الثلاثاء، 19 يناير 2010

كائن ٌ خرافي اسمه " خالد "

بالطبع ليس مطلوبا مني الآن أن أثبت أني أنا من يكتب هذه الورقة ، فهل تستطيع الورقة مثلا ً أن تُثبت أني " خالد "..؟

هل تستطيع أن تُثبت أن هذا الرماد هو رمادي ، ونحن نعرفُ جميعاً أن الرمادَ يُساوي الضياعْ ..؟ هل يستطيعُ الضياع مثلاً أن يكونَ أنا ؟!!

هل تستطيعُ الكواكب أن تُثبت أنها جرحٌ أبيض ٌ في قلبِ السماءْ ..؟

هل تستطيعُ العروبة أن تُثبتَ أنها شرخ ٌ ملوثٌ في رحمِ آسيا وأفريقيا ؟

هل يستطيعُ هذا التوتر الذي يدفعني إلى الكتابةِ أن يُثبتَ ظاهرة ( خارج نطاق التغطية) التي أمر ُ بِها ..؟!! ؟

الثاني والعشرون من أيلول كنتُ أنا ، وبعد مساء ٍ لم يك ُ قد خطط للحمل ِ والولادة جئت ُ أنا ، وقبل ظهيرة ٍ موّالها لم يك ُ مولع بانتظار ِأحد خرجت ُ أنا .

وأمّا نفسي أيتُها العزيزة فقد أتت قبلي ، أتت من ثُغاء ِالماعزِ ، وتثاؤب الراعي ،والذئب الذي يتأهب لإلقاء القبض على الشاة القاصية .

وقبل أن تأكل الخطيئة فضيلة الراعي ،وتشمُ كتف الماعز ، ويبصق الدنس على صدرِ الشاة ِ ، تناولت نفسي صوتا ًً وصاحت :
" توقفوا ، توقفوا ، فلقد مات الخندق ، وانتحر الضجر ، وتلعثمت الخطيئة ، توقفوا ، فخالد ٌ منّي بمرتبةِ الخير من السماء إلا أن الأرض في ليلةِ ظلامْ " .!!

كانت الساعة ُ حمى ً صفراء ، وكان القرطاسُ عضلة سوداء ، وكان القلم ُ حرب حمراء ، وبين الصفار ِ والسواد ِ والحَمَار ْ استيقظتُ أبيضا ً كقلبي على شكل ِ خير ٍ يبول ُ دَما ً لا نجاسة فيه ولا رجس ، تماماً كما فعلَ سفيان الثوري من خشية الله ..!!

لا أدّعي أني ملاك ٌ ولا أدّعي أني نغمة التمام .. وليلة القدر .. ولا المسجد لا أدّعي إلا أني والشيطان كمنكرٍ يسأل أحدهم : " من ربُّك " ؟ فيقول : " الله " وكنكير ٍ يسأل أحدهم : " من ربُّك " فيقول : " الشيطان " .

نعم ٌ شيطاني أعرفه ُ ولكنّه لا يعرفني ، وأسبره ُ ولكنّه لا يسبرني إلا إن شئت أن أخصّب الفحم قليلا ً بدافع الدفء في الشتاء ، مثل الشيطان ونفسي كمثل ِ رجلين رفعا يديهما للشمس ليقيسا وقت ذروتها ، فأعطت الأول حرارة جهنم وأعطت الآخر وقت الظهيرة المفعم بالدفء .

أنا ونفسي تستيقظنا التفاصيل الصغيرة ، وتملؤنا حركة مواطن بسيط مرفّه بالنشاط والعمل ببلوغ الأحداث العظيمة، وتُسعدنُا رائحة السلام والإسلام المنبعثة من ضحكة طفل ٍ يركض كالموسيقى ..

نحن ونفسي يا - سيدتي السيدة - كينونتنا أن نهرب من الفضيحة ، وأن نرفض المتردية والنطيحة ، ماهيتنا أن نتماشى جنباً إلى جنب ٍ مع الحنين وبسم الله واللهم اكفني بحلالك عن حرامك ، خلقنا المشغوف بالمحاضرات والندوات والمؤتمرات أملى علينا أن نُدمن الإنسانية و نتعاطى الرحابة و نتزود بالعلم و نتحلّى بالتروي ، وأنا رجل ٌ رغم صبري وحكمتي وفلسفتي لا أوّجل الإجابات البديهية إلا إذا رأيت الكلمات غريقة ، والآذان سحيقة .

نقيصتي الوحيدة يا عزيزتي لا تكمن في أياميني ولا شمائلي ولكنّها تكمن فيمن يتعاملون مع أظافري بقلة ذوق ٍ ومع أصابعي بقلة ِأدب ، بعدم اهتمام ، بعدم انتباه ، بعدم تقدير هذا الكائن الخرافي المليء بالأعضاء والأنحاء والأجزاء والأحاسيس والتفاكير الذي أسمه " خالد "

ليست هناك تعليقات: