الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

الموت يترامى حولي حين أكتب

لماذا تحدث لي كل تلك الأشياء حين أتذكرك ؟ لماذا يترجل عقلي مني ويذهب إلى سوق الجياد ليمتطي جوادا يقطع به المسافات ليلحق بأفكاره التي انطلقت خلفك؟ !

لماذا يقفز قلبي مني إليك وكأنه بهلوان مغامر لا يخشى أن تؤدي به حركاته الخطرة إلى الموت أو الشلل مقابل أن يسمع صوت صفقة واحدة أو ثناء واحد من فتاةٍ تعرف أن البهلوان الذي عرض نفسه للموت يعشقها ؟!

لماذا تتغير الأشياء العادية التي كنت أقوم بها قبل أن أراك بصورة عادية ؟ لماذا يتحول عملي الكئيب في لقاء الأشخاص الذين لا أطيق رؤيتهم إلى عشق لتقاسيمهم وأسمائهم وأشكالهم كلما رأيتك تطلين علىَ من خلالهم ؟

لماذا تتحول قراءتي الروتينية للجريدة بأخبارها المملة إلى شغف ٍ لا يمل كلما رأيتك تركضين بين صفحة الإعلانات المبوبة وتختبئين بين الكلمات المتقاطعة وتضحكين لي من افتتاحية رئيس التحرير وتعانقيني أمام مانشيت الصفحة الدينية ؟

لماذا تصر يدي أن تصبح كناسا يزيل الامتعاض الذي خلفه الأسى على خديك والكنّاس نفسه ينسى الامتعاض الذي أمتلئ به خده ؟

لماذا تلح أبجديتي أن تختار أجمل الكلمات وأكمل العبارات من دكان اللغة حين تريد أن تحدثك وأبجديتي نفسها حين تريد أن تحدث نفسها تلتقط البالي والمهمل من ذاك الذي تركوه خارج دكان اللغة ؟
لماذا حين تبصر عيني يدك ممسكة بمقبض الباب تتمنى أن تصبح مقبضا وتتمنى أن تصبح باب ؟
لماذا تكون كل أحاسيسي رافضة لكلمة " الحب " حين تراك رافضة أن تحتويها هذه الكلمة التي لا تحمل مني سوى أربعة أحرف ؟وحبك حتما أكبر من الأحرف ومني ومن قاموس الأبجديات .
ماذا تفعل عيناك في جسدي ؟ ماذا يفعل عقلك ؟ ماذا يفعل حسنك ؟ ماذا يفعل ذاك الشعر الطويل بيدي حين يداهمها كليل ٍ ليس له آخر ؟
كموسى و بني إسرائيل أغدو حين أراك أتوه مني في صحرائك لأربعين ليلة كل ليلة ٍ بسنة .
كأيوب ٍ قلبي يسقط مضرجا بالأوبئة والصبر كلما رآك تتمنعين عنه لأربعين سنة .
كذي النون عقلي يسجن في بطن حوتك حين تقسين على أفكاره فلا يلفظه الحوت إلا إن آمن بأفكارك.
كالرهبان الذين كلما سمعوا الذكر فاضت أعينهم بالدمع تصبح عيني كلما سمعت بذكرك .
كالبركان الذي كلما فار تنوره أجهش بالحمم يصبح قلبي كلما فار تنورك .

لماذا حين أشتاق إليك أشعر أني أملك موهبة النحت أكثر من دافنشي وأجيد قراءة النجوم أكثر من غاليليو ؟
ولماذا حين أفقدك أشعر أني سأبحث عنك بين أكوام القش كما لم يفعل آينشتاين في بحثه عن الإبرة المفقودة وسألح في طلبك أكثر من إلحاح يهوذا على التوبة بعد أن خان يسوع .

لماذا حين تغيبين عني أشعر أني سأعيش لأموت قبل أن أشهق الشهقة الأولى ، لماذا أظل أتمنى لحظتها أن أملك قرار دخولي إلى الحياة لألغي القرار قبل أن أدخل .
لماذا أظل أقول ما فائدة العيش والولادة في عالمٍ كتبت شهادة وفاته قبل شهادة ميلادي .

لماذا حين تغيبين أشعر أنني أحمل عشرات الفلاسفة من أولئك الذين لا ينفكون يتقاتلون داخل ردهات عقلي من أولئك الذين يطرحون أسئلتهم عن كل شيء عن الرب عن اليوم الآخر عن نار مالك وفردوس رضوان عن الإلحاد عن الكحول عن أنهار الخمر واللبن عن الماضي الذي كنت فيه أعيش
عن هذا الموت المترامي حولي حين أكتب ،
عن الحاضر الذي أصبحت أموت من خلاله حين أكتب ، عني حين أسكب الحرف حين أنقش العبارة حين أرسم الكلمة حين أزين الجملة حين أدون المفردة حين أرفع المبتدأ وأنصب الخبر ، حين أسأل نفسي الآن ما الفرق بيني وبين جاري الطيب الذي مات قبل أمس ؟
لماذا أظل أردد أن الفرق في الروح وأنا نفسي أقسم أني استطيع أن أحصي حتى المليون أناس موتى وهم على قيد الحياة يعيشون بلا روح ولا طعم ولا لون

لماذا ؟ تحدث لي كل تلك الأشياء وأنت لست معي ؟

ليست هناك تعليقات: