الأربعاء، 25 ديسمبر 2013

بطلة لا تشبه المسلسلات

لم أفكر ذات يوم أن ارتبط بحبيبةٍ  أو زوجة  أو بطلة تشبه تلك الموجودة في الروايات والمسلسلات والأفلام ، حيث تكون المرأة شخصية خارقة لا مثيل لها يتهافت عليها جميع الرجال حتى تأتي الحلقة الأخيرة لتزوجها بالفارس الذي لا يشق له غبار الذي تمكن من الظفر بها بعد أن أراق من أجلها الدماء وقدم في سبيلها التضحيات.

لم أفكر في ذلك لسببٍ وجيه يا صغيرتي . فـ المرأة عندي ليست مكافأة وليست هدية وليست فيلماً وليست حلقة أخيرة ناهيك عن أني لست بطلا مغواراً لا يشق له غبار.

 أنا هو أنا بمنتهى البساطة دون معجزات وبطولات تتجلى في مشاهد خيالي الواقعي جدا وتتألق .

لست مضطراً كما يفعل العشاق في الأفلام أن أستحضر جميع الشخصيات البطولية من التاريخ حتى ألفت انتباه امرأة ، وليست مضطرة أن تجعل من نفسها في الحب آلهة إغريقية كي أعبدها .

لست مضطرا لكل ذلك الضباب العاطفي المحيط بذاكرة وبقلوب وبعقول الآخرين .

لست مضطرا أن أخلق مسرحا لا يناسب مشاعري وقدرتي  وبطولتي الفردية المتواضعة ، وبطلتي ليست مضطرة أن تخلق مسرحا لا يتناسب مع مشاعرها وقدرتها وبطولتها المتواضعة كما تصنع الأفلام العاطفية في المخيلة الشعبية .

وإذا تسنى لأحد الأبطال  أن يعيش مثل هذه القصص والأفلام فإن امرأته لن تكون أكثر من بطلة صدى وبطلة ورق وبطلة مكافأة وبطلة انتدبها الخيال والمثال لتكون الفريدة من نوعها في صدر الوهم المركزي .

في مسيرة حياتي تعرفت على العديد من الشخصيات العادية والمميزة كما تعرفت على تلك الموجودة في القصص والأفلام أعني النسوية منها ورأيت الكم الهائل من الجهد الذي تبذله المرأة من أجل أن تلعب دور البطولة أمام رجل مثلي أو مثل غيري لتظفر بقلبه .

رأيت المعاناة والمشقة ، ورأيت المنافسة وهي تحتدم بين اثنتين وأحيانا أكثر كل واحدة منهن تحاول صنع المعجزات لتكون الفريدة من نوعها أمام بطلها الخرافي .

أكثر ما احترمته في هذه المشاهد يا ابنتي هو نضال المرأة . نعم يا صغيرتي نضالها في الوصول إلى هدفها بغض النظر عن استحقاق الرجل لها أو استحقاقها له وبعيدا عن كونها واقعية أو خيالية كانت المرأة في تلك القصص تخترع العديد من المسوغات التي تمكنها من لعب دور البطولة .

أما بالنسبة لي يا صغيرتي .. فإن تلك المسوغات لم تك ركيزة أبني عليها علاقة جادة مع أية امرأة ، كما أن إبراز المفاتن واستعراض الجمال الأنثوي لا يشكل لعيني ولقلبي حافزا كي أعشقها فالبطولة أعني بطولة المرأة عندي تقوم على أشياء ثانوية قد لا تكون ظاهرة ولا يعطيها الرجل أي اهتمام ربما لكنها عندي تشكل الركيزة الأولى .

دوما كنت أقف مبهوراً أمام البطلة التي لا تتصنع المشاهد ولا الأدوار تلك التي تتميز بأعظم قدرة وأعظم موهبة في الحفاظ على طينها إنسانا ًنبيلاً ونقياً يحزن لقطع الأشجار ويفرح حين تغني العصافير ويغضب حين يرى بطلاً متكبراً وطاغياً يلاحق بستاناً ليسلب منه نخلة .

مادة البطولة يا ابنتي تشبه سمكة صغيرة تسبح بداخلنا  ، بطبيعة الحال هي ليست سمكة طاردها صياد "الشيخ والبحر" كما هي عند هيمنغواي ، هي سمكة أصيلة يا ابنتي لا تتغير إلا نحو الأفضل ولا تسبح إلا نحو الأجمل ، لا تهزمها اسماك القرش ولا تغيرها طبيعة البحر ولا يدنسها الملح .

تعرّفت ذات يوم على سمكة ٍ أصيلة يا ابنتي ظلت تسألني يوما بعد يوم : لماذا فضّلتني واصطفيتني ؟  كنت أجيبها دوما بإجابة عادية كي لا يتمكن منها الغرور أو يدفعها حمق البطلات بأن تلعب أدوارا لا تناسبها .

لكنها مع هذا كسرت خياشيم السمكة وسبحت نحو المجهول وهي تحسب أنها لن تهزم . والآن هي ربما تلعب دوراً لم يخلق لها ولم تخلق له . لقد غيرها البحر يا ابنتي وتمكن منها الملح .

لكن  يا ابنتي تبقى في حياة كل رجل منا بطلة واحدة و سمكة واحدة لم يغيرها البحر ولم يتمكن منها الملح سبحت بداخلنا وغيرت تفاصيل موجنا إلى الأبد كما غيرت تفاحة نيوتن مصير الإنسان .

إذا جاز لي هنا أن أقول أن البطلة الحقيقية في قلبي هي ( أمك) وفي قلب الرجل هي تلك التي لا تضطر أن تقف طويلا أمامه كي تجلد عينه وتضطره للكلام ، هي تلك التي تستدعيه للتوقف التي تعطيه قيمة ومعنى بعيدا عن الركض وراء السراب ومحاربة طواحين الهواء ، هي تلك التي تقوم بأكبر بطولة في حياتها حين تخلق واقعيتها بيئة مناسبة ومسرحا مناسبا يجمعها بالبطل دون أن تطعن الجماهير والنقاد بشوكة أو سكين .

هي تلك التي حين يسدل ستار المسرح يصفق لها الجميع لأنها استطاعت أن تضيء في قلبٍ مظلم عالم بأكمله .

http://www.alomaniyah.com/authArticle.cfm?id=30909&author&catid=14

ليست هناك تعليقات: