الخميس، 20 يونيو 2013

وصايا..2


صباح الخير يا حبيبتي .. أعني أتمنى أن يكون صباحكم أكثر خيراً من هذه العبارة المجازية التي نستعملها كل صباح في زمننا المنتهي النهار هذا .

هل تعرفين مرسي ؟ هل سمعتي عن رئيس عربي بهذا الاسم يا صغيرتي  ؟ عموماً لقد قام بقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا تصوري وهو المصري الإسلامي الذي لم يقاطع إسرائيل يوماً . لا عليك ِ الأمر يطول شرحه وبالطبع يحتاج لمعادلات سياسية عديدة حتى أوضح لك ِ كيف يتعاون المسجد مع المعبد .

أهم صورة أريد أن أريك ِ إياها هي صورة الإسلام حين خرج من المسجد واعتمر قلنسوة تشبه قلنسوة طالبان ومن ثم راح ينحر الناس بحسب انتمائهم وطائفتهم وأحيانا بحسب الهوية ، طبعاً لست بحاجة أن أخبرك أن هذه القلنسوة ليست حكراً على طالبان فجبهة النصرة ترتديها في الشام الآن وحزب الله يرتديها في لبنان الآن والقاعدة ترتديها في العراق الآن ، ولن أبالغ إذا قلت أن كل شيخ ٍ سني ومعمم شيعي بات يرتديها ليحكم ويأمر ويصادر ويمنح ويسلب ويقتل ويؤلب ويحرض ويتراجع ويتقدم ويغتصب ويركب باسم الله على كل منبر ٍ وصرح .

صورة بشعة صغيرتي ريّان عن دين جاء ليكون دين الرحمة والسلام وحض الناس على المحبة والألفة والتعايش.. لكن ماذا علىّ أن أفعل وأن أقول.. يجب أن أسجّل لك التاريخ كما هو الآن ، يجب أن أريك ِ أن الإسلام حين خرج أو حين أخرجوه من المسجد ليتجه للمجالس النيابية  والجامعات وللمؤسسات العسكرية والثقافية والمدنية وليجتاح المبرات والهيئات أصبح مجرما ً وإرهابيا ً في كل محطات وقنوات الأخبار وفي الصحف والمجلات وكذلك في المطارات يا صغيرتي حيث أصبح أصدقائنا من المنتمين للإسلام يعانون الأمرين في كل رحلة ٍ وعند باب كل قطار ، ربّما لن تفهمي ما أحاول قوله وأنت في هذا السن الصغير لكنك ستفهمين كل كلمة سجلتها فيما بعد .. دعيني أكمل لك يا حبيبتي .. نعم قلت لك أنه أصبح إرهابيا وستقرئين ذات يوم أيضا عن أسامة بن لادن وعن الزرقاوي  والقرضاوي كما ستسمعين عن الحجاج وعبد الملك بن مروان وعن تاريخ ٍ أسود لا زال يعيد نفسه  وينتشر مثل الفيروس حتى الآن   .

لا أدري إذا كان عصركم سيفجر ذات يوم مخرجاً كبيراً وعظيما كمصطفى العقاد لأنه رفض أن يكون قاتلاً مأجورا  ً يضع على رأسه كاميرا دينية متطرفة تؤذي الناس أكثر مما تنفعهم ، هل تعرفين يا حبيبتي أنه قتل لأنه أراد أن يقول للناس من خلال فيلمه ( صلاح الدين) أن الإسلام دين سلام ، لكني متأكد أنكم ربما في زمنكم لن تضطروا إلى تغييب عقل مثل عقل العقاد في دهاليز الوهم وسجن كاميرا المنطق في سجون الغيبيات .

ربما أيضا في زمنكم لن يتمكن صاحب اللحية الطويلة والثوب القصير أن يسيطر على الناس ويخضعهم لهيمنته الروحية والدينية والفكرية ومن ثم يحول حياتهم إلى جحيم ٍ لا يطاق بعد أن يخبرهم ويقنعهم أنه يعمل جاسوساً لدى الله وأنه الوصي عليهم . بالطبع سيجد من يصدقه يا صغيرتي فالهمج الرعاع لدينا كثر وستجدين عندنا من يخرج ويدافع عن لحيته فقط لأنها لحية شذبت وفق الطريقة الإسلامية وهي أبعد ما تكون عن الإسلام في الروح والمضمون .

ربما أيضاً في زمنكم لن يخرج شيخاً على منبرٍ مزخرف بالطريقة الإسلامية أيضاً ليقول للناس " لو أن محمداً بعث من جديد لوضع يده في أيدي الناتو " لا تضحكي يا ريّان .. نعم لقد قالها وفعلها .

ربما يدهشك الأمر حين أخبرك أن البوذي أيضاً تحول لقاتل مأجور شأنه شأن باقي المتطرفين للأديان السماوية والوضعية على الرغم من أن الدين البوذي لا تسمح نصوصه ولا طقوسه بذبح نملة ، تصوري اليوم تجاوز البوذي النملة وذبح إنسان .

نعم يا صغيرتي ، نحن الآن نعيش زمن القتل والقمع والاستبداد ، كل ما حولنا قاتم ، منظر الدم في كل مكان ، أتحدث بطبيعة الحال عنا كعرب أما الغرب يا صغيرتي لا زالوا في تطورهم وتقدمهم رغم كل اتهامات مشايخنا لهم بالكفر ، لا زالوا ينقبون المريخ بحثا ً عن الأوكسجين والحياة ، ويركبون القمر في رحلات ٍ استكشافية ، ويحاولون أن يعيدوا كويكب فر من مداره لمساره الطبيعي، ومع ذلك يا صغيرتي يذهبون في أيام الآحاد إلى الكنيسة ليزورون "يسوع" دون أن يقتل بعضهم بعضا أو يفجروا بعضهم بعضا .

 أما نحن فلا زلنا نتناقش حتى الآن : ( في قضية الحمام وقضية الأقدام ) و ( كيف يقتل السني الشيعي وكيف يذبح الشيعي السني ) و( كيف نقضي على بعضنا البعض دون الحاجة لتدخل خارجي ) و ( كيف نحيي الفتنة ونتمسك بها ) و(كيف نفعل كل ما يبعدنا عن السماء ) وكيف نطلق مناظرات لا تعد ولا تحصى عن الفرقة الناجية التي ستدخل الجنة -بالطبع يا عزيزتي كل فرقة تدعي أنها الناجية  – وأن البقية أعني الفرق الباقية التي آمنت بالله ونطقت الشهادة وآمنت بمحمد نبيا وبالإسلام دينا كلها يا صغيرتي ستأوي إلى جهنم .

أما أنا يا صغيرتي ، لا زلت لا أعرف حتى الآن إلى أين سآوي ، الخيارات صعبة ، والوصول لأرنب يعيش ربما على زحل أسهل من الوصول للجنة ، والوصول لجهنم بالطبع أقل سهولة ، لكني على أية حال يا حبيبتي حتى الآن أتخذ موقف الأعراف وأعيش بفطرة ٍ أراهن يا صغيرتي أنها لا زالت بخير رغم كل هذا الدم المنتشر حولي .

ربما ستتمنين لي الجنة في ضميرك الآن .. أشكرك يا صغيرتي .. على الأقل أمنياتك الطبيبة تجعلني الآن وأنا تحت التراب أفكر بحسن نية عن ذلك المكان الجميل الذي ليس فيه " جوانتانامو" وليس فيه خمسة ركاب كانوا على متن طائرة مصرية هبطت اضطراريا في بريطانيا يطلبون اللجوء ، وليس فيه محطة إخبارية تصيبنا كل لحظة ٍ بالصداع حين تبث مشهدا لمسلحين يقتلون ثلاثة لبنانيين شيعة وتركيا في شرق لبنان أو تبث مقطع فيديو لمتطرفين شيعة في العراق يذبحون خمسة سنة ) . وليس فيه 20 جريحا في انفجار ، وليس فيه إسرائيل تعارض إقامة دولة فلسطينية وليس فيه مستعمرة وليس فيه بوتين ولا أوباما ولا الجامعة العربية.

والأهم يا  صغيرتي أن تكون " الجنة " خالية من النفط والغاز والبرامج النووية والعسكرية ومن وزراء الاقتصاد والخارجية ومن البرلمانات وبالأخص العربية وإلا صدقيني يا صغيرتي لن تفرق جنتنا عن جهنّم في شيء .

صغيرتي لا بأس سأحدثك غداً فالألم استيقظ الآن في كتفي وصدري -كما هي العادة حين أكتب- لن أتأخر عليك كثيرا ً..  تماسكي وحافظي على براءتك .

أبوك


ليست هناك تعليقات: