الاثنين، 18 يناير 2010

ماذا كنت أفعل ُ هنا ؟



ماذا كنت أفعل هنا ؟ هل كنت إضافة ؟! هل كنت نمطا بدائيا يندرج للآخرين تحت خانة " نمط تأويلي " يحاول أن يرضي طبيعته البشرية بالفضول ؟

ماذا كنت أسأل حقا َ ؟ هل كان لوجود الله قيمة ؟ هل كان لوجودي قيمة ؟ هل كنت أضفي على الأشياء قيمة ؟ هل كنت أحمل فكرة الله وفكرة خلق العنصر البشري ونهاية العالم والعالم الآخر كما كنت أحمل طفلي الصغير بين يدي ؟
هل آمنت بالله حقا ً ؟ هل آمنت بنفسي حقا ً ؟ هل أفرطت في تصديق الأشياء ، هل حفظت الدين كما حفظت الميثولوجيا ؟ هل شعرت بأهميتي البشرية كما شعرت بتعدد الإلهة في الملاحم القديمة ؟



هل كان الإله العظيم يسكن عقلي أم أني لم أكن أراه إلا في خارج العقل ؟ هل مارست الإلحاد يوما ؟ هل خرجت خارج الحدود الطينية وسافرت بعيدا عن الطفولة البشرية واجتزت الزمن حتى وصلت لحقل ٍ من المعارف الخاصة التي من خلالها بت جامعا للمعرفة للإلهية ولم أعد بحاجة ٍ لمنقذ ؟



هل كنت أشعر كما ينبغي تجاه نفسي ؟ هل نظرت لنفسي يوما نظرة الكائن الخرافي الأسطوري الذي انتصر على الديناصور في معركة التطور ووصل لمرحلة لم يعد فيها بحاجةٍ للنمو والارتقاء ؟



هل كنت منتميا إلى الدين كما كنت منتميا إلى الطبيعة ؟ وهل كنت منتميا إلى الطبيعة كما كنت منتميا إلى نفسي ؟ وهل كنت منتميا إلى نفسي كما كنت منتميا إلى عقلي المختلف ؟!



هل كنت أشعر أني أسطورة حقا ً تنقلت بين حياة البرية إلى حياة المدن إلى حياة التكنولوجيا ؟ هل كنت اركيولوجيا في بحثي عن الأسطورة بين آثار الشعوب ؟



هل وجدت الله حقا ؟ هل وجدت نفسي ؟ هل وجدت الأشياء التي أبحث عنها ؟ هل وجدت الإجابات ؟

يقولون :" في الطفولة يجد المرء نفسه على تخوم الأسطورة " ويقولون : " في مرحلة الشباب يجد المرء نفسه فجأة خارج الأسطورة " وفي المراحل التي تليها يجد المرء نفسه أشبه بالجثة قبل أن يعرف حقيقة الأسطورة " .
أستطيع أن أقول أني لم أجد نفسي بعد ، لكني أجزم أني لم أكن كافرا ً ولا ملحدا ً في لحظة ٍ مضت عني بالأمس أو في لحظة ٍ ستأتي إلى ّ في الغد . وفكري المتسائل هذا ليس أكثر من فكر ٍ يحاول أن يقطع كل علاقة ٍ مع الموروث كما قطع كل علاقةٍ مع المعاصر ليس أكثر من فكر ٍ قطع كل علاقة مع الملائكة كما قطع كل علاقة ٍ مع الشياطين ثم ّراح يؤمن بالأشياء عن طريق التمحيص والتدقيق .



حتما ً لا أفعل ذلك بقصد استخراج شيء غريب لم يستخرج بعد أو إضافة أفكار أخرى لم تضف بعد ، لست إلها ولست في مكانٍ يخولني أن أقول للأشياء ( كوني فتكون ) أيضا لست بصدد استئصال ( لا ) الـ زائدة لكني بصدد إجراء ( واجب ) وفق حدود هذا البشري الذي يرفض أن ينظر إلى الموروث والمعاصر نظرة " المقدس " ثم يزعم أنه أنتقل بفكره إلى الجزء الأكبر من العالم المتحضر الذي لم يعد فيه بحاجة ٍ بعد للرسل والأنبياء .



هل أعد متبصرا ً ...؟ أم أن حديثي هذا ليس أكثر من تخيلات وأسئلة منتظمة خاضعة لقوانين الشك والإيمان ؟
بالتأكيد لست أول من يشك ولست آخر من يؤمن لكني أحاول أن أفتح ميدان أخرى للماضي للحاضر للمستقبل ، للبلاهة للعقلانية للجنون بعيدا عن " أساطير الأولين " وعندي من الأسئلة وكما ترون ما يطرح نفسه بثقة ٍ وعندي منها ما يأتي بغباء ٍ محكم !



لكني أسطورة !



أسطورة مثخنة بالدهشة والمجون والفظاظة والوضاعة والمقت والعبث والانضباط والتوازن وحسن السير والسلوك . ! أسطورة ينتابها الفضول ، تبحث عن لسان الأصول ، تسأل عن الله عن التكوين عن الأصول عن الفصول عن الدنيا عن الآفاق المعزولة .



تنقب في ما وراء الطبيعة كما تنقب أمامها ، تمحّص في آثار الشعوب في الخرافات والحكايات في محاولات ٍ منها في إخراج الحقيقة العالقة في ذلك السيل التراثي التاريخي الممتزج بالمخيال الاجتماعي .



ماذا كنت أفعل هنا ؟ لا أشك بتاتا أن الكتابة التي تحمل بين أجنابها إنسان معرض للتلف أو الإصلاح أو تحمل ( نوعي ) الـ مصاب بالإعياء والدهشة تجعل القرّاء يتعاملون مع التلف والإعياء والدهشة كما يتعاملون مع الخشب أعني حين يلقونه في النار فيتطاير قبس النور والمعرفة منه ليمدهم بالدفء .



رغم ذلك هناك معطيات كثيرة لا يمكن أن تحملها الكتابة والدفء ليس نهاية الأشياء وليس بدايتها لكنه محرّك ومحفّز .



الكتابة لا تستطيع أن تحمل مع ذلك الإنسان المسافة التي قطعها في التنقل بين القرون ولا تستطيع أن تحمل الفارق بين عموميته وخصوصيته ولن تحمل حتما إرادة الماضي وعزم المستقبل لكنها قد تحمل الألم المتأخر والمتقدم و تحمل ما دون الحجر وما فوق المعدن من علامات .



علامتي الوحيدة هنا أني كنت أنقش على الأحجار الورقية بعض الأحاجي والتساؤلات عن أسطورة ٍ معرضة للانتقاد لأنها لم تستخدم الكلام المنطوق للإفصاح عما يجول في كنهها ومعرضة للسخط لأنها لبست لبوسا سفسطائيا ومعرضة للاحترام لأنها بثت سؤلها المكتوب في الساحات ِ العامة لكنها بلا شك تستحق التأمل المقرون بالتفكير العميق لأنها لم تطرح إيمانها الراسخ أمامك ولم تعلن كفرها الفاضح وراءك لتحاكمها.



هي لم تصف الغيب ولم تقم بدور المشرع . إذ كل ما قامت به أنها جمعت حزمة من الأسئلة التي تحملها كل أسطورة بين طياتها وألقتها في نار " التنوير " .



ماذا ستحمل من تلك النار ؟ ماذا ستُخرج منها هذا أمر مرهون بك . أما بالنسبة لي لست مجبرا على الاختيار لأني وجدت الله ، وجدت نفسي ، وجدت الإجابة وجدت الجنّة .




ليست هناك تعليقات: