الأربعاء، 21 أكتوبر 2009

ربما هكذا كنت أنا !


يحدث أحيانا أن يسير الإنسان بدون وجهة ٍ معينة أعني أنه يسير لمجرد السير فقط أين يريد أن يذهب ؟ أين المكان ؟ ومتى الزمان ؟ كل هذه الأشياء لا يعرفها ولا تكون مهمة وقتئذ بالنسبة إليه والحقيقة أنه أمر جيد أن تسير أحيانا وتسير لتلقى الصحراء تحيط بك من كل الجهات فتفتح باب سيارتك وتسير قليلا على الرمل ثم تتذكر بعض الذين خنقوك وبعض الذين شنقوك وبعض الذين يتخذون من قلبك صالة للألعاب والتسلية وتتذكر كل المواقف المؤلمة في نفسك ثم تحفر بعد أن تتذكر كل ذلك حفرة عميقة في الصحراء ثم تدفنهم فيها .

شيء جميل أن تفعل ذلك ، تشعر وكأن ولدت من جديد . أسألوني فقد فعلتها قبل قليل .

يحدث أحيانا أن يسير الإنسان إلى وجهة ٍ معينة أعني أن يسير إلى هدف ٍ معلوم ، يعرف مكان الهدف ويعرف متى زمان التحقيق ويمضي لتحقيقه ، هناك أشياء يضعها هذا الإنسان ليحمي هدفه من التفتت كالظروف العرضية أو بعض الحاقدين أو الساعين له بالسقوط لكن الشيء الذي قد لا يضع له اعتبارا أن يتفتت هدفه من أقرب الناس إليه ، على الإنسان دائما أن يضع في اعتباره أن صفعة القريب أشد من صفعة العدو ، عليه حين يمشي إلى أي هدف ٍ كان أن يضع في ذهنه أن كل امرئ يتعامل معه ليس شيطانا حتى يتأكد من ملائكته وليس ملاكا حتى لا تفاجئه شياطينه ، على المرء أن يعرف أن الحب الشديد والكره الشديد يعميان البصر والبصيرة وعليه يجب أن يضع على حبه وعلى كرهه ألف نظارة ليستطيع أن يرى ما حوله جيدا ً . ربما هكذا كنت أنا .!

يحدث أحيانا أن يعدك أحدهم بشيء ثم يخلف وعده ثم يعدك ثم يخلف وعده ثم تغفر له فيخلف وعده ثم يأتيك بكلمات معسولة فيرضيك ثم يخلف وعده صدقوني أي علاقة تقوم على كل هذا الإخلاف من الوعد لن تحمل أي خلق ٍ مهما مر عليها من زمن فالذي يحمل في صدره " عرقوب " لن يحمل في نبضه " الشرف " .

يحدث أحيانا أن تعطي أحدهم أكثر من حجمه وأكثر من شكله فيظلمك بنفس الحجم والشكل الذي أعطيته له وربما بشكل أكبر ، كررت هذه التجربة حتى شاب شعر رأسي أيم الله أني لم أرى أي جدوى في إعطاء أي امرئ أكثر من حقه فالمرء كالإناء علينا أن نسكب فيه ما يوافق حجمه وشكله تماما دون زيادة أو نقصان .

لأننا إن سكبنا ما يزيد عن الحجم والشكل المطلوب فإن الإناء سيضيق على وسعه وسيبدأ بقذف الماء إلى الخارج دون أن يهتم لكرمنا أو لأي زيادة قمنا بإعطائها له ، وإن قللنا عنه الماء أيضا نكون قد ظلمناه ولم نعطه حقه ، إذن لا شيء أجمل من أن نعطي كل امرئ ما يتناسب مع حجمه وشكله بالتمام والكمال لا نزيد على الشكل أو الحجم مقدارا ولا ننقص منه مقدارا ثم علينا بعد ذلك أن نراقب الإناء ونراقب ردة فعله ونراقب أصالته ألم يقولوا " كل إناء بما فيه ينضح " وألم أقل أنا " كل كلب ٍ بما فيه ينبح " : ) إذن فلنراقب . ربما هكذا كنت أنا .!

يحدث أحيانا أن تعتقد أن الوهم ابن الحقيقة مع أن العكس هو الصحيح فالحقيقة بنت الوهم لذا عليك أن تنقل أفكارك الداخلية وكل ما حصلت عليه من معرفة إلى الحجر الذي تشكل في وهمك قبل أن يصبح حقيقة وإلى البيت الذي تشكل في مخيلتك قبل أن يصبح واقع وإلى البرج الذي تشكل في أحلامك قبل أن يصبح صرحا حتى لا تنسب ابنا لغير أبيه وتنسب فتاة لغير أمها .

يحدث أحيانا أن تعتقد نفسك وحيدا لكنك تجد حولك الأصحاب في كل مكان وتظن نفسك يتيما فتجد لك أهل في كل مكان ، وتظن أنك بلغت سن الشباب والشيخوخة في ذات الوقت ثم تجد من يضعك في سنك الحقيقي في لحظة ، يحدث أحيانا أن تعتقد أنك تشبه الأسماك المحكوم عليها أن تسكن العمق ويحدث أحيانا أن تعتقد أنك مثل صخرة طانيوس التي خرجت فجأة ثم اختفت فجأة ، أو تعتقد أنك مثل النهر الأحمق الذي خرج من البحر ليصب في البحر ، يحدث أحيانا أن تعتقد أن الموت يحاصرك من كل الجهات وأن حيوانات الغابة البشرية ستنقض عليك في أي لحظة ومع هذا يحدث أنك رغم كل شيء لم تمت ولا زلت تعيش .



يحدث أحيانا أن تجد شخصا لا يعرف كيف يعيش لكنه يعرف جيدا كيف يموت ، يحدث أحيانا أن تراه ميتا وهو مليء بالحياة وأن تراه مثخنا بالجراح وهو سليم معافى ، يحدث أحيانا أن تسأله عن سر هذا التناقض في شخصيته فيقول لك لقد ترعرعت في الحدائق وكبرت على الاختناق وتعلمت في المقابر ، نعم يحدث أحيانا أن ترى شخصا كهذا يعيش بين عالمين ويموت بين عالمين إلا أنك قد تراه رغم كل شيء صلدا ً كجبل ، ربما لأن الموت علمه كيف يدخل إلى عمق محددات الموت ولا يموت وربما لأن الحياة علمته كيف يستفيد من الحياة دون أن يعيش .. ربما هكذا كنت أنا !

يحدث أحيانا أن تفتح بوابات الماضي على مصراعيها ، ويحدث أن تدرب ذاكراتك على التقاط كل ما يثير الخوف والهلع والقبح من العالم ، يحدث أحيانا أن تحدث معادلات لسوء فهم ٍ بينك وبين الطبيعة وبينك وبين الوعي واللاوعي فتسلك طريق الخطأ وطريق الاستنتاج الغير مدعوم بالعقلانية ، لكن يحدث أحيانا أن تتشكل من بين كل هذه المواد مواد أخرى تثير السخرية في نفسك فما فائدة أن تعيش مثلا إذا لم تحاول أن تكتشف القطب الآخر من نفسك . إذ ما فائدة أن لا تصاب بالجنون إذا كنت عاقلا لدرجة أنك لا تحتاج لأي كائن من كان ؟ ما فائدة الطبيب إذا كنت لا تمرض أبدا ، ما فائدة الحياة أساسا إذا كنت متمتعا فيها ولا ينغص بالك شيء ؟ ما فائدة الجنة إذا عشتها على الأرض ، وكيف ستقنعك جهنم بشرها إذا لم تزرها في الواقع ؟

يحدث أحيانا أن تحتاج إلى نقطة ارتكاز تنطلق منها إلى الجوهر الحقيقي للأشياء الخارجية لكن صدقني لن تصل إليها أبدا ما لم تصل إلى نقطة الارتكاز للأشياء الداخلية في نفسك . ربما هكذا كنت أنا .. !

يحدث أحيانا أن يسقط جسدك مغشيا عليه أكثر من مرة كما حدث معي ليلة أمس ، يحدث أن تشعر وأنت في حالة الإغماء وكأنك تعبر صحراء تنافس حرقة رمالها أنفاسك ، تشعر وكأنك نخلة لا تشرب إلا الماء المالح ولا تستظل إلا بالظل الكالح ، يحدث أحيانا أن ترى الجمال بأم عينك يدفن بين الكثبان الرملية ، وترى الدهشة بأم عينك تلحق سرابا يغتالها خلف ذلك التل ، يحدث أحيانا أن تشعر وأنت مغشي عليك بأنك أصبحت قارة جديدة لن تكتشف إلا على أيدي أمراض العصر . ربما هكذا كنت أنا ؟!

ليست هناك تعليقات: