الأحد، 22 مارس 2015

طوبى للمجانين



لا زال بعض بركانك على يدي وبعض البارود في فمي يتسرب كنهرٍ من نارٍ في دمي .
لا زالت تجربة إحراق روحي كسيجارة بين شفتيك تستحوذ على كل تفكيري وتجعلني كهندوسي يحاول إحراق نفسه حياً بين ثغرك حتى تسحبيه نفساً عميقاً ثم تطلقيه زفيراً بحجم دخّان صدركِ السماء .
بعيدٌ عنكِ ، مشغولٌ عنكِ ، مع عملي وصحبي وكتبي ووو ..ألخ ،،  كالعادة ، مجموعة أعذار وتبريرات تبدأ بـ أنا وتنتهي بـ أنا ،، لكن حين أفتش عني أنا لا أجدني إلا مستلقي على كنبة بجانب خيالي أراقب رقصاتك وصولاتك وجولاتك في هدوء ٍقاتلٍ عجيب ومهيب .
وحين أفيق وأستفيق لا أجد أمامي من الأعمال والأصحاب والكتب سواك ِ ، هذه الخطيئة ربما أثارت روحك التي تأبى أن تكون في أخر الصف فجاءت في أوله وداهمتني .
أصبحت أراك فوق المكتب وفي فنجان القهوة وتحت الجريدة وفي شاشة الكمبيوتر والتلفاز .
قائدة جيوشي الصدرية هاأنذا أعلن أمام ذكرياتك وتفاصيلك الصغيرة جدا انهزامي كما انهزمت أمام أكبرها وأعظمها.
هاأنذا أهيم بتفاصيلي البسيطة والمعقدة  معك مختبئا عن أعين الناس،  أهيم وكأنني أخفي قطعة حشيش ، أخشى من البوليس يا عزيزتي أن يعتقلني بتهمة حيازة سيجارة لم أشعلها ولم أدخنها لكني جعلتها تحترق وتحترق وتحترق هكذا إلى الأبد  .
أخشى من مباحث العادة والتقليد أن تداهمني وأنا أخربش اسمك على الورقات ثم تقتادني أمام الملأ قائلة : هذا العلوي متهم بالانقلاب على العادة وبالاتجار في الموروث .
هل أحبك ؟ 
لا أعرف ..لكن خطيئتي تحب فضيلتك وفضيلتي تحب خطيئتك .. وكل حسناتي تعانق كل سيئاتك وكل السيئات بداخلي كلها  تتزوج كل يوم حسنة من حسناتك وتنجب الإصلاح والصلاح .
 مجنون.. نعم يبدو أنني  مجنون ..فليكن .. طوبى للمجانين .. ما رأيك : عطّلت سارية في المحيط لأنها لم تحمل اسمك ، دمرت قرية في الصعيد لأنها لم تسمّى على اسمك ، فجّرت صبية فوق الجليد لأنها فكرت أن تصبح نفسك ، أعدمت فكرا ً سديد لأن عقله تعدى على فكرك .
مفتون ربما أنا مفتون فحسبما أتذكر أنني أعدمت البارحة جميع الأفكار والأقوال والأعمال في صدري وقمت بمؤامرة ضد الروتين ومزقت الأجندات وأحرقت المواعيد وقررت أن تكوني أنت ِ النظام والروتين والأفكار والأقوال والأعمال والأجندات والمواعيد في دفتر حياتي .
معتوه ربما أنا معتوه .. آهٍ يا نوالي .. شربت ما شربت من نبيذ المحبين وتعطرت ما تعطرت من عطر المساكين وصادرت ما صادرت من أشجار البساتين لكني أبداً لم أهدأ ولم استرح ولم أعش إلا حين هبطت ِ على فزّاعة فكري وأبحرت ِ بشراع عمري .
حسبتني القبيلة نارا ً فأشعلتني لتستدفئ بي الخيام ، وحسبتني الحزينة دمعاً فبكتني لتستذكر بي الأنام ، لكني بيني وبينك أفسدت الأمر : احرقت القبيلة وقتلت الشيخ وأطفأت الحزينة وأشعلت الريح وقررت أن لا أصبح نارا ً ولا ماء ً إلا معك أو معك .
كل نار ٍ أطفأها البدو هي ناري ، وكل أرض تركوها هي أرضي ، وكل بئر معطلة هي بئري حتى تعودي بثقابك وبسرابك وبمائك وتحيي الطبيعة وترويها.
كل الآلام يا نوالي مثلتها الأفلام إلا ألمي وعاقرتها الأقلام إلا قلمي وشفتها الأحلام إلا حلمي كل هذه الأعوام يا حبيبتي كلها وأنا بفروٍ كامل الندم أبكي كذئب ٍ منزوع الناب والمخلب بعد أن هجر القطيع حكموا عليه أن يحكم عائلة الأغنام .
  كل هذه الأعوام وأنا أعيش كمن باع بستان وأشترى شجرة وكمن باع غابة واشترى ورقة وكمن تخلى عن كون ٍ عظيم الرحمة واشترى حفرة ، كل هذه الأعوام يا حبيبتي وأنا أعيش في نفس الحفرة وحسبما أتذكر كل يوم في صلاة الفجر يعوي هذا العلوي بداخلي ويعوي حتى  تحقق الحفرة قدره ربما حينها يا قدري سيموت فروي دون أن ينزف ندما لأني أهملتك جثة وأحرقتك فكرة .ربما.
منذ صرختك الأولى : أيها العلوي )) هل تشعر بي ؟ منذ أن سمعت روحك تنادي روحي وأنا أخبر السماء أن هذا الصوت سيستبدل جثته الترابية بنجمة ٍ بحجم المجرة وسيبقى متوهجا مثل نجمي للأبد .
منذ صرختك الأولى والسماء تبيض بداخلي قمر والسحابة تبيع على صدري كل ليلة ٍ زخة من زخات المطر ، منذ ذلك الوقت وأنا أتساقط عليك كالنيازك والشهب لكني سرعان ما أنطفئ  لحناً من ألحان الجنة على غيتارك .
نعم كنت أحاول ونعم كنت هناك حين بكيتي خلف الكون خلسة على عزيزك الذي رحل وكنت هناك حين كسرتي بعض الكواكب حزناً على الذي سقط ثم نزل ، أما أنا فلم أرى إلا وجها يشبه المساجد التي بكت على جماعةٍ نجمها أفل ، ورأيت روحا تشبه المصاحف تقرأ من سورة الحزن بعض الذي حصل .
نعم كنت هناك .. ويا لشراسة الريح كيف هبت على كل القوافل ويا لهمجية المطر الذي تحدى كل ثاكلةٍ ثكلتها الثواكل ، نعم كنت هناك وبكل معجزات المسيح قلّبت كتاب الفصول ومنحتك ربيعاً أبداً .. أبداً لا يعرف الفواصل.

ليست هناك تعليقات: