الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

خواطر مريض لم يطب بعد

الأرض من تحتي تهتز ، والسماء من فوقي ترتعد ، والكون من حولي يبتعد بخطوات ثقيلة نحو التلاشي ، رباه من أنا ؟ متى جئت إلى هنا ؟ كيف جئت ؟ سألت الكثير ممن حولي ، لا أحد يعرف ، جئت من أي رحم ؟ من أي مرحاض ؟ من أي مصيبة ؟ من أي كوكب ؟ من أي قبر ؟ لا أحد يعرف ، أشعر أني عاري بدون كساء ، وبدون وعاء ، وبدون وجهة ، أشعر أن نوايا العالم ليست حسنة ، وأشعر أن نواياي لا تساعدني على الحركة !
أوه ، أشعر أن عيون العالم تترصد نظراتي ، هنالك شيء لا أفهمه ؟ لماذا تشرق الشمس ؟!!الوحدة تهجم علىّ مرة أخرى ، والغيوم تواصل تحليقها فوق سمائي ، والهموم هذا المساء تصر أن تحتسيني مع عشرين ملعقة ملح ، غداً علىّ أن لا أنتظر الشروق ، علىّ أن اضغط على عيني لتبكي ، وأن اضغط على أعصابي لتحترق ، وأن اضغط على مساماتي لتطفح العرق بشكل وافر ومقرف ، علىّ أن أتساقط من عين نفسي كالمطر حين يبكي بدموع ٍغزيرة ، علىّ أن لا أندهش، فأنا أكبر خطيئة وضعت قدميها على الأرض .كيف حالي ؟
الوصفة التي كتبها الطبيب تخبرني عن حالي ، فيروس الكبد الوبائي ( حامل للمرض ) ، مع حساسية شديدة ضد العالم ، مع ألم ٍ شديد في الركبة ، مع قصر نظر شديد يجعل الصداع صديقا لرأسي ، أوه ، كم أمقت الصداع حين يتكاثر في رأسي ، اشعر حينها أن رأسي يكبر حتى يضاهي العالم ، وأشعر أن هذا العالم المضاهى ملئ بالمستنقعات التي سرعان ما ينمو بجانبها طور جديد من النباتات الوعائية ، التي تنمو وتتوالد بسرعة بيد أني أشعر أن رأسي لم يعد يحتمل المزيد ، من يستطيع أن يقول للصداع لا ؟ لا أحد يستطيع ، فكيف استطيع أن اقول للفيروس لا ؟ ، وأقول للحساسية كلا ؟ ، وأقول ألا قد شهت يا ألم الركبة ؟ كيف ؟ لا أحد يعرف .كليتي ، تنتظر توقيع الأوراق لتُسرق مني ، وبعدها سأعيش على مصفاة ٍ واحدة للدم ، غدا على أن أسير بها طويلا كنوع من الامتنان على ما قدمته طيلة السنوات الماضية لجسدي ، سأقوم بجولة عريضة معها ، أريد أن أتلاشى فالموقف أصبح شديد الوضوح ، اغضبوا مني ، اشتموني ، لن أرد ، لن أقول كلمة واحدة ، حتى كلماتي الماضية سأشطبها ، حتى ملامحي سآخذها معي قبل أن تأخذوها ، أريدكم أن تنظروا إلى بحقد وبكره شديد ، فأنا أكرهكم وأكره حياتكم ، سأموت إنسانا كخالد .
لا أعرف حقا إن كنت أستطيع النهوض غدا لوحدي ، أخشى أن يتأخر الأصحاب ، لماذا أخاف أنا ؟ الألم يبدو هادئا حتى الآن ، علىّ أن أبدو أكثر اتزان وحكمة ، على أن اسحب يديّ من تحت الوسادة واضعها على الأرض ثم أنهض ، رؤوس أصابعي ستساعدني على النهوض ، لا بد أن اذهب بقدمي للقعود حيث لا أحب ، يجب أن أعوّد نفسي على ذلك مذ الآن ، فابنة البحر التي كانت تقول لا تفعل ، ذهبت في رحلة مزاج قاتم ، ساعد قوتي على التبخر !
قبل خمسة أيام وفي مثل هذا الوقت ، كنت أضحك ، لم أنم طوال الليل ، كنت أواصل متعة السهر ، كنت أقوم بحفلاتي الليلية الخاصة بين القصاصات وأدمغة الآخرين ، لم يك ُ في وسع أحد أن يعرف كيف أتنفس ، وكيف أتحمس ، الآن الكل يسمع صوت أنفاسي ، والكل يعرف أني فقدت الحماس ، وفقدت من كنت أتحدث معه ، الآن أنظر إلى وجهي المصفر فأرى إنسانا أخر لم ألفه من قبل ، ولا أعرفه ، إنسان أبعد ما يكون عني ، ليس بيني وبينه شبه سوى الصورة !
تمتعوا بالغباء من بعدي ، تمتعوا بالشر ، تمتعوا بالخيبة ، تمتعوا بتلك القصاصات البليدة التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، تمتعوا بكل شيء ، لم أعد أصلح للكتابة ، لم اعد أصلح لأرف برمش عيني كما ترف الحمامة ، لم أعد أصلح إلا للكآبة والرتابة ، تمتعوا وأنا سأبقى نائم ، لن أفيق ، لا أريد أن أفتح أذني أو عيني عليكم ، لا أريد أن يوقظني أحد ، لا أريد ، واصلوا الأكل ، وواصلوا غسل الصحون ، وواصلوا العادة ، أريدكم أن تنسوا وقع أقدامي ، ووقع أقلامي ، ووقع اسمي ، ووقع شكلي ، ووقع عنواني ، ووقع قرآني ، ووقع مزماري ، ووقع كل شيء يمت لي بصلة ، انسوا أنني كنت لكم أخ ، انسوا أنني كنت لكم حبيب ، انسوا أنني كنت قويا وساحرا ، انسوا أنني كنت أمضي معظم يومي كله أدون لكم شيئا يأكله العقل لتشعرون بالفائدة ، انسوا ، فأنا لست أنا الذي كان قبل بضعة أيام ، أنا إنسان أخر لا يستطيع التراجع .
إذن أنا لست سامقا بالمقدار الذي تصورته ، عرفت أني ضئيل ، أشد ضآلة من خائن ، كل الأشياء لا تأتي إلا في الوقت المناسب ، كانوا يكذبون علىّ حين كانوا يقولون أن الأشياء لا تأتي في وقتها ، تعالوا لتبولوا فوق الأشياء ، و من قال لكم ذلك ، بولوا عليه ثم تعالوا لتبصقوا فوقي ، لأني لن أهدأ، سأظل أردد رغم الوهن والتعب، أنكم لا زلتم تعيشون في صفيحة ٍ مملوءة ٍ بالبول ،حتى الكلمة تلك الكلمة التي كانت تلقيها على مسامعي قبل سقوطي وبعد، أين ولّت ؟ في الصفيحة ؟ لا ، لا تقولوا لي امتحن أفكارك من جديد ، عليكم أن تمتحنوا أنفسكم قبلي ، عليكم أن تهزوا رؤوسكم ثم تخضّوها ، عندها فقط ستعلمون أن الكلمة كانت مثل رؤوسكم صدئة ومسعورة ونجسة .
شخير الحقد المتطاير حولي ، وشخير الإعياء ، وشخير الموت القادم يخبرني أني أشد سفالة من شخير الأشياء ، يخبرني عقلي أني مذنب ، ويخبرني ضميري أني نمّام ، ويخبرني وجعي أني معتدٍ أثيم ، وتخبرني هي أني مجرد سعال أو صرصار ، وإلا لحافظت على ّ أكثر من أي وقت ٍ سابق ، لا جدوى من الحديث الآن ، لا جدوى من التقيؤ ، لا جدوى من التواطؤ ، لا جدوى من المفاجئة أو التفتيش ، لا جدوى أصلا من الشخير ، أمي وحدها تعلم ما الجدوى ، منذ أنجبتني وهي تعلم ، أما أنا فلعين، أمؤ كمواء القطط وأبول كالكلاب .هل ما زلت موجودا بالفعل ؟ روحي بدأت تركض إلى الخارج ، تركض كالفضيحة ، تنتشر ، وتتكاثر ، ثم تتبخر ، بعد نصف ساعة من الآن ، لا أدري حقا كيف سأشعر ، من سيحمل من على كتفيه ؟ هل أستطيع مواصلة حملي ؟ هذا الحمل لا يشبه أمي ، آه لشد ما كنت قويا في الأيام الماضية ، الآن أشعر أن يدي تضطرب ، أشعر أني أصبحت شيئا أخر ، مشوش ، وسقيم ، لا عليكم واصلوا غزوي ،فقد حانة الفرصة لأرفع راية الاستسلام .
‏05‏/08‏/2004

ليست هناك تعليقات: