الخميس، 29 مارس 2012

الإنسان الحر ..1







الإنسان الحر هو الإنسان الذي يملك عقلا يستطيع من خلاله أن يطرح أفكارا ومعرفة يفيد بها الإنسانية كلها دون أن تكبله وتقيده الأيدولوجيات الدينية أو الطائفية أو القبلية أو السياسية أو غيرها والتي تجعل عقله يعمل ضمن آلة تستغل فكره وتجعله عبدا لها ولنمطها ولمرجعيتها الموتورة بظلام الأيدولوجيات التي لا تستطيع أن تشعل شمعة لترى النور لأنها جبلت على العيش في الظلام .

الإنسان الحر هو ذلك الإنسان الذي يستطيع أن يسترجع عقله من ماكينة الدين وماكينة القبيلة والطائفة والسياسة وتجعله يهندس مخرجا يخرجه من ظلام القصور إلى صباح التنوير .

الإنسان الحر هو ذلك الإنسان الذي استطاع الخروج من عمى ذلك الوهم الذي ألصقته على عين عقله الأيدولوجيات المختلفة التي راحت تتلاعب بفكره وبحياته وسيّرته حسبما شاءت وخططت له حياته منذ ولادته وحتى مماته دون أن يكون له الحق في اختيار طريقه الخاص وضوءه الخاص ودون أن تعطيه فرصته في الرؤية والتقرير والتنوير لهذا ما أن استرد نوره الخاص وطريقه ورؤيته وتمكن من أخذ قراره بنفسه وتمكن من تجاوز قصوره وأخرج عقله من إشراف الغير عليه لإشراف الذات أصبح حرا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى و أصبح نفسه وذاته لا نفس وذات الآلات و المرجعيات الغارقة في المخيال الاجتماعي الموروث .

الإنسان الحر هو ذلك الإنسان الذي صرخ في أذن العقل قائلا : " بحياتي لم أكن مسلما ضالا ولا يهوديا تائها ولا أظن أني مسيحيا مؤمنا " إذ أن هدفي الأسمى في الحياة أن أمنح عقلي الحياة متجاوزا كل تلك الديانات وتفريعاتها وأيدولوجياتها وميثولوجياتها من أجل إضاءة العقل البشري بما ينفعه لأني مؤمن بضرورة استعمال العقل والاعتماد عليه لانتاج وخلق سبع جنات من المعارف الحرّة .

الإنسان الحر هو ذلك الإنسان الذي يملك عقلا ناقدا يبدأ بنقد العقل نفسه ولا يتخاذل عن اتهامه بالخطأ وبالتورط في الانقياد إلى أيدلوجيات معينة وانتهاء بسبر غور الأشياء والبحث فيها . هو ذلك الإنسان المتحرر من كل عبودية المتحكم في اهوائه المؤمن بأنه سيد الأرض المحمي من سطوة التقليد والعادة .

هو ذلك الإنسان الجسد والروح الذي يصيب الفضول وشبعه بالرعب لأنه علم معنى الوجود ولأن من حوله سديم وهو نور ، هو ذلك الإنسان الحي الميت مبلغ الشمس وكبد السماء وصديق الأرض ورفيق التربة المؤمن بالإنسان الذي لم ييأس من أمله في الخلاص من الأشباح والأوهام ، المؤمن بالشعلة التي يحملها في رأسه والتي لا تدفن نفسها عند أول انطفاء في رمل الكتب السماوية وفي أوهام أصحاب السموم البيضاء وأصحاب الكلمات السوداء اللذيذة .

أنا ذلك الإنسان المتضايق من الواقع والواقع في ضيق بدأ يتماثل للشفاء لأنه عرف كيف يجعل السديم ينسل من عقله ويسكن القبر المجاور للعقول المريضة التي توفتها الميثولوجيات ، لن أنظر إلى الوراء وأنا المقدمة ولن أنظر إلى الأعلى لأني الجبل ، الصغار فقط صغار العقول من ينظرون إلى أعلى لأن عقلهم لا زال في أسفل الوادي بقطرات دم تنزف مخلصة للراعي الذي جعل عقولهم قطيعا يكره حياة السمو ويفضل ميتة الوادي .

وراء أفكاري ، حكمتي المثلى ، والكبرى ، وأمام أفكاري أنا بكل دقتي وصلابتي أقود ذاتي إلى الغاية التي يجب أن تصل إليها ( إلى ّ ) لهذا سأصارح ذاتي رغم احتقاركم لها ومقتكم لما تحمل بأنها أفضل من ذواتكم فهي منتظمة وواضحة ودقيقة وصادقة ولا يسودها ما سادكم من رق ٍ فذواتكم لا زالت أسيرة ومرهونة ومباعة لذوات أخرى غير ذواتكم .

وراء أفكاركم ، ذئابا وحشية تعوي طلبا لفريسة من الحوريات ، وأمام أفكاركم خنازير برية لا تكف عن الاحتلام بأنهار الخمر واللبن ، لهذا سأقول لذواتكم رغم احتقاري لها بأنها الشر ، الشر كله الذي تريد أن تلصقه بالآخرين ، أنتم الشر أنتم بفضائلكم المهترئة وشركم الناجم عن تناقض الأقاويل التي ورثتموها غير مصدقين فإضطررتم للتعامل والتعايش معها إلا أن هذه الكذبة يفضحها طبعكم الحيواني الذي ما فارقكم للحظة ، تلك الأطباع التي تشتهي وتتلذذ بالقتل والاغتصاب والتخريب والهتك والتدمير والارتياب والنميمة وتريد أن تحطم الكرة الأرضية حين تغضب وتحقد ، كل شيء فيكم مريع لأنكم منذ سلّمتم عقولكم للغير يشرف عليها أصبحتم أجسادا وأوراحا تالفة ومأسورة تريد أن تجعل كل شيء تالف ومأسور مثلها .

وجهوا أشواككم إلى أنفسكم وأقتلوها وتفوقوا عليها لتعودوا للبشرية وأنتم محبين للفضائل كما هي وللخير كما هو وللإنسان كما هو بدون قيد وبدون سجن وبدون سلطان يخنق وملك يعذب وإله بشري يقاضي البشر الذين خلقوه في المحاكم لأنهم تخلصوا من سمومه .

ما يجب عليكم فعله حقا أن تطلقوا سراح عقولكم المنهكة والمتعبة والمثقلة بما راكمتموه عليها ، أن تريحوها من السكن في عقول الآخرين وفي أصابعهم وفي أدواتهم الفكرية والسياسية والدينية ، أن تمنحوها فرصة تكون فيها هي سيدة الموقف وسيدة القرار والمالكة لزمام نفسها .

أنصحكم أن توجدوا لوجودكم القيمة وأن تمنحوا للقيمة الإرادة والذات الخلاقة التي تجعلكم تتحلون بالحماسة على أرض المعركة التي ستقفون عليها بلا شك لتحاربوا معظم الذين سيخرجون لحربكم لأنهم لن يسكتوا والسبب أنكم خرقتم قوانينهم وخرجتم عن عاداتهم وتقاليدهم الموروثة .

أنصحكم أن تجدوا لكم رفاقا يتحلون بالشجاعة وبالإيمان بالقيمة وبالإرادة وبالذات الخلاقة ليقفوا إلى جواركم في الحرب لا تكونوا فرادى فالفرد دوما يسقط أمام اختبارات الجماعة والجماعة دائما حين يهاجمها فرد تنتصر لأنها تتحول إلى قطيع من الذئاب المتوحشة حتى وإن كان الفرد الواقف أمامها أسد .

عليكم أن تتعلموا أن تقولوا للرذيلة لا وللخطأ لا وللخرافة لا وللآلات التي تحاول تحريككم كما تشاء لا ، عليكم أن تكونوا ذئابا في هذه الغابة التي يسن كل قطيع من الحيوانات فيها قانونا خاصا به يضفي عليه القداسة والتعاليم السماوية ليغوي به الحيوانات الضعيفة التي تعودت أن تُقاد ولا تقود .

الفقير ينصاع لعقل الغني لأن أفكاره تغريه بالشبع ، والضعيف ينقاد لعضلات القوي لأن عضلاته تؤمن له الحماية والأمن والطمأنينة الزائفة ، لذا نراهم يسلمون هبة العقل بكل سذاجة منخدعين بتلك الأكذوبة التي علقت أمامهم يافطة تهديدية مكتوب عليها : " سفك الدماء قادم لا محالة إن لم ترفعوا الرايات".

الثورة هي خلاصكم ، ثوروا على أنفسكم ثم ثوروا على أخطائكم ثم ثوروا على الأشياء التي تورطتم بها ثم ثوروا على الأيديولوجيات التي قيدتكم وألجمت عقولكم وألسنتكم لتستطيعوا أن تنالوا البر والخلاص .

أعلم أن كلمة الثورة قاسية عليكم ومؤلمة ومنفرة لأنكم لا تريدوا خلاصا يجلب الدمار معه ، و لا خلاص بدون ثورة ولا ثورة بدون دمار ، عليكم أن تعلموا أن الدمار كما يجلب الشر يجلب الخير وكما يجلب الشيطان يجلب الإله.

ليست هناك تعليقات: