الأربعاء، 29 فبراير 2012

الرصيف رقم "7"





هذه الكلمات التي اكتبها هي كل الكلمات التي أعلنها حبي هذه المعزوفات التي أعزفها هي كل ما تبقى من أنغام عزفي فأنا شاعر ٌ لا يملك رصيدا ً في الدنيا إلا الكلمات ولا يملك مخزونا ً في الدنيا إلا النغمات أنا شاعر ٌ لا يملك أي تركة ٍ أخرى أو ثروات أنا شاعر ٌ سيموت وحيدا ً دون أن يترك لكم مالا ً أو ذهبا ودون أن يترك لكم ماء ً أو خمرا ً فبعد أن دخلت بالأمس إلى غرفة ِ العمليات قررت أن أقيم َ بعد موتي منفيا خارج القبر وخارج العمر وخارج هذا البرزخ المليء بالحساب والرياضيات .

أنا يا حبيبتي رغم قناعتي بأنك إيقاعي وشعري إلا أني مقتنع أيضا أنك لا ترقصين على إيقاعي ولا تطربين على شعري إلا في الأوقات التي تكون فيها ضفيرتك مستريحة على كتف الأريكة وفي الأوقات التي يكون فيها ظفرك ملقيا ً بين أيادي الطلاء الأحمر ، بالرغم من كل الحرية التي أحاول جاهدا ً أن أبثها على مشاعري نحوك وبالرغم من أني أضغط على قواعدي وصواريخي أن لا ترمي حريتك أشعر أن محتويات هذه التركة الثقيلة من الضغط العصبي ستجعلني في الأخير ِ أقف أمام مرآة وأنا في ذروة انهياري وأهشم الخط الفاصل بيني وبين المرآة التي تحمل وجهي
.
بحياتي لم أجبر أحدا ً أن يحب مراسلاتي الخاصة أو يكرهها ، وبحياتي لم أطلب من قطة ٍ أو قرميد أن يخفي شعوري أو ينشره ، وبحياتي لم أكره كل الذين كرهوني وبحياتي لم أرفض كل الذين رفضوني ، نعم قد يمارس الغير سياسة الإحراق وقد يمارس من يحقد علىّ إيقاع النار على جثتي الطينية لكني مختلف عن الآخرين أو أظن أني منحرف عنهم أيضا فتركيبتي الحسية واللفظية والعاطفية تكره أن ترى أي شكل ٍ من الأشكال يمشي حافي القدمين ، وترفض أن يركب الشر باصاً يوصله لمبتغاه فكيف وأنا أتعامل مع هذا الحقل المزروع في صدري لك ، كيف وأنا أحمل لك كل هذا الكنز من اللحم والعصب والهدب والدم والهم والخلايا والأنسجة أستطيع أن أجبرك على شيء ٍ .

أنا لا أبتغي أن أضغط عليك لتقومي بمحادثتي أو مراسلتي بالأوامر الجبرية ، ولا أشتهي أن أحبسك داخل إطاراتي الخاصة وأقيدك بأصولي وقيودي ، فكوني أشعر بكل ما تحمله النفس خلف ستائرها أرفض أن أحطم إطارك العام وأرفض أن أفرض عليك ِ معادلاتي الصارمة وأرفض بتعبير ٍ آخر أن أدعك تقيمي في منطقة ٍ في صدري لم يصل النور إليها بعد .

أنت ِ امرأة مستريحة ، وامرأة تكدّس الضحك في شاشات التلفاز وفي حقيبتها اليدوية وفي حشو الكرسي الوثير وفي فم الصديقات وفي الموسيقى المنسابة من المذياع ، وأنا رجل ٌ متعب ومحروق رجل تكدّس النار حريقها في ثيابه وفي فمه وفي أعصابه وفي أوراقه غير أني حين أجد نفسي أنها ستحاول أن تنقل لك ولو شرارة من هذه النار تجديني أنفر بعيدا حتى لا أفسد عليك ضحكة أو أحرق فيك ابتسامة .

أنا أنفر ليس عنك فقط أنا أنفر عن الجميع خشية أن يحترق أحد ، أحب أن أحترق لوحدي أو تعودت أن أحترق لوحدي أو تعودت أن تشتعل النار بثيابي وأهدابي وتمر على أصابعي ودفاتري قبل أن تفرغ من زيارتها وتذهب .

لن أطلب منك ِ شيئا ً كما أني لن أطلب من الآخرين شيئا ، فهذه الكلمات كل ما تبقى من غبار مفرداتي وهذه المفردات كل ما تبقى من طين لغاتي وهذه اللغات كل ما تبقى من لهيب ِ احتراقاتي ، فيا حبيبتي إني أدعوك للتفكير في الخط ِ الفاصل بيني وبين الناس وللخط الفاصل بيني وبين نفسك وللخط الفاصل بين غباري وطينك ، أدعوك أن تفكري في مدى الشجاعة التي يتحلى بها الناس ليلقوا من يحبوا في النار وأن تفكري بالشجاعة التي تحلوا بها ليدخلوا الجحيم من أجل أن يدخل أحبتهم إلى الجنة ، فكري جيدا من يستحق أن يدعى بطلا ومن يستحق أن يعطى وسام الشهادة ومن يستحق أن يمنحه رضوان طيلسانا من كوثر .

إنني لا أستطيع أن أفصلك عن كياني ولا أستطيع أن أفصلك من جحيمي وجنتي ، لا أستطيع أن أفعل مثلك أو مثل الآخرين الذي يقومون بفصل حبيباتهم عن أصابعهم وأجسادهم ، لا أستطيع أن أبعدك عن هذه الأوتار التي تغني ولا أستطيع أن أنفيك خارج الغيتار ولا أستطيع أن أقذفك خارج الموسيقى ولا أستطيع أن ألقي برأسي خارج الشرفة ولا أتخيل أنك هناك في الأسفل تلوحين إلى ّ بيديك ، أنا لا أستطيع أن أفعل مثلهم أن أخرجك خارج هذه الغرفة وأبقى وحدي أو أخرج خارجها ولا تكوني معي ، لا أستطيع أن أتصور ولو للحظة أن السماء تمطر دون أن أتصور أنك قطرات المطر التي تبلل ثيابي .


قبل قليل يا حبيبتي كنت عائدا ً إلى عشي الصغير ، تعرفت عليك في الزحام ، رأيتك أنت ِ الزحام ، رأيتك تقودين كل هذه السيارات وتصدميني ، رأيتك كل هذه اللوحات ، رأيتك مكتوبة على كل اليافطات فأين السبيل منك لتخليني ، أنا في حالة عشق يا حبيبتي أنا في حالة صدام ومجابهه وموت أنا في حالة تجعلني مثل الحطب ومثل الفحم ومثل الحمى التي ترتعش مفاصلها وأنت في حالة تبدو دائما كالشارع الذي يتدفأ ناعما ً بالرصيف رقم " 7 " .

هناك تعليق واحد:

عِطْرٌ حَالِمْ يقول...

هُنالكَ أَرّصِفة يا خَالد مُكْتَضة بـ الحياةِ
على حوافِها . .
ومملوءة بـ الدفء بِـ رِغم اسْمَنتِيتها!
/
لـِ الجَمادات حياة!