الجمعة، 3 أبريل 2015

طوبى لصنّاع السلام





لو أن أحداً منكم استطاع أن يستولي على خرافةٍ ويستبدلها بــ حقيقةٍ  لرأى بأم عينه أن المدافعين عن الوهم أضعاف المدافعين عن اليقين.

   لو أن أحداً منكم فعلها لصدّق أن الدخول على عروس ٍ ريفية ٍ تقدس الأشباح والأساطير يشبه الدخول إلى نفقٍ مظلم ليس في نهايته ضوء .

  لو أن أحداً منكم فعلها لآمن أن الحقيقة على الرغم من قوتها ضعيفة أمام كُفر الناس، وبليدة أمام جهل الناس ، وغبية أمام تقليد الناس . بل أن في الناس من يفضّل الإيمان بالإشاعة على اليقين وبالموروث على الدين . وفي الناس من روحه تتوحّم على الكفر بالأدلة ، وعقله يشتهي الشرك بالبراهين .

  رئيس العالم ( الشرير ) يفهم أسرار البراكين ، الشيطان يفهم أن الحربَ كالنارِ وقودها الناس والحجارة ، لهذا قرر أن يصنع من سذاجتنا وقود ومن حماقتنا حجارة .

 رئيس العالم ( الشرير) يعرف أن لا ساتر أفضل من الحرب لدفن الحقيقة ، ففي الحرب الحقيقة دوماً هي من تسقط على أرض المعركة، والحكمة دوماً هي من تذهب إلى غرف الإنعاش ، هي من تجرح وتموت وتحترق وتستشهد.

 تبقى الحماقة لوحدها  الشاهد الأعمى على كل هذه الجرائم التي ارتكبت بوحشيةٍ في جسدِ الحقيقة وروح الحكمة.

  كم أمقت هذه اللعبة القاتلة ، لعبة الحرب ، فهي تمقت الإنسان وتقتل الإنسان وتحوله لحيوانٍ مسعور الدم منزوع العقل والحكمة .

كم أمقت كل صراعٍ يجعل الإنسان هذا الحيوان العاقل أن يفقد عقله ويدخل إلى مملكة الحيوانات ويقف كالشبل الصغير ليتحدى الأسد الكبير في صراع ٍ دموي قاتل من أجل فرض الهيبة والسيطرة والسيادة،  سيموت الشبل وسيأتي غيره وغيره وستظل المملكة مملكة الحيوانات تقنع كل شبلٍ آتٍ بأن الصراع والقتال والنزال وتفجيّر الدم ضرورة كي يكبر ويقوى ويتمكن من الإطاحة بالأسد الملك ويحكم القطيع .

كم أكره كل صراعٍ كان بالإمكان تجاوزه بتغليب العقل والحكمة لكن لا لا عقل ولا حكمة فالمصارع يجب أن يظهر باستمرار قدرته على المصارعة وعلى أنه يستحق حزام البطولة تماماً كما في حلبات الـ WWE ، يجب أن يشل حركة الخصم ويسيطر عليه ويهيمن هيمنة كاملة من أجل أن يظهر أمام مؤيديه ومشجعيه بمظهر البطل الذي لا يقهر ، أما ذلك البطل الخاسر فعليه أن يظهر بصورة الجبان والضعيف والمهزوم أمام نفسه وأمام أنصاره .

 البطلان نسيا أنهما يتصارعان في حلبة الحياة وأن الخسارة خارج حلبات المصارعة الحرّة ثمنها باهض جداً ، ثمنها جثث ملقاة في كل مكان ، على الحلبة وخارجها وبين المدرجات وبين الجماهير ، ثمنها أرواح ستزهق في صفوف المؤيدين والمشجعين ، حتى أولئك الذين لا يحبون المصارعة الحرة سيدفعون الثمن وسيخسرون.

كم أقدّر حكمة السلطنة لأنها مهما بدت أمام الأخرين قاسية وصعبة وغريبة ومريبة لكنها تظل تعمل كما عملت دوماً عبر تاريخها على حفظ إنسانيتنا وحماية آدميتنا بأن جعلتنا نعي وندرك ونفهم أن القوة ليست في استعراض العضلات الحربية التي تصنع الموت وإنما في استخدام عضلات المنطق والحكمة التي تصنع الحياة .

السلام لا يحتاج لدبابةٍ ليقنع الأطراف المتنازعة بأنه ضرورة بقدر ما يحتاج للحكمة وللنيّة الطيبة لينتج كل سبل النجاة ، أما الصراع فيحتاج للدبابة وللمدفع وللمغامرة بحياة ٍ بشرية ٍ كان بالإمكان أن تعيش لستة عقودٍ إضافية لولا حماقته.

 أقدّر حكمة السلطنة وموقفها تجاه الأحداث في اليمن ، لأنها ليست متهورة ومندفعة فهي تعرف جيداً ماذا تعني الجيرة وماذا يعني حسن الجوار ، ولأنها دوماً وأبداً المظلة التي يستظل بها ويحتكم الإنسان العماني ، ولأنها تؤمن صدقاً بمبدأ السلام تجدها  تفكر مليار مرة  وتنتج مليار فكرة لإنهاء الصراع أي صراع على طاولة الحوار . 

وفي اليمن الشقيق والصديق إن كان لا بد ولا مفر من الخوار الذي قاد لتدخل دول الجوار فهناك فن الممكن والنفوذ والدبلوماسية وحيلها المتنوعة للتضييق على طرفي النزاع من منع وقطع وضغط ومساومة ومفاوضة وإغراء وترغيب وترهيب وهناك أيضاً المال والاقتصاد ، هناك دائماً وسيلة للتعامل مع جميع الأطراف المتنازعة قبل الحرب وقبل قتل الإنسان يعلمها كل من بالحكمة اتخذ قرار .

 ماذا تصنع الحرب ؟ تجرح الدم ، تفجّر الدم ، تقتل الدم ، والدم لا يصنع أبطالاً بقدرِ ما يصنع  قتلة ، ولا يعطينا أمجاداً بقدرِ ما يعطينا خراباً ينشر ثقافة الموت .

في اليمن بندقيات الحوثي تظل تقتل أحسن النوايا و"عاصفة الحزم" تظل تقصف أحسن الظن ، ومع كل طلقة ٍ ومع كل قصف ٍ الحل السلمي يستشهد والإنسان اليمني يموت .

في صغري قرأتُ في بعض الكتب المصفرّة المغبرّة أن الساسة قديماً كانوا يلجؤون للعديد من الحيل لحل مشاكل بلدانهم بدهاء وحنكة ، من هذه الحيل مثلاً : كانوا يصنعون عدوا وهمياً  من الخارج  كي يتمكنوا من توحيد صفهم المقتتل والمتناحر في الداخل ، أما نحن -أعني في شرق المتوسط -فأفسدنا الحيلة صنعنا العدو الوهمي والحقيقي في الخارج كي نظل نقتتل وننقسم ونتناحر في الداخل ؟ !  

عجباً !


أبداً سنظل أبداً بلا عقل ولا حكمة ولا ضمير ، لا نحترم الجغرافيا ولا نعتبر من التاريخ ، سنظل دوماً ننسى ما فعل الصاروخ بالجغرافيا ، وما فعلت القنبلة في التاريخ ، سنظل دوماً لا نتأثر بخسارة ِ الأخر وبموت طفلٍ وببكاء شيخٍ وبصرخات ِ أُمٍ آمنت بالرشاش والمدفع فدفعت بوحيدها ليحمل الحرب بين يديه ويأتيها منتصراً ، ثم ماذا ؟ لم تصدّق حين رأت الموت يضعه بين يديها .

لا نتأثر حتى بشلال الدم الذي تفجّر من رأس طفل ٍ صغيرٍ حمل بندقيته وذهب للحرب لأنه صدّق مثل بعضكم أن الحرب لعبة تشبه لعبة الــ paintball .

صنّاع الشر، متى تقتنعون أن الأزمة لا تلد إلا أزمة ، والحرب لا تبيض إلا حرب ، والفوضى لا تنتج إلا فوضى ؟ صنّاع الشر، هل تعلمون ماذا فعلتم باليمن ؟ تماماً كما فعلت تلك المرأة قليلة الفهم حين وضعت قطتها المبتلة وهي ترتجف برداً في الفرن لتجف !   هذا ما فعلتموه وضعتم القطة المبتلة في الفرن لتجف! نعم هذا ما فعلتموه وضعتم اليمن في الفرن ليحترق .

كنتم تعلمون أنه سيحترق ، وقبلها كنتم تعلمون أنه يحترق لكنكم وقفتم على الفرن تشمّون رائحة الشواء .

 أين كان الماء قبل أن يحترق ،  وأين كان الحزم ؟ وأين كان الفهم ؟ وأين  كانت الاستراتيجية ؟ أين كان التحليل ؟ أين كان الحوار ؟ أين كانت الأساليب الدبلوماسية المتحضرة في فض النزاع وتقريب وجهات النظر والوصول لنقاط تسوية قبل أن تضعوا سكينا أخرى في جسدٍ يمني شقيق أنهكته رماح الفتنة وخناجر العصبية ؟ أين كانت الحكمة والحنكة بربكم قبل أن تهب العاصفة ؟

  ها .. لا أحد يعلم  ؟

 لا أحد يعلم أن فكرة حل صراع بين طرفين متنازعين عن طريق خلق صراع أخر لا ينفع إلا في حلبات المصارعة ، لا أحد يعلم أن فكرة إطفاء نار عن طريق إشعال نار أخرى لا يتبناها إلا  إطفائي فاشل قرر مكافحة النار بالنار !

 ماذا عن الماء أيها السادة ؟! ماذا عن الماء ؟

 هل تبخّر الماء ؟  أم أنكم تريدونها لهباً ؟

دائماً هناك في الحكمة مخرج طوارئ ينقذنا من النار ويغسلنا بالماء ، دائماً هناك إطفائي يؤمن بالماء ، دائماً هناك على طاولات الحوار إطفائي عاقل يحمل أطروحة ثالثة مبتكرة وخلّاقة تحاصر النار وتحمل الماء.

  دائماً هناك في الحكمة فكرة بديلة عن فكرة الحرب ، وفي الدماغ نشاط أخر غير نشاط النار، وفي الروح تركيبة أخرى غير تركيبة الثأر. 

 دائماً هناك في العقل منطق يجعل الأطراف المتنازعة تتراجع عن مواقفها المتصلبة ، دائماً هناك رؤية لتغليب المصلحة العامة على الخاصة باسم الإنسان باسم الجغرافيا باسم التاريخ باسم الحضارة باسم الدين والقواسم المشتركة .

 بربكم فلتتوقف هذه اللعبة فلتتوقف ، توقفوا من أجل  هؤلاء البسطاء ، توقفوا فمنهم من ضللته العمائم البيضاء التي كانت ولا زالت تحرض الناس على مواعدة حوريات الجنة في الوقت الذي تذهب هي فيه لتواعد آنسات أوروبا ، ومنهم من أعمته العمائم السوداء التي ظلت تنادي بالخلافة وتحدّثهم عن السياسية ، عن السقيفة ، عن الصحيفة ، عن أن هاشمياً منا كان ولا زال .. لا زال هو الأحق بكرسي الرئاسة.

  توقفوا فمنهم أيضاً من غرته الرتب العسكرية الكبيرة ، تلك التي ظلت تسحب الحياة إلى رئتيها كما تسحب دخانا كوبياً فاخراً ، تلك الرتب التي دفعتهم لمصادقة الموتى ثم وقفت بكامل أناقتها ولياقتها ترقبهم عبر أجهزتها الحربية المتطورة وهم يتسللون إلى المقبرة   .

  توقفوا فمنهم من لم يفق من صدمته بعد ، وكيف أصبح فجأة خارج قصر الرئاسة فعاد مجددا ليعد بعضهم بتشييد جنة عدن المنكوبة لكنه نسى أن يشيّدها فشيّد المليشيات .

 أما أنتم فتوقفوا عن ارتداء هذا الزي القومي الكاذب الذي لم يستطع أن يهزمه دين أو تسحقه عقيدة ، الذي لم يذهب يوماً لتحرير فلسطين إلا على صفحات جريدة ، واعتزلوا الفتنة ، اعتزلوها، فهناك مشروع انفصال ومشروع انقلاب ومشروع عقيدة ومشروع نفوذ محلي وإقليمي ودولي ، وهناك عدة مصالح ومصانع كلها تنتج الشر والفتنة والموت كلها ، فتوقفوا عن التطبيل لصنّاع الشر وصناع  الفتنة والموت توقفوا .

  كونوا صنّاع سلام ، فطوبى ثم طوبى لصنّاع السلام ، طوبى لمن آمن بأن من أعطانا هذه الروح هو فقط من يستطيع أخذها . طوبى لمن عارض وسيعارض قتل الإنسان ، وتشرد الأطفال وبكاء الأيتام، وطلقات الرصاص وصوت المدافع . طوبى لمن آمن بالعقل والحكمة ، وشكر النعمة وكره النقمة .

  طوبى لمن لم يخض حرباً ليست حربه ،  ولم يمت دفاعاً عن مصالح الولايات المتحدة ، ولم يُجرح نيابة ًعن نفوذ المملكة المتحدة ، ولم يصرخ بدلاً عن الهوية الفارسية أو هذه القومية المتحدة  .

الآن وقد أنتقلت الفتنة من أرض الواقع  للعالم الافتراضي لتمشي في كل شوارع الـــ facebook  وتجتاح كل ميادين الـ instagram  وتلتهم كل قاعات twitter.

 الآن وقد أصبحت ناراً تشتعل في كل مكانٍ فلتحل اللعنة على كل من صدّر الشمس والمعرفة والخبز والهواء والسلام إلى خارج اليمن واستورد الظلام والجهل والفقر والرطوبة والحرب.

اللعنة .

ليست هناك تعليقات: