الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

الشخصية العربية والموروث

الشخصية العربية لا زالت تعيش بين تشتت الماضي وتراثه وبين حاضره العلمي وتصادمه الثقافي مع الحضارات الأخرى ، مما أدى إلى خلق معادلات عديدة من التناقض والانفصام في سلوك وثقافة العربي .
فالشخص العربي لا زال أسيرا لكهوف الموروث فقط ولا زال مقيدا بفكر العادة والتقليد أكثر من الفكر المبني على المنطق والبحث العلمي والتحليل والدقة والاستفادة من الحضارات السابقة ، لهذا نجد نصف سكان العالم العربي يعيشون بعقليتين وبثقافتين ، فلا زالت الشخصية العربية تعيش بعقلها وعقل آبائها وبثقافتها التي اكتسبتها عن طريق العلم في عصرنا الحالي وعن طريق الثقافة التي ورثتها عن طريق الآباء والأجداد والموروث .
لهذا نجد أن إيقاع الشخصية العربية في عصرنا الحديث لم يتغير كثيرا عن العصر القديم فلا زالت الشخصية العربية تنأى بحالها عن دراسة حركة التاريخ والمتغيرات الإنسانية والمتغيرات الزمكانية ( الزمان والمكان ) لذلك نجد أن تلك الشخصية لم تسهم إسهاما بناء ً على أيدي مثقفيها في خروج الأمة العربية من أزمة تخلفها إلى واقع الحضارة الحديثة التي نعيش بين كنفيها .
وربما يعد من أهم أسباب ذلك أن المجتمعات العربية والإسلامية تحديدا تنبذ المثقفين فيها وتركلهم وتلصقهم بالخارج لمجرد أنهم أتوا بفكرة جديدة أو استحدثوا طريقة غير طريقة المنطق المبني على التفكير اللاهوتي فيها ولمجرد أنهم استخدموا وارتكزوا على علم المنطق والفلسفة الذي يخالف من وجهة نظرهم منطق وفلسفة رجال الدين في حل عوامل أزمة التخلف ، مما أدى إلى ربطهم بالغرب وترسيخ مفهوم أنهم غربيون ومتأمركون في المجتمعات التي يعيشون فيها .
الغريب أننا نجد أن الثقافة الغربية هي من انتصرت في مفهومها الثقافي والمعرفي للأشياء رغم أن ثقافتهم وبحثهم المعرفي انطلق من الطبيعة منذ ما يقارب 400 سنة تقريبا في حين أن الثقافة العربية والإسلامية انطلقت قبل ذلك من الإنسان والروح إلا أن الجانب الإنساني والروحي لم يقدم للشخصية الإسلامية والعربية الأولوية والصدارة في الجانب المعرفي والثقافي رغم أنه الأدق والأصوب وهذا يشير إلى خطأ ما في طريقة النظر إلى الأمور وإلى الحكم على الأشياء والسبب يعود إما لنقص في الوعي والإدراك في الإنسان العربي والإسلامي وإما في أن الأدوات التي يستخدمها في البحث والتحريك والتمحيص إذ ربما تكون الأدوات التي يستخدما أدوات متخلفة أكل منها الدهر وشرب هذا إذا كنا نؤمن حقا أن ( الروح – الإنسان ) أهم منطلقات المعرفة .
خصوصا أن المفهوم الثقافي والمعرفي في المجتمعات العربية والإسلامية قائم على أساس الدين الذي يرتكز على روح الإنسان ونفسه إلا أننا نجد أننا في شرق المتوسط نتجنب الخوض في روح الإنسان ونفسه وفي نقاط قوته ونقاط ضعفه وفي إقصاء الموروث ولو قليلا عنه لدراسة النفس الإنسانية وحاجياتها من واقع المكوّن نفسه ومن واقع المنهجية العلمية لمتطلبات وحاجيات ورغبات تلك الروح .ولذلك تجد أن كل فكرة يأتي بها المثقف العربي للتجديد والحداثة مرفوضة فالموروث الديني بكل ما فيه من أوهام أصولية أو إضافات رجال الدين أو سلطتهم أو سلطة القادة الذين يجترون الفتاوى من رجال الدين من أجل تكفير كل مثقف أدلى بدلوه معتمدا على المنطق مبتعدا عن الموروث إنما هي صورة تقريبية تؤكد لنا أن أهم وسائل الانطلاق من الذات ومن النفس الإنسانية معدومة ، وأن ما أنطلق منه الدين لم يتحقق بل تحقق ما أراده القادة ورجال الدين الذين قاموا بإقصاء الدين نفسه الذي قام على ( الإنسان وروحه ) وعلى العقل الحر والفكر النير ربما بسبب خشيتهم أن تحدث في المجتمع ثورة تشبه الثورة التي أحدثتها المجتمعات الأوربية على الكنيسة.
والمتأمل حقا في الشخصية العربية يجدها بعيدة كل البعد عن إحداث تلك الثورة التي يخشون أن تقع فالشخصية العربية شخصية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالشخصية الإسلامية والتاريخية ومن يتأمل حتى في مقالات وكتب المفكرين العرب يجد أنها لا تشير لا من قريب ولا من بعيد على إحداث مثل تلك الثورة على الدين وإنما هي لا تتعدى المطالبة بإحداث نوع من التغيير في أنماط التفكير وفي ابتداع طرق لمعالجة الأزمات مبنية على المنطق والتحليل العلمي دون الضرب في الدين وفي أدواته .
المصيبة أننا كعرب وكمسلمين ننتمي إلى حضارة ورثت كل حضارات وفكر ومعرفة الشرق القديم ومع ذلك لا نزال نقف في نفس المكان ولا نتحرك خطوة إلى الأمام في حين أنه يجب علينا الاستفادة من كل تلك المعرفة التاريخية وأن نستفيد من كل ذلك الوعي البشري ودوره الأساسي في تحريك وتغيير التاريخ .
نحن لم نقل ولا نقول أن علينا نبذ الموروث ونبذ الدين كما يقول الغرب لكننا نقول يجب أن نكون موضوعيين في نظرتنا للموروث تحديدا فالشرق أقدر من غيره على التطور وأجدر بذلك فعليه أن ينطلق من الطبيعة الجديدة والمعرفة الجديدة والعالم الجديد الذي يعيش فيه وأن ينظر إلى الوعي الكوني ودوره في تحريك وتغيير التاريخ كما ينظر إلى الموروث الذي لم يغير فيه إلا خريطته النفسية نحن بحاجة إلى تغيير الخارطة النفسية كما نحن بحاجة إلى تحريك التاريخ وتغيير مساره والاستفادة من الموروث كما الاستفادة من تجارب وخبرات حضارات الشرق القديم من أجل التطوير والتغيير والتحريك والصدارة .

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

والله صدقت ايها العلوي الرائع والله صدقت اننا نعيش حالة تمازج غريبة الله يشفينا منها قول امين