الاثنين، 24 يونيو 2013

وصايا..5









صغيرتي ، أنا الآن في مجمع ٍ تجاري في وسط البلد ، أنتظر أن تفرغ أمك من التسوق.


أسأل نفسي : ترى بعد عشرة أعوام من الآن أعني حين تكوني في العاشرة من عمرك هل سيتيح الله الفرصة لي لئن تكوني معنا ؟


حبيبتي أود أن أخبرك ِ عن أخيك ِ .. نعم البارحة سألني :


بابا .. (هل يموت الناس في الحرب ) ؟


ما رأيك يا طفلتي ؟


أي قدر يحمل هذا السؤال من البراءة وأي قدر يحمل من الدم ؟ لعلي سأستشهد بشكسبير –بالمناسبة هذا اسم كبير عليك أن تعرفيه – مثل الدودة التي تنهش برعم الوردة العطرة ، أو لعلي أستشهد بعلي بن أبي طالب – أيضاً هذا اسم عظيم يجب أن تعرفيه – الدنيا خلقت لغيرها ولم تخلق لنفسها .


نعود لأخيك وللحرب ..


قلت له يا صغيرتي : الناس يموتون في كل مكان ، يموتون في الحرب كما يموتون على الدرب ، يموتون من الكراهية كما يموتون من الحب .


حاولت يا ريّان أن أبسط الأمور عليه .. لكن ليس هناك ما أبسطه فالحرب هي الحرب كما النار التي وقودها الناس والحجارة .


صغيرتي .. سيكبر"عبدالله " قبلك وسيفهم أن النقاب الذي نضعه على الكلمات لنخفي قبحها ودمامتها لا يمكنه أن يخفي الحقيقة وأن الحجاب الذي تضعه فتاة ما لترضي أسرتها المتدينة فقط لن يخفي حقيقة الوجه اللعوب الذي يرتع خلفه ، وأن الحرب التي نشنها على بعضنا البعض مهما حملت من مبررات ومهما كذبوا علينا في المحطات ومهما وضعوا من زينة وأعلام ومانشيتات لن تستطيع أن تخفي الخسارة الفادحة التي يدفع ثمنها " الإنسان" .


ريّان قولي لأخيك عني -إن لم أكبر معه ويكبر معي- : نعم يا بني ، نحن نموت في الحرب ويحيا السيف ، نحن نتمزق في الحرب ِ أشلاء في عز الشتاء وعز الصيف .


أخبريه أن حياتنا كلها "حرب" ننام على وقع القنابل ونستيقظ على وقع الدبابات ، ونأكل على صوت الباتريوت ونستريح تحت نخيل الهدن المؤقتة .


أخبريه يا ريّان أننا منذ ولادتنا ننشأ نشأة عسكرية ويطلقون علينا منذ أيام البادية أسماء ذات هيبة لها وقع في قلب العدو حتى أنهم يلبسونا منذ الصغر لباس العسكر ويدربونا كيف نقاتل في الأودية والجبال القبائل .


أخبريه أننا نعيش حتى الآن " عصر الركبان " وأننا من أجل التفاهة قد نقاتل .. واعرضي عليه الشواهد ، أخبريه أننا تقاتلنا لأربعين عاماً على ناقة وعلى خيل وأننا حتى الآن ربما قد نقيم الدنيا ولا نقعدها من أجل بعوضة لكننا أبداً –مع الأسف يا ريّان اخبريه – أننا لم نقاتل من أجل فلسطين يوما واحدا ولم نجتمع لأربعين يوماً لنشتم إسرائيل كما اجتمعت بني أمية لسبعين عاما لتشتم عليا فوق المنابر .


قولي له يا ابنتي: لم نتوحد ليومين فقط يا بني ليومين كما توحدت المؤامرة لتجعلنا ننحر بعضنا بهدوء ، نعم قالها أحد ساسة بني إسرائيل يا بني " دعوا العرب يقتلون أنفسهم بهدوء " .


صغيرتي .. قولي له : " أكثر السكاكين صلابة يضيع حدها إذا أسيء استخدامها " . ألم أقل لك أن شكسبير الكبير يستحق المعرفة .هل تتصورين أننا نعرف استخدام السكاكين خارج المطبخ ؟ هل يتصور عبدالله ذلك ؟ أو استخدام الخناجر خارج المناسبات واستخدام الدبابات والمقاتلات والصواريخ الحربية التي أنفقت عليها الحكومات العربية والخليجية ملايين الملايين خارج عيد التحرير وعيد الاستقلال وعيد الجلوس أو خارج العروض العسكرية ؟


اخبريه يا ريّان : يبيعونا سكاكين دون نصل يا بني حتى لا نسيء استخدامها في الخارج ، لكنهم حريصون جدا على تزويدنا بكل نصلٍ حاد كي نسيء استخدامه في الداخل .. نعم يا صغيرتي .. دعيه يقول : أغبياء .. حمقى .. ألم أقل لك ِ أن عليا الكبير يستحق المعرفة : " كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلا وعاء العلم، فإنه يتسع به"






صغيرتي .. انتهت والدتك من التسوق .. على ّ أن أذهب .. سأكتب لك لاحقا ُ


لاف يو


أبوك




ليست هناك تعليقات: