الأربعاء، 19 يونيو 2013

وصايا ..1


صغيرتي .. هذه الأيام .. أعني في وقتنا الراهن لأنك لم تعيشي بعد معنى الأيام .. اختفت تدريجياً المآذن والعصافير والأشجار والأحلام .. لم نعد نخبئ في جيوبنا هذه الأيام زهرة أو بطاقة معايدة لم نعد نخبئ إلا رصاصة تحمي قمصاننا من 
القتل .
ريّان يا حبيبتي .. لا أدري كيف ستكون الأيام حين ستكبرين لأني ربما لن أكون موجودا ً مثلاً سأكون في عوالم أخرى أحاول
 التغريد والكتابة إليك ِ دون أن تريني .. ربمّا .. لكن عليك يا صغيرتي أن عشت ِ أن لا تصدقيهم حين يقولون أن مرفأ البحر أزرق اللون،  أن الصحراء لا تقتل لأن شموسها دائخة ، أن الشعر يرسم رحلته للآفاق ، عليك أن تتأكدي أن الطيور التي تحلّق في الأبعاد حقيقية مثل الموت وإلا فإني أدعوك أن لا تصدقي شيئا ً أبداً .

ريّان .. ربّما أنت ِ الآن تعيشين عصراً من التنوير لم أستطع رغم عقلي المتنوّر جداً أن أعش فيه ، ربّما أنت ِ الآن في هذا العصر المتطور جداً تضحكين على فلسفة الروّاد في فلورنسا وروما وأثينا وقرطبة ، ربّما أنت ِ الآن حتى المدن التي كنا نعرفها لا تعرفيها مثلاً أنت ِ الآن لا تعرفي أن سوريا تشتعل أن بيروت تقتل ساكنيها، أن العراق لا زال كل يوم يصدّر لنا نسخة أخرى من كربلاء ، ربما أنت ِ لا تعرفين أيضاً أن هناك بلداً اسمه السودان- بالطبع سكانه من ذوي البشرة السمراء يا ريان لست بحاجة أن أقول ذلك – وأنه  حتى الآن يعيش بلا أسوار أو أحلام .

ريّان .. هذه الأيام نحن نخاف من الماضي كما نخاف من الحاضر كما نرتعب من المستقبل ، كيف هي الأيام معك ، هل أنتم مثلنا ؟ تخشون من الكلمات والأفكار ونغمات الغيتار ، لا أدري لكني أشعر أنكم لن تكونوا مثلنا أبداً ، أشعر أنكم ستعيشون بلا تاريخ يتكرر كما هو في بلاد العرب ، بلا جثث ملقاة وكأنها الطريق في بلاد العرب ، أشعر أن زمنكم لن يجبركم كما يجبر بعض من أعرفهم من ( السنة والشيعة .. الخ ) أن يحملوا آلهتهم على أكتافهم ويذهبون للحرب في بغداد ودمشق ومصر واليمن هناك حيث الكل يقاتل من أجل آلهته والعدو يقاتل من أجل آلهته- بالطبع يا صغيرتي- الآلهة لا تعرف شيئا عن قتالهم وعن مذاهبهم وعن طوائفهم وعن تعصبهم وعن كفرهم وعن عهرهم  لأنهم يتحدثون باسمها ويعقدون صفقات الجنة والحور العين وأنهار الخمر واللبن ومن سيدخل ومن سيخرج ومن سيمنح كوبونات جهنم دون الحاجة لوحي أو رسول أو كتاب فنحن في زمن ٍ يا صغيرتي ريّان أصبح فيه كل إنسان منا إله .

لا أدري عنكم .. لكننا اليوم ندفن أكثر من خمسين عراقياً وعشرة من الفلسطينيين ماتوا في انفجار في وسط غزة ، أيضاً كان يدافعون عن آلتهم كالذي فجّرهم تماماً . لكن هناك أيضا ً أخبار مفرحة مثلا في إيران يحتفلون بانتخاب الرئيس الجديد على فكرة يرتدي عمامة على رأسه وأيضاً يدافع عن آلهته تماماً مثل الذي أخبرتك عنهم .

 في بلدي الذي هو مجازاً ربّما بلدك الذي لم تريه بعد يحاولون أن يكملوا شبكة الاتصالات في القرى الريفية بالطبع يا ريّان هي سيئة حتى الآن في المدن لكنه خبر سار على أية حال أليس كذلك ؟ تصوّري ونحن في أي ألفية لا زالوا هناك يشحذون 
التكنولوجيا .
أمّا في الكويت حيث هاجر خالد .. هذا اسمي بالمناسبة لا أدري إن كان سيعني لكِ شيئا ً في العصر الذي أنت ِ فيه الآن لكنه إن أردت ِ معرفي رائي فيه قد انتهى شكلاً ومضموناً فهو اسم مخادع صنعته الحكايات والخرافات والأساطير التي 
تسللت بين العصور .

عموماً يا صغيرتي هنا حيث هاجرت أشعر أننا سنلتقي في بيت ٍ لا أعتقد أننا سنجد في زاوية ٍ من زواياه مصيبة ، أو نعثر تحت أريكة من أرائكه على جسد ٍ نازف الشريان ، أو تضطري أن تجادليني على شيء تحبينه .

أبوك رجل طيب يا ريّان ، لا يقمع الحريات ، لا يصادر الأفكار ، لا يسجن الأحلام ، لا يرغم أحداً حتى لو كان هذا الأحد 
أنت ِ أن يلقي النقاب على ناهد ٍ لا زال يعيش سن الطفولة .

حتى أمك يا ريّان .. امرأة طيبة جداً .. وشهية بل أنها أشهى من الخمر المعتقة ، ربما تسألين نفسك هل أحبها ؟
بالطبع يا صغيرتي .. فأمك لم تبعني حين باعتني امرأة كنت أحبها من أجل أن يلاقي كل منا قدره ، بل كانت شجاعة جداً وصنعت القدر وتحدت كل امرأة صعلوكة وقذرة كانت تحوم حول قلبي وأمسكت بطلائها وطلت قلبي بلون ٍ حتى الآن يشعل في دمائي الدهشة ، آه ٍ يا صغيرتي لا أدري ماذا أقول عن أمك ِ لكن تأكدي أنها تينة عطرة ، أتذكرها الآن وهي تقول لي لن 
أرغم ابنتي أن تجر نعاجا من الأفكار في مراع ٍ لا أخضر فيها كما اضطررت إلى جرها .

كانت تقول أيضاً حسبما أتذكر : ريّان يجب أن تعيش حرة ، يجب أن لا تعيش كما عشنا مثل الميت الذي خرج من قبره وظل 
يبكي صحبه ، لا أريد لابنتي أن تقف يوماً قائلة كما قلت : رحم الله أيام الحديقة وأيام الماء وأيام اللبن .

حسناً .. رأيت ِ أننا نحبك جداً .. اسمحي لي الآن أن أذهب للراحة فأنا متعب يا ريّان آه نسيت أن أخبرك ِ أني أعاني من 
علة ٍ تجعلني أبدو أكبر من سني بكثير وتجعلني بعد كتابة كل نص ٍ أبدو وكأنني ساقية معطلة .

اشتريت لك لعبة .. العبي حتى أعود . محبتي
أبوك .




هناك 3 تعليقات:

Unknown يقول...

عظيم يا خالد الخالد!
سأهديها إلى حارث ومي أبنائي الذين لم ولن يأتو
لأن أباهم فشل في المحافظة على أمهم والتي هي أنا!!
شكرا لكل هذا الوجع يا خالد..
بدأت أشعر أني مريم بعد شهور عدت مريم
تقديري

Unknown يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
aspiring love يقول...

الفكرة باذخة ..
توجع متكرر بأسلوب منفرد ..

أحببتها ..!!

مودتي،،

دفء