ّ
الذي يغفر الذنوب ْ ويعفو عن المسيء
ويتجاوز عن الخطايا
..
الحب هو قلبي ذلك العزيز الأبي
الذي خضعت له الرقاب ْ وركعت له الهضاب ْ
وسجدت له النوايا .
..



الحب ُ هو ذلك الإله الكريم
الذي حين حط في قلوبنا
باركنا بماء الورد
وغسلنا بالسماء السابعة

السبت، 23 يونيو 2012

بكلماتي وبريشاتي وبشعري



سيعلم تاريخ النساء بعدك أن تاريخه لم يُكتب ولم يُرسم ولم يُقال إلا بكلماتي وبريشاتي وبشعري سيعلم تاريخ الحوريات بعدك أن لا حورية إنسية سكنت على الأرض وحولتها إلى حديقة ٍ من سُكر ٍ وسعادة ٍ ولذة ٍ ومتعة ٍ غيرُك .

سيعلم الرجال من بعدي أن لا رجل غازل شيخته ولا رجل قال في شيخته ولا رجل رسم شيخته كما غازلتُك ِ وكما قُلتُك ِ وكما رسمتُك .

سيعلم الرجال من بعدي أن عليهم أن يتعلموا لغة أخرى في الرجولة ليستطيعوا أن يحركوا أنوثة امرأة ، وستعلم النساء من بعدك أن عليهن أن يتعلمن لغة ً أخرى في الأنوثة ليستطعن أن يحركن رجولة رجل .

سيعلم كل تاريخ العشق بعدنا أن عليه أن يُعيد حساباته وأن يُراجع كرّاساته ، سيعلم كل تاريخ العشق بعدنا أن عليه أن يخترع من جديد ٍ معادلات  أخرى للحب وأطروحات  أخرى للحب حتى يستطيع أن يثبت نفسه.

للمستشفياتِ أن تَغضب مني



كشّر الألم عن قباحته ، وأظهر الإعياء أضراس أذاه ، وكل شيء ٍ يحمل ناباً ومخلباً من موت ٍ أتى ، قد ترك كُلَّ قلوبِ " الأمّة " ليستقر في قلب ٍ حمُولته سبع سماواتٍ من خيرٍ وسبع أراضٍ من عشب ٍ أخضرْ .

عن أي قلب ٍ تتحدثون ، عن قلوب ٍ لا أخال أنها استطاعت أن تمُزّق هذا الجدار العازل بين أن يموتَ العالم وبين أن يعيشْ ، لكنيّ أتحدث عن قلب ٍ حين يَسعل تُصبح الكرة الأرضية خارج المجرّة ، وعن قلب ٍ حين يَكُح يُصاب العالم بدوارْ .

عن أي حب ٍ تكتبون ، عن حب ٍ لا أخال أنه استطاع أن يغلق كل هذه الأطنان من القنابل التي تحبل بها الأرض لتموت ، لكني أتحدث عن حب ٍ أغلق باصبعه الكرة الأرضية كلها بوجه ظفره وهزم هذه القنابل كلها بوجهِ سلّمةٍ واحدةٍ من سلالم ِ إبهامه .

عن أي أمراض القلوب تكتبون ، عن مرض ٍ لا يكفي حتى لـ غسل العار الذي أنتم فيه ، ولا يكفي أن يكون سكينا تقطع أمراض قلب الأمة المزمنة ، لكنّي أتكلم عن مرض ٍ " ربّاني " لو حطّ في جسدِ كُلَّ الحكوماتِ العربية لأصبحت " راهبة " ولو حطّ حمله في سابع " إبليس " لأصبح ابن سينا ، أتحدث عن مرض ٍ صحي وعذري لهذه الصحة المسجّلة في سجلاتكم الطبيّة الكاذبة ، أتحدث عن مرضِ جنة ٍ أدخلتكم كل بساتينها وأعطتكم كل كوثرها وكل خمرها وكل مائها ورددتم إليها العطاء باسم " صحة يهوذا " ، أتحدث عن مرض ٍ أصاب قلب حبيبتي وجسد حبيبتي وروح حبيبتي فعضّت كل المستشفيات الأرضية على شفتيها ومزّقت كل البيانات الصحية أوصالها.

للمستشفياتِ أن تَغضب مني ، للعالمِ كُلّه أن يَلعنَ ظفري ، للدنيا كُلَّها أن تَشتُمَ باطن كفّي ، للشياطينِ كُلَّهم أن يستغفروا ظاهر وجهي ، للملائكة ِكلهم أن يشتموا طهر ظهري ، للناس ِكُلَّها أنَّ تكرهني وتكره قولي وفعلي ، لكن ليسَ للسماءِ نفسها أن تَسحب مني هذا " الدم المريضُ الجنّةْ " وَتمنحني تأشيرة " تمرّغْ " في قلوبٍ تُقاس صحتها بمقدارِ درجتها من الجحيمْ .

شيخة القلب علّقي الأسماء أين تريدينْ ، وعلّقي العالم أينَ ما شئت ِ ، علّقي كل شيء ٍ لا ينتخبك " كُونتيسة القلوبْ " مثلي على شمّاعاتِ – المقاطعة _ وأمّا إعياء القلبْ فَدعيه فإني أريد أنَّ أرّكُلَ " حفّاظته " بقدم ٍ واحدة ٍ مِنْ قدم ِ العشق إلى أقرب " حضانة " .

شيخة القلب .. سآتيك ولو على شقِ " جمرة ٍ" لأغلق هذه – الحنفيّة _ من السمومِ التي فتحها الناطقون بلغة الغراب – في قلبك .

وسآتيك ولو كُنتُ إغماء ً – إذ لا يَصِح إلا الصحيحْ _ لأستعيد من عودة صحوك " صحوي " الذي سيختم كُلَّ هذه الوعثاء بالشمعِ الأحمر .

شيخة القلب .. هذا قلبي يسوق أسفه " الصحي " فأمرضيهِ إنَّ شئت ِ أو خلّي سَبيله للصحةِ لأقهر العالمين باسم رضاك .

كانون الثاني .. جسدك أيلول .. وروحك أنا

كانون الثاني فلنكن حذرين ..ففي ليالي الشتاء الباردة تصبح العيون مثلّجة .. وتصبح المشاعر مثلّجة ..ويصبح الدفء مثلّجا ..فلنتسلح بكل ما يحمي قلوبنا من التجمد .. فلنتسلح ..ولنكن حذرين .. لئلا .. يجيء علينا مع البرد ِ صقيعا فوضويا ً لئلا يأتي إلينا مع الشتاء عدوا سرمديا ً لئلا تعتقد تلك الشهية أنني بدون حرارتها سأصبح دفئا ًبربريا ً .

كانون الثاني .. فلنكن حذرين ..ولنزرع على السقف ما يكفي من الياسمين ..ولنزرع عليه ما يكفي من الرياحين ..ففي الغد ستتجمد الأشياء كلها .. وفي الغد ِ ستتعرى الأشياء كلها ..الكل سيتعرى الكل سيبقى بلا ملابس داخلية ..الكل .. لن يشفى أحد من التعري .. سوانا .



كانون الثاني .. وجهك فم ٌ يقبّل فمي ..وأيلولي رجل ٌ يتزوج فتاتك ..وكأسي خمر ٌ يُسكر شفاهك ..وشفاهك خمر ٌ تسكر شفاهي ..كانون الثاني ..أن أكون صليبا ً .. فلأنك الكنيسة ..وأن أكون المسيح فلأنك مريم ..وأن أكون قزح فلأنك السماء ..

كانون الثاني ..لو تترك لي ما نزل من قلبك من إناث ٍ لو تترك لي أنثى واحدة تبكي كعادتها حين تراني ..وتضحك كعادتها حين تعاني ..لو تترك لي ما نزل من عينيك من سماوات ٍ بنّية ..لو تترك لي ما خلق من حاجبيك من طيور ٍ فضّية ..لقايضتك بكل إناثي وبكل سمائي وبكل عطائي وكنّتك .

كانون الثاني .. جسدك أيلول وروحك أنا .. وجسدي أنت وروحي كانونك ..


قسما لم أعد أعرف 2




قل لي برب هذا الحب الذي يجعلني أحبك لآخر حدود الكره وأن أكرهك لآخر حدود الحب ، قل لي كيف من شدة ِ شوقي أشتاق إليك غيظا يجعلني أريد أن أمزق شرياني وأمزق أهدابي وأمزق أفلاكي ما لم تحط حضرتك عليها ، قل لي بربك كيف من شدة ِ خيالي فيك أتمنى أن ينتهي العالم عندما تظهر وكيف أتمنى أن تتحول الدنيا إلى حذاء أخضر ٍ يغطي أقدامك عندما تمشي وكيف أريد أن تسقط السماء فقط لأني رأيتك هناك .



قل لي برب كل الأشياء التي لا أفهمها ولا تفهمني ، وبرب كل الأشياء التي لا تفهمك ولا تفهمها كيف أصبحنا هكذا خارج حدود المعقول خارج حدود اللا معقول خارج حدود هذه الجثة الطينية خارج حدود الميتافيزيقيا خارج حدود العلم ومنظار هوبل .؟!!



قل لي برب هذه المرآة التي كلما نظرت إلى نفسي فيها وجدتك تحتل تقاسيمي وتحتل ملامحي وتسرق عيني عينك ويسرق خدك خدي ويسرق وجهي وجهك أينا أنا وأينا أنت ، قل لي برب هذا التلفاز الذي مذيعه أنت وممثله أنت ومسلسله أنت ونشرة أخباره أنت كيف بت تحط في ماهية الأشياء وتختزلها .؟!!



قل لي برب هذه الحقيبة التي كلما وضعت يدي فيها عثرت عليك وكلما بحثت عن ماكياجي فيها عثرت عليك وكلما بحثت عن مشطي فيها عثرت عليك وكلما بحثت عن أحمر شفاهي عثرت عليك وكلما بحثت عن أوراقي النقدية عثرت عليك وكلما بحثت عن محارمي الورقية عثرت عليك ، قل لي بربك كيف بت تسكن حتى هذه الحقيبة يا أنت كيف ؟!!



قل لي بربك كيف بت تدخل وأنت في بعدك ذاك إلى غرفة ملابسي كيف بت تختار لي ما ألبس كيف بت تنتقي لي الألوان كيف بت تراني وأنا أغيّر فساتيني كيف بت تراني وأنا أخرج في أزهى صوري إليك ، قل لي بربك أي سحر هذا الذي تحمله الذي يستطيع أن يتخطى كل حواجز الدنيا وأسرارها ويكشفني ؟.!!


قل لي بربك كيف بت تجلس معنا على طاولة الطعام ، كيف بت تجلس بجنب أبي ولا يراك وبجانب أخي ولا يراك ، كيف بت تجلس بجانب عائلتي كلها في غرفة المعيشة ولا تراك ، كيف بت مخفيا عن الكل إلا عن عيني وكيف بت واضحا للكل إلا عن عيني ، قل لي بربك ؟؟!!


قل لي بربك حتى وأنا أكتب هذه الورقة قل لي ألست معي الآن ألست تشاركني الكتابة أليست يداك من تكتب مع يدي أليس حبرك ممزوج مع حبري أليس قلمك مزروع في قلمي أليست لغتك محشورة في لغتي أليس كل إحساس فيك مسكون بأحاسيسي ، قل لي بربك ألست أنت من تكتب كل هذا الشعور الآن عني ..؟ قل لي ؟


قل لي بربك ألست بحاجة ٍ لعملية ٍ لأوسع شرياني لأقدر أن أضخك بشكل ٍ اكبر ، ألست بحاجة إلى عملية زرع قلب آخر لأستطيع أن أحبك أكثر ، ألست بحاجة ٍ إلى توسيع أوعيتي الدموية لأستطيع أن أستوعبك أكثر ، قل لي بربك ما هي الأشياء والعمليات التي لم أكن بحاجة ٍ إليها قد فعلتها ،، قل لي بربك ؟!!

قل لي بربك ألست لي وحدي ، ألست لك وحدك ، أليس هذا الكون كله لنا وحدنا أليست هذه الطبيعة لنا ، أليس هذا القمر يطلع من أجلنا أليست الشمس تشرق من أجلنا ، قل لي لأني لا أؤمن أن هذه الأشياء تفعل عكس ذلك أبدا فأنا يا ساكن روحي وقلبي لا أؤمن منذ عرفتك لا بمبادئ ولا بقيم ولا بنظريات ولا بفلسفات مالم يصدقها حبك .؟!



قسما ً لم أعد أعرف




لم أعد أشعر أني بداخل عقلي بداخل قلبي بداخل أوعيتي الدموية وأنت ِ لست ِ معي ، لم أعد أشعر أني موجود وأني هنا وأني أضحك وأني أكتب وأني أرسم وأني أثرثر كعادتي في كل حوار ٍ ما لم أحس أن أصابعك تتحسس على شفتي وما لم أشعر أن شعورك ينساب من على جبهتي وعيني وفمي وكتفي وكلي ، لم أعد أشعر يا حبيبتي التي تحتل كل أوجه الناس وكل أجسامهم وكل أياديهم وأرجلهم وعيونهم وحركاتهم وسكناتهم بأي أناس ٍ يقاسمونا الحياة على هذه الأرض ، لم أعد أشعر إلا أن الأرض أنت ِ والناس أنت ِ والخطوات أنت ِ والتربة والماء والهواء والنار أنت ِ .



لم أعد أشعر بصوت التلفاز الذي كان ولا صوت الإذاعة ولم أعد أشعر ولا آبه بالصور المعلقة على الحيطان ، لم أعد أشعر إلا بصوتك وبإذاعات ضحكك وبصورك التي تخرج على ّ من كل الحيطان ، بت أراك تتخلقين في كل الأشياء وتلبسين كل الأشياء وتصبحين كل الأشياء ، بت أراك ِ السقف والأرضية وأراك الممشى والعليّة وأراك الصورة والميدالية ، وأراك الشمعدان وأراك ِ الثياب وأراك الباب وأراك المفتاح الذي يفتحني على كل الأشياء ويغلقني عن كل الأشياء .



صدّقيني لم أعد أشعر أينا أنا وأينا أنت ِ ، لم أعد أشعر بعد أن اختلطنا كثيرا وامتزجنا كثيرا وبعد أن دخل كل واحد منا في الآخر كثيرا أي الوجهين وجهي وأي الروحين روحي وأي القلبين قلبي لم أعد أشعر بأي فرق بين أن تضحكي أنت ِ أو أضحك أنا أو تمرضي أنت ِ أو أمرض أنا أو تركضي أنت ِ أو أركض أنا ، لم أعد أشعر حتى حين تزورنا المواقف المكهربة أينا تكهرب وأينا انتفض وأينا تأوه وأينا طبطب على كتف ِ الآخر وأينا حضن الآخر وأينا بلع الآخر .



حتى هذه الورقة لم أعد متيقنا من منّا بات يكتبها وأصابع من وأحرف من وروح من وأفكار من وأحاسيس من وعواصف من وخيال من لم أعد اشعر بعد أن قاسمتني الأصابع والحروف والروح والأفكار والأحاسيس والعواصف والخيال أصبع من الذي يمسك القلم وأصبع من الذي يقلب الورقة .



لم أعد أشعر بأن التفكير يكفي بأن أفكر فيك ِ ولم أعد أشعر أن حجم هذا القلب الذي يحبك بات يرضيني ويرضيك ِِ ، لم تعد حتى اللغة تكفي حتى القاموس حتى المفردات حتى البحر وزبده والليل وآخره والنهار وآخره لم يعد يكفي فكل شيء يجمعنا مبتكر وكل شيء ٍ فينا مبدع وكل شيء نقوله خلّاق وكل شيء ٍ يفكر فينا فيلسوف وكل شيء ٍ يعمل فينا عالم ، لم أعد أشعر حقا ً أن الأحياء والكيمياء والفيزياء ونظريات المنطق والفلسفة تكفي بأن تحمل ولو جزء بسيطا من هذا العالم الذي أسمه " نحن " .


قسما لم يعد شيئا يكفي ... قسما ً ، حتى هذا الواقع الذي يقسم عقله على فراقنا لم يعد يكفي لفراقنا حتى هذا القلب الذي يقسم قلبه على لقائنا لم يعد يكفي للقائنا حتى القلق لم يعد كافينا لنقلق حتى الطمأنينة لم تعد تكفي لنطمئن ، باتت فينا أشياء لا تقبل القسمة ولا الطرح ولا الجمع ولا الأضداد ولا المساواة ، باتت فينا أشياء أكبر من الأشياء وأحياء أكبر من الأحياء وموت أكبر من الموت وخلود أكبر من الخلود .


قسما ً لم يعد قمري الذي يدور حول أفلاكك قمرا ، ولم تعد شمسك التي تدور حول أفلاكي شمسا ً ، لم يعد ليلنا ليل ولا نهارنا نهار ، لم يعد المعقول معقولا ولا المجنون مجنونا ، لم تعد الأشياء تحافظ على كينونتها ، ولم تعد الكينونة تعرف ماهية الأشياء ، باتت فينا أشياء تتجاوز الحقائق وتتجاوز الطلاسم وتتجاوز التجاوز نفسه والتفسير وتسكننا .!


قسما ً أن كل ذي عين ٍ تقرأ لا تستطيع أن تحمل ما تقرأ وأن كل ذي عقل ٍ يفكر لم يعد يرفع ما يقرأ وأن كل ذي قلب ٍ ينبض لم يعد ينبض بما يقرأ ، وحدنا نحن وحدنا الذين نظرنا و الذين رفعنا و الذين حملنا و الذين نبضنا ووحدنا نحن الذين حاربنا وتحاربنا .


قسما ً أني لو أهديتك القلب أخاف أن أهديك قلبك ولو أهديتك الروح أخشى أن أهديك روحك ، بت لا أعرف أي القلبين قلبي وأي الروحين روحي ، بت فعلا لا أعرف هل أنت من تعزف الآن أم أنا ، هل أنت من تهذي الآن أم أنا ، هل أنت من تملك كل هذه الحمى الآن أم أنا ؟!! قسما ً لم أعد أعرف ! .

شيخة تقرأ أمامي سورة يوسف




هأنذا والمحكمون يصفقون ملء أيديهم وانتصار الشعراء غراب يحاول أن يواري سوءة مدينة خانتها الأوزان ونخرتها القوافي ، هأنذا والمدينة يتقوض كل إدراكها البطيء ويتنافر ويحاول أن يحصل ولو على سفينة ٍ واحدة للفهم ولا يقدر .

هأنذا وأتحدى حتى هذا الخالد العلوي أن أستطاع أن يأتي مثلي / مثلك ِ مثل لغتي ويتجلى مثلي / مثلك ِ مثل قاعدة أزلية زعموا أن نصفها الموجب تغلّب على نصفها السالب هأنذا أغير كل فكر الدهيماء وأزرع في النسخ الاحتياطية من الفضيلة ألف بوق من أبواق الحسنة والأصالة والحق .

هأنذا وفمي / فمك ِ يمضي فترة سجنه دون أن يتظاهر بالنعاس وعقلي / عقلك ِ يمضي فترة حريته دون أن ترهقه ذاكرتي المكتظة بعوالم ٍ ليست موجودة إلا بقوافل الورق المقوى ، هأنذا ويختلف عني / عنك ِ مني / منك ِ واختلف مني عني / عنك ِ مني ولا أكون أنا إلا في الوقت الذي أدور فيه حولك صارخا الحمد لله الذي منحني عقولا قادرة على هزيمة كل الكائنات الخرافية من الأذى بفضلك ِ .


هأنذا لا أضع يدي على أيديهم ولا أطلب أن تنتج أصابعهم أصابعي أي أديب وشاعر ولا أضع قدمي على رؤوسهم لأزعم أني سلطان كل المفردات التي لم تخرج بعد من رحم اللغة لكني أجيء مثلك ِ كهذا الإنسان القديم الذي يسكنني أقود محور التعديلات الخرقاء نحو جادة الاستزراع الطيب هأنذا مجرد طينة تحاول أن لا تكون امرأ سوء وتحاول أن يكون قلبها عصيا عن البغاء بحمدك ِ.

هأنذا والـ ذاكرة .. في محيط صالتي تحدثني عن المستقبل تحذرني (أخشى عليك أن تفيق على يوم ٍ من أشباح الدوران حول الكوخ والركض حول النطيحة ) هأنذا وأصحاب الإفك يربضون في أبيات قصدي و يحاربون طول قصدي ويعترضون على حسن قصدي وأيم الله أن قصدي أقيمت عليه أحكاما مؤبدة وأحكاما موصدة السنوات إلا أني (وهيت لك ) تعرف والمعارك التي جاءت بعيد قد قميص عثمان تعرف أني لا أحمل إزميلا معوج ولا أحمل طريقةً أدعى للقدم ِ منها إلى الحداثة إذ كل ما أفعله أني لا أوقفك ِ يا عقلي عن مداولة التحقيق ولا اكترث بمبدأ ( حرقوه وانصروا آلهتكم ) من أجل خصر سيدتهم أو نيافة صاحبهم لأني نبي قلبك .

هأنذا والقانون الدولي يناقض قانوني وأحكامي الدنيا تلغي أحكامي العليا وتعليقي الصغير يفوق تعليقي الكبير هأنذا و أعرف أنها بعد شهرين من صدور قانون الإعاقة الذهني والقلبي ستكون جادة في محاولة شطب اسمي كعضو زار منتداها القلبي ذات ليلة ٍ من ليالي كانون الثاني وستجيء مثل هذا الفراق الذي بكل بساطة يمد يداه ويضغط على زر " خروج المستخدم " .


هأنذا وعمري كله لم يصادر أحقية من صادر أحقيتي ولم يصادر حق من لم يجيء مثلي بنسبة ٍ من نسب ِ الصدمات العقلية هأنذا وأصابعي الأرض تأتي بكل شهودها لتثبت أني كالوشائج الأدبية الرفيعة إلا أن أصابع مآسيهم تجعل من روحي لصة فقط لأنها حاولت أن تسرق حريتها من عريشة انحراف الطباع وخلل الطوية .


هأنذا ومريم الصغيرة هناك تمزح مع خالتها قائلة هل بالإمكان إعادة إشراكه في حياتنا من جديد وتجيب الخالة كلا يا ابنة أختي فقد مات منذ أن قرر أن يعمل ككاتب ٍ قدير ٍ للعامة وأن يسلم نفسه للخاصةِ التي سلّمها جسده قبل أن يسترد روحه من أسر روحي الجادة ، معلنة للصغيرة سيظل ملعونا ومحبوسا بين مزابل الوطن الحرام .


هأنذا والحزازيات تدخل سريعا وتحاول إلقاء وعثائها على لغتي وجنس الفيوناريا يموت من وطأة مفردتي والفصوص تحاول أن تلتصق بمقدمتي وتفشل وشيخة هناك تسكب على الأبواغ خارج كبدي وأبقى لوحدي أعاني ما تبقى لدي في طور التكوين .

هأنذا وماشطة زوجة فرعون تعلم أن حزقيل آمن لأنه مثلي يقدر الخاصية الاستشعارية ويتبعها ويترك عاريات البذور ويركلها ويتخلق مثلي بصورة ٍ متفردة ٍ للحشمة والماس والجرافيت والتكافؤ .

هأنذا أزرع الإضافات صورا ً منقطعة النظير عن أمير ٍ زار اللغة ذات قافلة ٍ ذاهبة ٍ لمكّة وأخذ منها كل ما تخصّر بين أترابها من دهشة ٍ وصفاء ٍ وطمأنينة .

هأنذا أردد كما كنت أردد دائما حاشا لله أن أتساهل في الكفر ِ وفي الغباء ِ والأغلاط التي لا تحترم البشرية هأنذا والتركيبة السحرية لهاروت أنزع من عليها باروكتها وألبسها باروكة المنطق والمعرفة لـ قفا نأتي ولـ قفا أحكي بل أكثر من ذلك فإني أعلّمها أن أعظم باروكة لبستها امرأة العزيز لتراود فتاها عن نفسه لم تكن أكثر من سفر ٍ في صدر ٍ لفته مفاهيم العجائز .

هأنذا وإلقاء السلام الموارب بالخديعة لم يفلح في أن يداعب صفيتي كما داعب أبو نواس صفيته خالصة هأنذا والذاكرة الكثيرة الأقرب للذهن لا تضيع مني كما ضاع عقد ٌ على خالصة .

هأنذا لا أخرج عني إلا مضطرا ولا أرجع لي إلا مضطرا حتى أرى الـ حبيبة هناك على الشط الآخر من الروح ترمي في ضفاف اليراع قليلا من الإلكترونات لتغيّر فهم لغتي عن الكهربية ولتزود مفردتي بالأبدية ، هأنذا فوق قماقم الجهل أبدو عاليا كصرح ٍ بناه هامان لفرعون إلا أن صرحي لم تصعد عليه إلا ظواهر المعرفة واستقراء الحقيقة .

هأنذا والكائن العملاق الخرافي يظل يتعلم مني حتى يسبقني في صعود الجبل وكتفي وكاهلي البطيء السير يسأل الكائن إلى أين ؟ فيصرخ : إلى أن أتحول إلى هواء ويفر مني الجميع حتى أولئك .. الصغار لأستلهم الحقيقة ولو على رأس ٍ لنصراني .

هأنذا أسال الـ حبيبة إلى متى ستظلين تجتمعين مع عوانس الفراق وتتأوهين بوحدانية حبي وأنت ِ حبيسة المشاهد أبدا لم تفكري أن تكتبي على كفي الربيع وأبدا لم تنبشي صدري هذا الكون الغفور الخطايا لتأخذي منه صكا من صكوك مقامك ِ النبيل في قلبي .؟

هأنذا وليخسأ أصحاب الأخدود ولتتضرج أعينهم بالدماء ولتمتلئ أرواحهم بالسرخس إن اعتقدوا أني أجيء كرهق ِ الليل والغداة وأني أجيء كالانحناء فو الله أني حين اجتمع الحشد حول لبيد الساحر ما مددت يدي إلى سحره وأنا بعضي كبعض غيري لكني كنت غير غيري حين خالفت نعيقه وأعلنت أني لست بدعا ً بين هوادج الخلق لكني صانع حاذق وسحري لا ينقلب على ظهراني حرفي وسلوا العابرين كل العابرين فهم يعرفون أن مشكاة الحقيقة حين جاءت من ناصية السماء جاءت مثلي وقلبها الصبر وشيمتها التوكل وشيطانها السبخات وأفول الحقيقة .

هأنذا وشيخة تقرأ أمامي سورة يوسف ( وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا .. ) وتقرأ ويكتب ألمي على الأرض لعمر الله كنا على موعد ٍ مع الشيطان لولا أن رأى يوسف النبي برهان ربه ولولا أن هيئة الفطرة تزاحمت لكنا الآن لا ننشد سوى بانت سعاد ولا نحمل سوى رؤوس الحربة .

أعيش كفستانٍ معروض في واجهة

منذ مدة أعيش كفستانٍ معروض في واجهة ، ليس لي أكمام ليس لي أزرار، عاري الظهر منزوع الأحلام ، منذ مدّة وأنا لا عمل لدي إلا مراقبة الحياة ، والحياة أيضا لا عمل لديها إلا أن تراقبني من خلال نفس الواجهة .

متى تتكسر الواجهة ؟ متى نواجه بعضنا البعض ، متى نفترق ؟

لا زلت انتظر الإجابة .

منذ مدّة وأنا أرى الزحام يموت على الرصيف والوحدة تسقط مع أوراق الخريف، منذ مدّة وأنا لا آكل إلا الزجاج ولا أشتهي إلا الكسر .

منذ مدّة وأنا أقف في مكاني هذا كالنخيل دون أن يسقط مني تمر ، منذ مدّة وأنا أعلّق على أبواب الليل دمعي وعلى آمال الشمس همّي دون أن يسكن صدري عمر ، منذ مدّة وأنا أنوح كالقصائد ِ الثكلى وكأزهار الدفلى على شيخة ٍ تركتها تغفو في حدائق الموت وذهبت ألهو عنها مع عالم ٍ غريب الطبع .

منذ مدّة وأنا أكتب قطعتي الأخيرة وأكل وجبتي الأخيرة وألبس بدلتي الأخيرة دون أن تأتي تلك الأخيرة من هدوء ِ الموت لتأخذني معها إلى عالم ٍ أكثر اشتعالا وألقا من حياة الضوء وقطرات العرق .

منذ مدّة وأنا أعزف مقطوعتي الأخيرة وأغني ألحاني الأخيرة ، منذ مدّة وأصابعي تعمل عمل قائد الأوركسترا حين يلوّح باصابعه منهيا حديث الموسيقى ، لكن الموسيقى لا تتوقف والألحان لا تتأفف والقائد لا يتأسف .

ماتت منذ أعوام

شيخة ماتت منذ أعوام


لكنها لم تمت في أوراق التقويم


وفي أمواج الشعر ِ وأزهار الكلام


شيخة سقطت منذ أعوام


لكنها لم تسقط من كتب التاريخ


ومن دفاتر الشوق ..


ومن أوراق الأيام.


شيخة امرأة عاشت قبل أن يولد العالم


وماتت قبل أن نعرف الأوهام


شيخة امرأة ليس لها تقويم


ليس لها ساعات


ليس لها أيام


شيخة امرأة أحبّتني وأنا إلحادٌ


وعشقتني وأنا إسلام ْ


أيها الدرويش شيخة رحلت

توطئة : أنا درويش خان الجنة ، أنا ريش انقلب على بياض الجناح .

أيها الدرويش ..خسرت أصابعك النرد ، ليس لديك الحق بعد الآن في أن ترميه أو تخفيه ، المقامرة انتهت ، سعرك لن يرتفع بعد الموت ، شعرك لن يسبق نبرات الصوت ، لم يعد النصر ينام بين ذراعك أو يستقيظ الصبح من يراعك ، المغامرة انتهت.

أيها الريش .. لن ترعاك الريح بعد اليوم ، لن تحميك من الأعلى لن ترحمك في الأسفل ، لن يملك بساطك السحري القدرة على تجاوز العواصف أو خداع الريح بحوريات العواطف ، لن تتمكن من التصالح مع غضب الطبيعة بعد أن تعلّمت الميتافزيقيا أسرار اللعبة .

أيها التعيس.. لن تنفعك الطبقية لن تنقذك الدونية ، هل رأيت صورتك في المرآة مؤخرا ، وجهك أصبح كدود الكلأ وكالدور التي باعتها المدينة للصدأ ، ماتت تقاسيمك ، انتهت مراسيمك ، أصبحت مياه غير صالحة للشرب وقصائد غير صالحة للحب ومشاعر غير صالحة للقلب .

أيها الدرويش ،، احترق القصيد واشتعل النبأ ، حكمة سليمان أكلت بلقيس وأكلت سبأ ، جاء دورك فاستعد لأن تكون عجلا له خوار يعبده الضياع ويصلّيه القذى .

أيها الدرويش، شيخة رحلت ، مثل البلاد المهاجرة مثل الجبال المسافرة مثل الشمس المغادرة تركتك حيث يجب أن تكون مع عجائز الليل وأقمار الظلام بين ركائز الضياع وأقزام الكلام .

أيها الدرويش ، علام تبكي ؟ ألست من قال لها سأطعمك الحب حتى لو غرقت الأرض في البحر حتى لو انطفأت القصائد في الصدر واشتعلت تحت الصخر ؟

علام تبكي إن كنت أنت من أغرقت الأرض وطمرت البحر ! إن كنت أنت من حطّم القصائد وفتت الصخر ! علام تبكي وعلام تبتاع أدعية تطلب من الرب فيها أن يردها عليك وأنت الذي جعلتها تموت دون أن تهتز فيك رقبة ؟!

أيها الدرويش ، ستظل ملعونا في كل زمان ٍ وكل مكان ، كل الذين سيمرون عليك سيلعنون صدرك وسيشتمون اسمك ستظل معلقا على باب مدينتها دون أن تسامحك المفاتيح أو تصفح عنك الشوارع أو ترحمك المنازل أو تنقذك الشموع .

أيها الدرويش ، ادفن اسمك ، خسرت أرواحك النرد ، لست كاتبا أنت كاذب لست عاشقا أنت فاسق لست جسدا يستحق أن ينام قرير عين بعد أن تركتها ساهرة في الموت وعشت بعيدا عنها .

أصيب قلمي بسرطان الدم


سبق الصدى صوتي ، سبق البحر حوتي ، سبق القبر موتي ، اختلط دمعي بشوقي وقبحي بذوقي ، لم أعد أعرف الآن حقاً متى صعدتك "بيني" وأين حطّمتك تحتي وكيف وجدتك فوقي ؟

أصيب قلمي بسرطان الدم ، وأصيب حبري بداء ٍ في الرئة ، أصبحت من بعدك مرضاً يبحث في حقائب الأطباء عن حقنة سم يدسها في عقله ليموت ويدسها في قلبه ليصبح صدأ.

أصبحت من بعدك أتهم بالشر ، بات خيري يتعرض للجلد ِ في الساحات العامة دون أن يعترض أحد من صحبي أو تبكي بعض المعرفة على كتفي ، أصبحت متهما بتخريب تدمر وباغتصاب زنوبيا وبتدمير عرش بلقيس وبسرقة سبأ.

وحدك تعلمين يا جرحي الغائر في روحي أنني بريء من تهمة الغرق في اللذات ومن صفة هتك عرض المفردات ، وحدك تعلمين أنني لغة لا تخون الخبر لا تخون المبتدأ لا تلعن بياض الثلج لا تشتم نار الجوى .

وحدك تعلمين أن حكمتي تشبه لحية سليمان الحكيم ، أن خيري يشبه عصا موسى ، أن خبرتي تشبه ناقة صالح قبل أن تموت ، وحدك تعلمين يا نبية الثلج أن الشر يموت حين يقرب داري ، أن الجريمة تذوب حين تقرب ناري ، أن الحماقة تتوب حين تقرب مائي .

وحدك تعلمين يا نبيّة الموت أن هذه الحياة لا تعنيني ، أن الأضواء لا تغريني ، أن الأمطار لا ترويني ، أن الأقطار لا ترضيني ، وحدك تعلمين أنني أعشق النوم تحت الفقر كالدروايش وأهوى العوم في الصحراء كحافر الجمل .

أفضى بي فراقك إلى بوابات التآكل ، القبائل تموت خلف خيامي ، الجياد تذوب أمام صهيلي ، المعارك تسقط تحت عويلي ، لم تبق عندي رماح ولا نبال أدافع بها عن الصحراء تحت ثيابي ، لا شيء ، منذ أن تركتك للمرض وركبت غبائي لأبحث عن صحةٍ جديدة أصبحت مرضا لا يشفى .

آه يا وجعي ، بالأمس سألني صديقي اللبناني "محمد" لماذا لا أراك سعيدا ؟

فأجبته : لم تجف "شيخة" في قلبي ، لم تستقيل من روحي ، لم ترحل عن شاشات رؤيتي وبوحي ، لا زالت تقتحم مدائن عيني كأنها رستم وتنام في وسط قلبي كأنها "النبض" ، لا زالت تهدمني وتبنيني ، تقتلني وتحييني ، لا زالت سيدة الطين الذي يحتويني ، لا زلت أبحث عن ترابها الذي ضيّعته حوافر غبائي لكني لا أجدها إلا في يقين الوهم الذي عبدها كأنها بوذا وآمن بها كأنها المختار دون أن يراها ويسمعها .

كيف أفرح يا صديق وبي جرح عالق ، ودم نازف ، وشوق جارف كهذا الموج الهائج في صدري ، كيف أفرح وأنا لا أعلم إن كانت تقف مثلي على التراب أم ذهبت عني إلى حرّاس المقابر لتشتري لها جنة في السماء بعد أن تركتني أعاني على الأرض عار الطين وألم التراب.

كيف أفرح وأنا لم أمنحها من الحب الذي أدّعيه وأرسمه وأكتبه غير حب أعرج تلعنه القصائد وترفضه الرمال ؟ كيف أفرح إذا كان صوت الجرح يملئ أذني وصرخات ألمها تدمي قلبي ، كيف أفرح إن كنت لا أعلم هل ماتت وهي تصلّي على راحتي أم ماتت بعد أن كفرت برائحة الحب وبكلاب قافلتي .

كيف أفرح وأنا لا أعلم عنها ما يرتق ألمي ، كيف أفرح إن كنت لا أعلم إن ماتت وهي تشير باصابعها نحو اسمي أم ماتت وأصابع السرطان تشرب دمها الذي أحبني رغم أنف القبيلة .

الاثنين، 18 يونيو 2012

حيث الزهور على الكواكب والأغنام على الشجر




في وادي السحاب تلاقينا ، هناك حيث أبصرتك يا روحي لأول مرة ، طلبت مني أن أذهب في رحلةٍ إلى عالم الروح معك . هناك حيث الإبل على المريخ والطيور على القمر ، حيث الزهور على الكواكب والأغنام على الشجر .. هل تذكر ؟



أنا أعرفك منذ عالم البرزخ ، هناك حيث كنت تغازل المنقبات في القبور وتلاعب الزهر ، حيث كنت تسرق من الأحياء الأحجيات وتداعب القدر ، حيث كنت تعطي الراعيات شمس الجبل وتبيع على الصحراء السراب و الأمل .


أنا أعرفك منذ أن كنت علقة في رحم ِ السماء ، منذ أن كنت طينا لا يعرف البشر ، هناك حيث تعلّقت في ثوب روحي كمجاز ٍ سماوي لا يشبه مجاز البشر ، هناك حيث عرّيت روحي من سخرية القدر ، هناك حيث غافلت حرّاس السماء وقبّلتني تحت السهر .


أنا أحبك َ من قبل التكوين ، هناك حيث التدوين كان يجهل السير فوق المعاني ويجهل القفز من أعالي السطر ، حيث قلمي كان يحوم بين التخوم وحبري يسيل من على نجمة خانها الليل قبل أن يستيقظ الفجر ، هناك حيث رأيتك تكتبني أمام كل حوريات السماء وتخط اسمي على شعر الشمس وتنقش حرفي على خد ِ القمر ، هناك حيث القبلة سماء والقصيدة شجر.


هل تذكر وادي الضباب ، حيث تركتك تلهو قليلا ً وكعادتك أطلقت جياد الكواكب وخرّبت أضواء المجرّات ، هناك حيث كنت أشقى من غزلان زحل وأرق من عصافير المشتري ، هناك حيث كنت تسخر كثيرا ً على أهل الأرض وتمنع الطول عنهم وتسجن العرض ، هناك حيث كنت تسرق أقمار الميزان وترميها لصبية ٍ كانت تنتظر أن يجود عليها الحسن بخيال ، هناك حيث كنت تتبع خطوات الحوت وترميها لصياد ٍ كان ينتظر البحر أن يجود عليه بالسمك .


أنا أحبك َ من قبل أن تنوب الكتب عن السماوات المقدّسة ومن قبل أن تتوب الذنوب عن الأخطاء المكدّسة ، هناك حيث كنت لا أعرف الموبايل ولا الخجل ولا الرجال ولا الغزل ولا الغزال ولا الجمل ولا الجنس ولا العمل ، هناك حيث كنت بريئة من كل شيء ٍ حتى من أنوثتي .


أنا أحبك َ منذ هناك ، لا تحاول أن تسأل لماذا أحببتك أنت بالتحديد ، ولماذا صادفتك أنت َ بالتحديد ، ولماذا روحي تهواك أنت َ بالتحديد ، ولماذا أنوثتي تريد أن تتوضأ رجولتك أنت بالتحديد ، لا تسألني عن شيء ، أدر ذاكرة الأرواح وتذكر قبل أن تسألني ، أين كنت قبل أن تدور ذاكرة البشرية في عقلك ، قبل أن تدور سواقي الشعر في حبرك ، قبل أن تثور موانئ السحر على ثغرك .. ؟ أين كنت قبل أن تصلي النساء قبلي على عطرك .؟


تذكّر.. ستجد الإجابة هناك ، حيث الإبل على المريخ والطيور على القمر ، حيث الزهور على الكواكب والأغنام على الشجر .


عند جهاز المخابرات

 
 
 
عند جهاز المخابرات ..

تموت القصيدة قبل اكتمال الشعر
وتموت الضحكة قبل احتفال الثغر

عند جهاز المخابرات ..
تصبح الثقافة كابوسا رهيبا
وتصبح السخافة فانوسا عجيبا

عند جهاز المخابرات ..
القلم أول مفاتيح السجون
الوعي أول مسابيح الظنون

عند جهاز المخابرات ..
سليمان يجب أن يعتقل
لأنه نصح بلقيس ونصح سبأ
لأنه احتج على غباء ِ العقول
أمام الملأ

عند جهاز المخابرات ..
سليمان ليس أكثر من عميل ٍ
أراد أن يستبدل نظام الشوك
بنظام الصدأ

ليس صعباً أن أعترف



أحبك ِ ..

ليس صعباً أن أعترف
الصعب أن لا اعترف
أحبك .. حسناً .. ماذا سيحدث إن قلتها مكتوبة
أم قلتها بشكل مختلفْ
ماذا سيحدث إن أحببتك في صلاةِ الجماعة
أم أحببتك في دعاء ِ المعتكفْ


أحبك ِ ليس صعباً أن اعترف
الصعب أن لا اعترف
أن لا أرى خصرك يعزفْ
أن لا أرى ردفك يرتجف


أحبك ِ ..
ليس صعبا ًأن اعترف
أنا مختلف ..
منحرف ..
يكره إيقاع الموروث
وغناء المكترث ْ


دع الله يحميها



أحبك َ ..

دع الأضواء تخطفها
دع الأقمار تعلّقها
دع الأشجار ترفعها
دع الأمطار تلقيها


أحبك َ ..
دع الأمواج تقتلها
دع المياه تحييها

أحبك َ ..
دع الحدائق تزرعها
دع الورد يسقيها


أحبكَ ..
دع الموسيقى تعزفها
دع العود يغنّيها


أحبك َ ..
دع النساء تسمعها
دع الأحقاد ترديها


أحبكَ ..
دع الشيطان يسرقها
دع الله يحميها


قَالَ بولس الرسول



قَالَ بولس الرسول لَنْ تندَمَ:

أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَد
عمّد أتباع اليسوع بالشعر ِ
وأعلن للكهنة ِ:
أن الشعر َ هو الإيمان .
قال بولس :
أنسى كُل مَا قيلَ عن ربنا المفقود
عن رب ٍ يمشي على الماءِ
عن رب ٍ صلبتهُ اليهود
لأنه كان مجددا ً نمرود ْ
أنتَ كاهنٌ والكهّان في شَرعنا
أعظم من مزامير داود .


قال بولس :
لا تُصدق رُوح القُدس
ليسَ كُلَّ مَن يَعتذر يُقبل عذره
فهل القرآن كالتلمود ؟
ليسَ كُلَّ مَن يموت يُقبل عمره
فهل إبراهيم كالنمرود ؟


قالَ بولس :
لو رفعت صلاتُكَ للعذراءِ مريم
لو حولت فراشك إلى صلبان
لو نمت في قلوبِ الرهبان : في بطرس ، في لوقا ، في يوحنّا المعمدان
أُطلب مِن الرب أن يكشفَ وعيك لترى عجائب الكهّان .


قال بولس :


الربُّ وجِدَ مقتولا ًعلى الصلبان
فمن تُرى يَحكُم المكان ؟
الربُّ قال : "كَهنتي هُم الرعيان"
الربُّ باركَ الكُهان .
وأنتَ كاهن ٌ مخلّد ٌ ومؤبد
فاستلم دفة الإيمانْ


قالَ بولس :
أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ
عمّد أتباعَ اليسوع بالسحر ِ
وأعلن للكهنة :
أنَّ السحر َ هو الإيمان .
حيئذ ٍ ملكوت السماوات سَتشبه عَشر عذارى أخذن مصابيحهن وخرجن لِلِقَاءِ الكُهان ..
ففي بيت الربّ منازل كثيرة للكهان ْ .