الخميس، 11 يوليو 2013

وصايا..8



هل يمكن أن تنتهي السماء بسكتة قلبية ؟ هل يمكن أن تصاب الحوريات بالسل ويصاب الولدان بفقر الدم ؟ هل يمكن أن يغّير بركان وجه الجنة ؟

دعينا نفرض أن ذلك ممكن يا صغيرتي ، ولكن كيف ؟

لن أحتاج لإجابة مطولة يا بنيّتي يكفي أن نرمي بداخلها بشر ٍ يملك خاصية أرضيّة كـ"الغل" ، فالغل وحده كفيل يا ابنتي بأن يشوه أجمل صورة قد ترسمها مخيلتك عن أرض الخلود .

في البدء يا حبيبتي كانت الأرض عذراء ، رائعة ، زكية ، نقية ، صافية ، طيبة ، حتى قام الإنسان الأول بالغل ومن ثم القتل.

تأذت السماء من دم الإنسان الأول الصارخ تحت الأرض فسمّتنا أمة " قايين" بعد أن لعنته في الأرض ومنعته قوتها وأمانها . منذ ذلك التاريخ يا حبيبتي ونحن وقايين سواء .

بالطبع يا ريّان كان بإمكان قايين أن يعود للسماء ، أن يعتذر ، يندم، يتوب، أن يرحمنا من خطيئته التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل ، أن يريحنا من حلقات الدم التي تعجز أمامها كل مسلسلات داركولا وفرانكنشتاين وزومبي.

لكنه لم يعد يا ابنتي، لم يتب . لم يعتذر . مثل صحراء التيه ظل تائها في الأرض تلاحقه اللعنة . وتلاحقنا .

تاريخنا معظمه مكرر يا ابنتي فكل يوم نقتل لنا أخ ونجرح لنا شيخ وندفن دون أن تهتز فينا شعرة مئذنة مسجد ونطمر دون أن يؤنبنا ضمير ساقية كنيسة ونقلع دون أن ننظر للسماء شتلة أخلاق زرعها موسى .

انظر حولي الآن يا ابنتي .. فأرى يوسف في الجب ، وأراه في السجن ، وأراه مصلوبا على صدر ِ زليخة ، وأراه مطرودا من القبيلة ، وأراه مطلوبا للعدالة.

أرى الآداب والقيم والقواعد التي تعتبر صراطاً مستقيماً تصبح إزميلاً أعوج ، أرى القانون الذي وصل إلينا عن طريق قطار "النبوءة" يخرج عن مسار مكّة ، أرى الميثاق الذي أطل علينا من بوابات القدس يخرج هاربا من الباب الخلفي للمسجد الأقصى قبل أن تعتقله إسرائيل بتهمة "الإرهاب" .

ليس هناك تطور ضخم في جنسنا البشري يا ريّان- حتى هذه اللحظة- على مستوى الأخلاق والسلوك كما تطورونا في التكنولوجيا ، لسنا روبوتات بطبيعة الحال ولسنا آلات ولسنا هواتف ذكيّة .

التكنولوجيا لا تعرف الأخلاق يا ابنتي ولا تفهم في المشاعر، لا تعرف ماذا تعني رابطة الدم، ماذا يعني الميثاق الأخلاقي ، ماذا يعني الالتزام والثقة والاحترام والكرامة ، ماذا يعني الحب ؟ ماذا يعني الله ؟

لكنها –حتى أكون منصفاً –يا صغيرتي لا تتخطى القواعد والأوامر ولا تتجاوز الخطوط الحمر كما نفعل . وإن فعلت فحتماً سنكون نحن السبب .

هنا يا صغيرتي نحن نعيش قصة نيتشه في " هكذا تكلم زرادشت" حتى وإن لم نقلها صراحة ، لكننا نعيش فصول قصته وندعو بشكل مباشر أو غير مباشر أن تموت الآلهة جميعها .

أن تنزل الجنة من السماء ، أن تهرب النار من قصص يوم القيامة . أن يتخلى ميكال عن المطر ، أن يستقيل عزرائيل من منصبه ، أن يكف جبرائيل عن إخبار الرسل بما يجب وبما لا يجب .

صغيرتي على مسؤوليتي أنا أتوجه بسؤالي للمدعين وللمتأسلمين ولمن يتمنون الشهادة ليل نهار الآتي :

هل ستتوجهون للسماء لو لم تكن هناك "جهنم" ؟ لو لم يكن هناك غواش وزبانية وسقر ؟

هل كنتم ستعبدون الله حقاً لو لم تكن هناك ناراً تتلظى فيها جلودكم ، هل كنتم ستتبعونه لو لم يكن هناك خازن للنار اسمه "مالك" ؟

حسناً سأطرح السؤال بطريقة ٍ أخرى أكثر لطافة .

هل كنتم ستتوجهون للسماء لو لم يكن هناك لحم طير مما تشتهون ؟ لو لم تكن هناك حوريات لم يطمثهن قبلكم إنس ولا جان؟ وقطوف وذهب وسندس وإستبرق وجنى الجنتان دان ؟

صدقيني يا ابنتي لولا جهنّم لأريت ِ عددهم في المساجد و الكنائس و المعابد أقل من عدد المصطفين على شباك مسرحية لعادل إمام .

لن يفكروا في عدن يا صغيرتي لولا العقاب . لن يشتهوها لولا الجزاء ، لن يشتاقوا إليها لولا أنهم يعرفون أن هناك صراطاً قد يهوي بأقدامهم إلى الحطمة .

هل فهمت ِ ما أعني .. ماذا سيحدث في هؤلاء لو كان هناك إلهاً ولم تكن هناك جنة ولا نار ؟ هل كانوا سيعبدوه حقاً كما يدعون ؟

الآن يا صغيرتي الكل يقول أنا مع الله ، من هو مع الله فعلا ً ومن يكون الله معه فعلا ً ؟

ابنتي الناس هنا تعبد الله خوفاً لا محبة ، رعباً لا طمأنينة ، هنا تتجسد عبادة العبيد بكل صورها أما عبادة الأحرار يا ابنتي فلا يعرفها إلا المنحدر من سلالة السماء الذي يتوجه إلى السماء ليس من أجل جنتها ولا خمرها ولبنها ولا من أجل قاصرات الطرف ولا الولدان ، الذي يتوجه إلى السماء يا ابنتي لأن هناك إلهاً يستحق أن يشكر وأن يعبد دون مقابل. 

أما عبادة المصلحة والتقايض والتبادل فلا تعنيني في شيء

أتحدث عن القناعة يا ابنتي ، عن المبدأ ، فالإنسان مستعد أن يموت من أجل مبدأ آمن به دون أن يقدم تنازلات أو يطلب ضمانات مالية أو يفكر حتى في أسرته فلماذا لا يموت من أجل الله حتى لو لم تكن هناك جنة .

لماذا لا يعبده دون أن تكون هناك ناراً ستلتهمه إن لم يفعل ؟ لماذا لا يطلبه دون أن يكون محتاجاً للمساعدة ، لماذا لا يتوجه إليه دون أن يكون محتاجا لمرشد أو وصي ؟ لماذا لا يتعرف عليه دون الحاجة للكتب الدينية وفتاوى المشايخ ؟ هل التعرف إلى الله صعب لهذه الدرجة ؟ أم أننا فعلا نحتاج للقرضاوي والعريفي وللسيستاني وللحكيم حتى نتعرف عليه ؟

اخشي يا ابنتي على العبيد أن ينهاروا قبل أن يتعرفوا على الله تماماً كما الذي ظن أنه تخطاهم وأصبح حراً فهاجم حصاناً ورقص عارياً وظن نفسه نابليون والاسكندر المقدوني ويسوع وفيكتور الملك .

وسينهاروا يا صغيرتي ..سينهاروا

مسألة وقت .


ليست هناك تعليقات: