الاثنين، 15 يوليو 2013

وصايا..10

قال كافكا : " أن تكتب فهذا يعني أن تهجر معسكر القتلة "

ريّان أن تهجر معسكر القتلة هذا يعني أن تكون إنسان . أن تكون محبا للإنسان مهما كان وكيفما كان ، أعني مهما اختلف شكله ودينه وعقيدته وبيئته ، وأن تكون محبا للجمال وللطبيعة وأيضا لكل حي على هذه البسيطة حتى وإن كان هذا الحي نملة تجر قطعة سكر لتقف بكل كبرياء أمام الموت  .


ريّان قال منيف ذات مرة : أن يمتلئ رأسك بالأفكار والصور شيء وأن تسكب تلك الأفكار والصور التي تشكلت في رأسك على الورق شيء أخر . صدق منيف يا صغيرتي .

الكل يستطيع أن يكتب والكل يستطيع أن يدعي أنه كاتب لكن لاحظي كم من هذا الكل يستطيع أن يترجم أفكار عقله وصورها كما هي على الورق ؟

كم من هذا الكل يا صغيرتي قد خانه التعبير ودمّر المعنى الجميل الذي كان برأسه بعد أن دوّنه على الورق ؟

الكتابة يا ابنتي تشبه الفلسفة.. تشبه التفكير في طبيعة التفكير والتأمل في طبيعة التأمل والتدبر في طبيعة التدبر وتشبه رحلة البحث عن الحكمة وعن المدلول وعن الدقة .

الكتابة منطق يا ابنتي ومحاكاة عقلية وفلسفية تعتمد كما يعتمد علم المنطق على البرهان والاستدلال وعلى الحجج وعلى الواجب والمفروض وعلى السند الذي يدعم نتيجة الفكرة .

الكتابة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بطبيعة الإنسان وبشخصيته وبثقافته ، فهي أناقة فكره و بهاء صورته وترجمان رؤيته .

لهذا لا تصدقي يا صغيرتي من يقول أن الكتابة مجرد حبر على ورق ،كلا يا صغيرتي  الكتابة إنسان يسير على الورق بلحمه وشحمه وبروحه وبأخلاقه وبخصائصه وبما يحمل من فرح وألم ينوء به صدره أو ينوء به المحيط من حوله .

صدقيني يا ابنتي الكتابة تعطي من يعطيها خلاصة فكره التميز والإبداع ، وتعطيه الجمال الذي تقوم عليه الطبيعة ، وتهبه السحر الذي يسكن في الرسم والموسيقى والقصيدة والمسرح .

صغيرتي .. لا أدري لماذا أحدثك عن الكتابة ؟ ربما لأن الكتابة تريد أن تتحدث إليك عن طريقي كما يتحدث خليل لخليلته وربما لأنها تريد أن تكشف لك أنها تملك مفاتيح الفيلسوف الحكيم كما تملك مفاتيح معتوه متعلم .

لا تصدقي جيرالد برينان يا صغيرتي الذي قال أكتب وأكتب وأكتب وستصبح كاتباً ليت الأمر بهذه السهولة حبيبتي فهذه المقولة تنفع كترياق لقارئ عليل وكتنفيس لقزم ضئيل ، فالكتابة مثل الطعام يا ابنتي  يجب أن يكون المرء منا جائعا كي يلتهمه ، ومثل قرص الإسبرين يجب أن ننتظر حتى نشعر بالألم أو الحاجة كي نتناوله .

ريّان .. دعيني أسالك : ما فائدة الكتابة إن كان من يكتب يملك فكراً ضيقاً ؟

حسناً.. لنقلب السؤال : ما رأيك بمن ينتعل حذاء ضيقا وهو يملك محل أحذية ؟

أو ما رأيك بمن يكتب ويغرد وحين تنظرين إليه لا تجدي رابطا بين ما كتب وبين ما فعل ؟

ما رأيك بـ الذي يشار إليه بالبنان ككاتب مرموق لكنه فعليا مدعي أو مغرور ولا يتعلم من دروس الإطفاء فيظل يكافح النار بالنار ؟

الكتابة ليست ثرثرة . ليست لعبة يا ابنتي .. نحن نكتب حين يكون بحوزتنا ما نقوله ، وإذا لم نجد ما نقول فالسكوت من ذهب وإلا أصبح الكاتب مثل الزوج المخدوع في زوجته مثل الذي لا يعرف أبداً ما يجري ويعتقد أنه يعرف فيظل يعتقد ويعتقد ويعتقد .

صغيرتي .. الكتابة انفتاح جرح ما .. هكذا  قالها كافكا ..

أن تكتب هذا يعني أنك بدأت تشعر وأن تشعر هذا يعني أنك بدأت تفهم وأن تفهم هذا يعني أنك إنسان قادر  على احتواء الجرح الذي انفتح وأن تحتوي هذا يعني أنك ستقدر  باسم الإنسانية في قلمك وفي عقلك وفي قلبك أن تجعل الجرح يبتسم .








ليست هناك تعليقات: