الجمعة، 12 يوليو 2013

وصايا..9




صغيرتي .. لا أدري كم عمرك الآن  ولا أدري إن كنت ِ تعرفت ِ على أبولو إله الفنون والشعر والموسيقى ؟ ولا أدري أيضاً أن كنت ِ تعلقت مثلي بتلك الشخصيات الخرافية في قصائد الإغريقيين .
لا أدري إن كنت  لحقتِ أكثر من 200 إلها إغريقيا في ميثولوجيا رومانية خطفتك مثلي من الحقيقة إلى المستحيل .
ريّان .. لأبيك حكايات وقصص طويلة مع المستحيل .
 مثلاً ذهبت ذات مرة للصيد مع أرتميس آلهة الصيد وحامية الحيوانات والبشر فرجعنا بصيد ٍ وفير من المعاجز والأساطير.
 ومرة ذهبت للنزهة مع بوسيدون إله البحار فاصطدت المحيط والأعاصير . ومرة شربت مع ديونيسيوس إله الخمر حتى تصورت أني إلهاً أولمبيا أصيلاً فتجرأت وقبّلت هيرا آلهة الزواج دون أن أبالي لغضب زيوس .
الأساطير كثيرة في حياتي يا صغيرتي .. وهي من تسليني في وحدتي ، نعم يا صغيرتي في وحدتي ، فالوحدة رفيقة عمري مهما تزاحم الناس من حولي ، ربما الأوقات التي أقضيها الآن معك ومع أخيك ومع أمك تخرجني من هذه العزلة قليلا ، لكني سأكذب عليك إن قلت أن العزلة ذهبت وأن الوحدة التي أشعر بها رحلت .
 هناك سبب بالتأكيد ، وفي الحقيقة يا صغيرتي ربما يكون السبب أيضا أسطوريا ً فكما غُصبت افروديت آلهة الحب والجمال من الزواج من إله النار هيفيستوس كانت هناك امرأة في حياتي غصبها القدر أن تشارك افردويت إلقاء كل جمالها وحبها  في ناري .
تلك المرأة يا صغيرتي رغم القهر الذي أذاقها إياه إله النار حافظت على الحب وعلى الجمال وعلى الخير الذي جعلها فيما بعد تحاول أن تعيد صياغة بطل النار في قصة ٍأخرى يكون فيها بطلا مائيا يتحدى ميثولوجيا الإغريق وآلهتهم ، ويكون كهيكتور قائدا طروادياً لا يعرف الخوف ولا التخاذل يروض الخرافة ويأسر الخيال .
هذا الهيكتور كان أنا يا صغيرتي ، وتلك المرأة كانت اسطورة  تدعى "شيخة"  استطاعت أن تروض أول العظماء التسعة في التاريخ اليوناني وتسرق روحه وتطفئ ناره وتجعله نبيلاً شجاعاً فارسا لا يشق له غبار .
تصوري يا صغيرتي هذا الهيكتور الذي أصبحت عليه فيما بعد لم يعد يهتم بالحرب المدمرة التي نشأت بسبب خطف هيلين أجمل نساء الأرض لم يعد يهتم إلا أن يكون قريبا من اسطورته حتى وهو يموت و هي تموت يا صغيرتي حتى وهو مطعون برمح ٍ يدحرجه ناحية عزرائيل ببطء ٍ لم يتوسل ولم يبك ولم يطلب كما جاء في الميثولوجيا أن لا يمثل آخيل بجثته على العكس تماما في اللحظة الأخيرة من عمره طلب من آخيل أن يرسم برمحه صورتها من دم قلبه .
ألم أقل لك يا صغيرتي الأساطير كثيرة في حياتي .. وستكون كثيرة في حياتك ربّما ..لا أدري ، لكن عليك أن تعلمي يا صغيرتي أن هناك قصصا واقعية نحن ملزمون أن نعيشها ونحياها وهناك قصصا أخرى نحن ملزمون أيضا أن نعيشها ونحياها لكن ليس على أرض الواقع وإنما في عوالم أخرى ميتافيزيقية وسريالية وخيالية وسماوية وفي مثل هذه العوالم أنا كنت متعلق ولا زلت بامرأة ٍ علّمتني الفن والفلسفة والجمال والغموض وتمجيد حياة الروح .
في هذه العوالم أنا تعرّفت على أفلاطون . تعرفت ِ عليه يا صغيرتي بالطبع أليس كذلك ؟ وتعرفت على المشاكل التي آثارها بسبب الفن وعلى فرضياته التي تقول أنه محاكاة للذة وضياع الحقيقة .
 لم استسغ ما قاله في تلك العوالم يا صغيرتي ، تقاتلت معه وتقاتلت مع معلمه المتشدد الأخلاقي وتقاتلت مع كل الفلاسفة والمحدثين الذين حاولوا محاربة الاندفاع الوجداني أو الحماسي ، ربما لم أكن مصيباً يا صغيرتي بالمنطق العقلي لكني كنت مصيبا بالمنطق القلبي لأني لم أكن أرى في تلك العوالم ما يجعلني متمسكا بالعقلانية لحد ٍ يجعلني أفرط بامرأة ٍ طرحت كل القيم المادية على الأرض ورفعت قيم الروح .
هل تفهمين جنون بعض الأساطير التي تتحدث عن حب ٍ يعيش فوق الحب أعني عن سماء ٍ تعيش فوق السماء  عن بحر ٍ يعيش فوق البحر ، عن مفاهيم تعيش فوق المفاهيم ، عن عشق يعيش فوق العشق عن مستحيل يعيش فوق المستحيل .
سأحاول أن أبسط لك المسألة : مثلا أنا لست بحاجة ٍ أن أثبت  لشيخة أني أحب أمّك ولست بحاجة ٍ أن أثبت لأمك أني أحب شيخة ولست بحاجة أن أثبت لك أني أحبكم جميعاً، لكن أنا أحتاج أن أثبت المستحيل!
 أعني كيف أثبت لك أن هناك حب أخر فوق هذا الحب في قلبي تدفعه قوة لا عقلانية قوة خرافية كقوة هيراكليس من أجل أن يبقى قلبي حيا ومنقسما بين مستحيل ومعقول بين واقع وخيال بين يقظة ومنام .
مستحيل مع  امرأة أحاكيها و ألحقها وأعشقها وأتنفسها كما قال سقراط مثل الفنان دون أن أعي ما أفعل وما أقول ومعقول مع امرأة حقيقية أحبها وأحترمها لكني أعي معها ما أفعل وما أقول .
هل تفهمين هذا المأزق النفسي والعاطفي ؟ أمر معقد ومركب يا صغيرتي 
 أدرك أنك في هذا السن لن تفهمي ما أحاول قوله  وأدرك تماماً أنني أهذي على طريقة الفلاسفة وأتنقل في سردي بين الوضوح والغموض وبين الجملة المفيدة والخبر المقطوع ، لكني أدرك أيضاً أنك حين ستعودي لقراءة وصاياي ومذكراتي وكتاباتي وحين ستفتشين في رسائلي فيما بعد ستجدين أن هناك امرأة تكررت في معظم نصوصي مثل الطب الذي يدرس الأجساد .
هذه المرأة يا صغيرتي هي أفروديت هي آلهة جمالي وحبي ، هي أفضل أنواع الهوس ، هي خط استوائي النفسي والعقلي والعاطفي هي إلهة إغريقية في شكل إنسان وهي البشرية في شكل إله ، هي يا صغيرتي الروح التي قادت والدك أن يرتفع فوق مستوى الرجل العادي وأن يصبح كزعيم الإلهة زيوس روح خالدة يصعب استنساخها .
ريّان .. إن عشت واقعا ً ذات يوم وعاش مع واقعك شكلا أخر من الظل أو الخيال أو المستحيل ظل على مر السنين رافضا الرحيل أو الموت فأعلمي أن ذلك الشكل ليس متعة مؤقتة وليس عابر سبيل وليس قصة إغريقية ، أعلمي أن ذلك الشكل -لن أتنبأ بملامحه لأنه ربما يكون رجلا أو جبلا – سيكون الخطاب الإلهي الحقيقي الموجه لروحك .
صغيرتي الروح تعيش أحياناً في ضفة والجسد يعيش في ضفة ٍ أخرى ، أتمنى أن لا يحدث هذا معك . أتمنى أن لا تعيشي عذاب الفصل . أتمنى أن تعيشي بهيكل ٍ موحد وأن لا تعيشي كأبيك مثل أسواق التجزئة .
صغيرتي " ستجدين اسطورتي" في العديد من نصوصي تحمل اسم " شيخة" مرّي عليها بسلام ومهما شاهدت من كتابات غاضبة أو ساخطة لا تكترثي فإن ذلك السخط والغضب لم يكن إلا احتجاج الهيكل على واقع الفصل .

ليست هناك تعليقات: