السبت، 22 يونيو 2013

وصايا..3



مرحبا يا حبيبتي .. هل تأخرت عليك ِ ؟ لا بأس يا صغيرتي فوقتي ليس ملكي فلا زلت حتى الآن أصارع الدقائق من أجل أن أعيش حراً كالهنود الحمر لكني أفشل .

 بالمناسبة أخبرتك في رسالة ٍ سابقةٍ عن فتاة ٍ كنت أحبها.. هل تذكرين ؟ عموماً طالما تحدّثت عن الوقت وعن الحب دعيني  أخبرك ِ حتى أكون صادقاً وطاهراً أمامك ِ أن الوقت الذي لا أملكه كان يسبب لتلك الحبيبة مشكلة عويصة.

 كانت تريد –وهذا حق لها بالطبع- أن أكون حاضرا ً في أي وقت وكل وقت ، لكني لم أستطع ، فالوقت الذي دسّه الله في ساعة أيامي بتصوري يجب أن أنفق بعضه للناس أيضاً وللشعر وللعشب وللبحر وللزيتون وللكتب ولشواهد الموتى وللمعجونين بالألوان والآهات وللمعذبين وللميتمين وللذين يحتاجون أن نكون إلى جانبهم .

أبوك ِ ليس أنانياً يا ابنتي  . فعلى قلبه تربض هذه العبارة المفرطة المعنى ( الحب إنسانية )

والإنسانية تحتم على أبيك ِ أن يفعل ذلك ، تحتم عليه أن يرفض كل شيء يحاول زجه في درج مكتب كأنه منفضة سجائر حتى لو كان هذا الشيء هو " امرأة أحبّها" .

كيف يمكن أن نحب لدرجة الجنون ثم نأتي لنقمع من أحببنا بنفس الدرجة ؟ كيف يمكن أن نعطي من نحب كل شيء نملكه ثم نحاول أن نتملك ما أعطينا بنفس الدرجة ؟ كيف يمكن أن نقول للحب حلّق في السماء كما تشاء ثم نحاول أن نربطه كيفما شئنا ؟

خذيها نصيحة من أبيك ِ يا صغيرتي .. لا تفعلي ذلك . فلا شيء أجمل من القريب البعيد والبعيد القريب ، لا شيء أجمل من منح من نحب مساحات واسعة للحركة وللاشتياق وللحنين ، لا شيء أجمل من أن تدعي الحب يتصرف كما يشاء .. يغضب .. يرضى .. يأتي في موعده .. يتأخر .. يسأل علينا .. لا يسأل .. يأخذنا في سهرة ٍ رومانسية .. لا يأخذنا .. لا شيء أجمل من أن ندعه كما هو يطلع علينا من بين أوعية البخور كما يخرج علينا من بين آيات سلمان رشدي .

الحب يا صغيرتي .. " إنسان "بخيره وشره هو " إنسان" وهي لا تفهم أني " إنسان " لم تفهم معنى كلمة " إنسان " 

هي أرادت أن تختصرني في كلمة :  " عاشق ، محب ، هائم ، شاعر" ربما ، لكنها لم تر الإنسان بداخلي وهو يحترق كعلب الدخان وهو يشتعل بين صفائح البنزين وهو يتلو سورة البقرة بين المقابر وهو يربط ضفائر الصغيرات اللائي لم يجدن من يهتم بأمرهن ، لم تعي أني كنت أتألم كلما سمعت مسيحيا يتألم وهو معلق على خشب الصلبان كألمي تماماً من عذاب مسلم ٍ علقوه على باب المسجد لأنه أراد أن يتعرّف على الله دون وساطةٍ من إمام المسجد أو شيخ القرية  .

لم تفهم أن الحب ليس قمقم  سليمان بل حكمته وليس سجن يوسف بل رؤيته ، وليس غضب الله بل رحمته .
نعم يا صغيرتي لا تقوليها أنا أعرف تماماً أن الحب كما يحمل في قميصه وردة يحمل أيضاً بندقية وكما يعشق هدوء الريح يعشق أيضا غضب المزهرية .

أنا أعرف كل ذلك يا صغيرتي ولذا  أوصيك ِ كي تحافظي على الحب بأن لا تحبسي الخيول المجنحة ، أن لا تضعي خيطاً من خيوط الشمس في أدراج ٍ مسلّحة ، أن لا تمنعي الحب من الرسم على الرخام ، من الكتابة في دفاتر الأيام ، من شيطنة الأولاد ، من الخربشة على الزجاج . دعيه من صدرك ينطلق ليكون نداء ً للرحمة وللمودة وللألفة فذلك أفضل من أن يكون منبراً للهدم كما هو الحال مع رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

أثق في صدرك ِ يا حبيبتي ، وفي قلبك ، وفي عقلك ، أثق أنك ِ تستوعبين ما أقول ، إن لم يكن الآن ففي المستقبل المنظور ، أثق أن مستقبلكم سيتجاوز هذا الجوع وهذا العطش.

 واثق أن عقلك سيكون أفضل من عقلي وأن قلمك سيكون أقوى من قلمي وأن ما اقتطعته من أشجاري مناشير الحكومة ستسترديه يا صغيرتي ، أثق أنك لن تخرجي بقوة السلاح وبقوة الصياح وبقوة الفقر وبقوة القمع وبقوة تكميم الأفواه من منزلك كما خرجت من منزلي .

أثق في زمنكم يا صغيرتي ، لأني أثق بك ِ ، وأثق في قلبك الذي هو بضعة مني بأنه مليء كقلب أبيك ِ بقصائد الحب ِ وبالشروق ِ وبالأصداف وباللآلئ وبالدبكة والموال .

أنا علي يقين أنك  ستتجاوزين كل الكذب الذي خلفوه لنا في الشوارع والمحطات والمكتبات وستخرجين من قمقم المخيال الاجتماعي والقصص الشعبية ومن المندسات خلف النقاب ومن الدشداشة والغترة والعقال والعمامة ومن البن البدوي الذي لا يعدّل إلا مزاج الخيام لتعدلي مزاج السنابل والحقول .

وأثق أنك ستتجاوزين من يتغنى بحب زبيدة لهارون الرشيد ، وحب قيس لليلى ، بحب ٍ يطعم الحيتان في قاع المحيطات ويطعم الملائكة في أعلى الجنان ، واثق أنك ستتجاوزين لحية العريفي الذي  خطب يوم الجمعة الماضية في مصر داعيا ً الناس أن يذهبوا للجهاد في سوريا في الوقت الذي ذهب هو فيه إلى لندن  ليجاهد مع زوجته الثانية في أفخم الفنادق وأحلى الميادين  .

وأثق أنك ستتجاوزين حركة الشباب الصومالية التي تبنت الهجوم على مجمع الأمم المتحدة في مقديشو نصرة للدين ، واثق أنك ستتجاوزين كل هذا الدم الكاذب والمنافق والمتطرف والإرهابي الذي تخلّى عن إنسانيته على قناة " الجزيرة " وعلى صفحة " العربية"  .


هناك تعليق واحد:

zm يقول...

الحياة آلم وأمل ! والصمت أمام وصايا الآلم !! لك الخير والجنه يا خالد !!!