الثلاثاء، 16 يوليو 2013

وصايا..11

ردة الفعل البشرية أو الطبيعة البشرية عموما لا يمكن قياسها قياساً منطقيا ً وعقلانياً في الكثير من المواقف ولا يمكن توقعها أيضا خصوصا حين تصدر هذه الأفعال بعيدا عن السائد والمألوف والعرف الأخلاقي والتقليد العاطفي وليس المنطقي والعقلاني فحسب.
السلوك البشري يا صغيرتي لا يمكن التنبؤ به مهما أظهرت البشرية قدرتها  العالية على التصرف بشكل حضاري ومنظم وممنهج ومنطقي .
أحيانا يا صغيرتي تجدين أفعال العقل أشبه بأفعال الجنون وأفعال الجنون أشبه بأفعال العقل . ليست رياضيات يا حبيبتي ، لكن ذلك يحدث أحياناً .
إليك ِ هذه القصة القصيرة : كانت هناك شيخة عربية تعشق شيخا عربياً أكثر من عشق  قيس لناقة ليلى. ((انتهت القصة)) .
المغزى أن  شيخة أقدمت على فعل ٍ مجنون حتى التعقل وعاقل حتى الجنون  كذهابها لرؤية حبيبها وهي مصطحبة "بودي غارد" من  مدينة الخرطوم ليحميها منه؟ 
أمر غريب أليس كذلك .
برائي لهذا التصرف ما يبرره يا ابنتي فدعينا نبطل العجب وحينها ربما ستفهمين ما أعني بالجنون العقلاني .
 ريّان..  لماذا قامت بهذا الفعل ؟
 لماذا أحدثت هذا السلوك وهي الحبيبة التي من المفترض أن تهرع لحبيبها دون الحاجة لنقطة مراقبة أو جهاز مخابرات ؟ 
لماذا جنونها استخدم "عقله" وهو الذي كان يجب أن يغيّب العقل ؟
ما رأيك ؟
أنا أرى  أن ما جعلها تعقّل جنونها وتدعه محترسا متأهباً ليس لأنها شيخة عاقلة . على الإطلاق فهي مجنونة بلا شك .ليس عندي شك في ذلك . لكني أرى أن هذا الجنون لبس لباس العقل لأنه دخل من حيث يدري ولا يدري في نفق المحيط المرتبط بالعادات والتقاليد والأعراف والعيب والحرام وعليه لم يستطع أن يتجاوز عقل التقليد الديني والعادات الاجتماعية وأعراف الموروث وطبيعة الناقة العربية والجمل العربي .
ريّان .. لاحظي الأمر معقد لكنه يستحق الدراسة والتمعن . ففعل الشيخة  تجاوز الجنون كمصطلح يعني العبث والفوضى والعشوائية واللانظام وغير المخطط والمدروس والمتوقع  فأصبح جنونها المندفع لرؤية أحب الناس إليها في تلك اللحظة تحديداً جنوناً مبني على ترتيب مسبق ومنظم وعلى قواعد وأسس متصلة بتراث الشخص وبثقافته وبسيرته وأخلاقه وتربيته فأصبح عقل .
أبوك مولع بالنفس البشرية فهي قارة لم تكتشف بعد . انظري يا صغيرتي كيف اندفعت المجنونة لملاقاة حبيبها دون أن تستطيع  هزيمة إشارات عقلها المتيقظ أو طبيعة المكان والزمان والقوانين والأعراف الاجتماعية لهذا يا صغيرتي لهذا دلّها جنونها العاقل جداً أن تصطحب ملاكا حارسا "أسود اللون"  ليحميها من أحب الناس إليها ؟
شيء غريب ومتناقض لكنه جميل يا طفلتي أليس كذلك ؟ تلك هي النفس البشرية في قارتها التي نكتشف كل يوم جزء ضئيل  منها.
 صغيرتي صدقيني تلك المجنونة لا تعلم  لماذا فعلت ذلك ؟ وربما لن تخرجي منها بإجابة منطقية إن سألتها .
 فهي حتما لم تكن خائفة . وهي حتما لم تكن تخطط أن تستخدم العقل في مغامراتها العاطفية المحمومة والمجنونة ؟ لكنها في نفس الوقت كانت مبالية جداً وحذرة جدا ؟!! .
 ابنتي .. من الممكن أن أصدق أن الإنسان خلق اللغة كما يقول وايد ليخفي بين مفرداتها مشاعره ، ربما أصدق أنه فعل بالعقل ما فعله باللغة ليخفي بين أفكاره جنونه .
 لكن هل علىّ أن أصدق أن الإنسان بات يستخدم الجنون أيضا ليخفي تعقله ؟

ما رأيك يا ابنتي ؟

ليست هناك تعليقات: