الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

عرب صليم

من فضــــلِ الله عليّ أنه منّ عليّ بذاكرةٍ تساعدني دائماً على تذكر أصدقائي وأحداث أصدقائي وذكريات أصدقائي .. و من هنا ، خاصةً لك أنت أيها الصديق الذي لا يعلم أنني سأكتب عنه .. ولا يعلم أنني سأفتح قلبي عنه ..ولا يعلم أي شيء ٍ عن المنتديات وعن الصفحات التي سأتحدث فيها عنه .. سأتحدّث .
نعم أنت لست نصر الله ، و لا صليم ، و لا العقاد ، و لا البحتري ولكنّك أعلم عنّدي و أفضل من هوميروس و أحمد مطر وناجي العلي وطفولة أحمد عرابي .قلت لي ذات مرّة ونحن نستفيض في حديث ٍ عن الذكريات ، أنك تتذكر جيدا حكاية سقوطك من على سطح المنزل حين كانت فوهة المدفع تقذف منزلك من على الجبل المقابل لقريتك الصغيرة والجميلة ( عرب صليم ) ، قلت لي أنك حين وقعت على الأرض وقع معك التاريخ والتوقيت واليوم ولحظة الهجوم الغاشم على قريتك .
قلت لي أنك لا زلت تتذكر حادثة قبل حادثة وحكاية بعد حكاية ، كنت تجري مرّة في القرية لتشاهد الألعاب النارية ، والدّخان ، والسباقات ، والملاحقات ، حتى أعترض سنّك الصغير جنّدي أمسك بتلابيب ثوبك الصغير قائلاً لك : " عاشت إسرائيل " لم تك تعلم ما هي إسرائيل ، ولم تك تعلم لماذا يحاول أن يفسد هذا الفم الكريه فرحتك بمشاهدة الألعاب النارية ، لكنّك بعد سبق دقائق وبعد أول جرح ٍ ترسمه السكّين عرفت ماذا تعني إسرائيل .. وعرفت أن الألعاب النارية لم تك إلا قنابل وقذائف صاروخية تحتفل بتشويه قريتك الحبيبة ..... ( عرب صليم ) .
جرّتني ذكرياتك إلى تذكّر أحد الأصدقاء في حديثه عن نشأته ،فقد كان يتجلّى في حديثه وبكل فخر ٍ يخبرني عن ترفه ِ ودلاله .. وغنجه الأشبه بغنج الإناث ، يخبرني عن بأس أبيه وسلطته ونفوذه وكيف أنه لا يطلب شيئا منه إلا وناله ،وعن دلال والدته له التي أعطته عين العصفور قبل لبنه ..!يحدثني عن المصّيف وكيف أن أبيه يرغو ويزبد في وجه كل من تسوّل له نفسه أن يلمس أو يتعرض لقطته المدللة بلسان ٍ أو ساق !!
يتحدث ويتحدث ويتحدث، عن الراحة ، عن السعادة ، عن المال ، عن الملل ، عن أبيه الذي قرر أن يشتري منزلا في لندن وكان يريده في سكتهولم، أحسستُ برغبةٍ مُلحّة في التقيّؤ ، قلتُ له : أعتقد يا رفيقي أنّك لا تعرف شيئاً عن حياة الآخرين ، عن إنسانية الآخرين ، عن أمراض الآخرين ، عن جوع الآخرين ، عن استشهاد الآخرين ولا أعتقد أنك سمعت بفلسطين إلا مجازا أو صدفة ، ولا أعتقد أن ثقافتك المترفة جعلتك تسمع مثلا ً عن قرى في جنوب لبنان كـ " النبطية " و " جرجوع " و " حبوش" و" عرب صليم " على الإطلاق ، فأومأ برأسه مؤكدا ً أنه لم يسمع بالأسماء الأخيرة وأما فلسطين فسمع بها طبعا من نشرة الأخبار .. يا الله .. ..يا الله .. يا صبر أيوب على بلواه .!!
ازدادت رغبتي بالتقيؤ ومع كل كلمة ٍ كان يقولها تقفز إلى ذهني صورتك يا صاحبي العزيز ، صورتك وأنت تركض بين رصاصات إسرائيل ، صورتك والسكين تمزّق فخذك الصغيرة ، صورتك وأنت تسقط من على سطح المنزل لأن شظية خاطئة أصابت السطح فأردتك على الأرض كبيرا في عين الله وملائكته وصغيرا في أعين الجبناء ، صورتك وأنت لا تصيّف إلا في كلمة " لا حول ولا قوة إلا بالله " صورتك وأنت لا تشتري إلا " الله اكبر " صورتك وأنت تشيّع كل يوم ٍ قتيلاً من أهلك ، صورتك وأنت تحاول أن توقف النزيف المندلع من جبين أخيك .. ..!!
صورتك وأنت تحدثني عن الطفولة " طفولتك " .شتّان يا صاحبي شتّان بين حياة عمر الشريف وعمر المختار ، شتّان يا صاحبي شتّان بين من يعيش عيشة الاستحمار .. وبين من يعيش عيشة الاستغفار ... بين من يحمي وبين من يبيع .. بين من عطره العرق وبين من عطره الإتكال ... بين من تقول كل أعضاءه بصوت ٍ واحد يا " الله " وبين من يقولها بصوت ٍ مفرد ٍ عنوانه " العادة " . شتّان .!!
21-5-2005

ليست هناك تعليقات: