الأربعاء، 29 فبراير 2012

في أعلى رأسي عربة تعرج






لغتي التي تنام الآن بين يدي كأنها طفل رضيع ، أضمه بحنان وبشوق وبلهفة ، أتطلع إليه وهو ينمو بين يدي وهو يتحرك ويكبر ويصرخ ويطلب أن أجلب له الحليب ، أخال أني سأكبر مع لغتي كما لم أكبر من قبل .

لغتي التي أهزها برفق الآن لتنام قريرة العين ، أشعر أنها تدفن في تلك القريرة منتهى هزائمي ومنتهى آلامي ومنتهى وهني الذي أطفأني في منتصف الحرف .

لغتي يا الله كم أحتاج إليك الآن لتربتي على أكف دمعي المجهش بأحزان الفقراء ، يا الله كم أطمح أن تطفئ كل هذا السعير المتقد في حرفي وهذا اللهب المشتعل في كبد لفظي ، يا الله كم أنا رمادا ً بدون هذا النفس الذي تمنحيني إياه ، كم يلزمني لولاك لأتحول إلى أرض ٍ ميتة ٍ وكم كان سيلزمني لأحول تلك الأرض ناحية الحياة مرة أخرى ، لغتي لست مدينا للغربة ٍ وللهم ولانقياد قدري ناحية الضنك بقدر ما أنا مدين لك بربيع ٍ من العمر زارني مرة في ليلة ِ عرس .

لغتي أنت ارتواء الحرف لهذه الروح المنهكة بالحبر ، ماذا كنت سأفعل لولا أنك كنت الناطور الذي يحرس كلمي من ثعالب العلل ، ماذا كنت سأفعل بكل هذا الرصاص من الكلم الغبي الذي يصيب عقلي بأيد ٍ خانها العلم فاختارت قتله ، ماذا كنت سأفعل لولا أنك وهبتني حفرا عديدة أستطيع أن أدفن فيها ما أشاء من جثث ٍ كافرة أكلت لحم الشريعة كما أكلت عظم الفضيلة .

لغتي وأنا في قمة غضبي الآن وألمي وأنت ِ تسمعيني أصرخ للغضب وللألم ولي " يا لكم من حمقى " تهدهدي على غضبي وعلى ألمي وعلى ّ وتبعدين عني كل هذا الصراخ المربوط بخيوط الدماء وتبدليه برأس ٍ يشهد لله بالوحدانية وبالقضاء وبالقدر .

لغتي ، كيف لي أن أعبر لك عن فرحة ٍ مكسورة ٍ ، كيف لي أن أخبرك عن فرحة والدة بولدها الذي ولد قبل أمس بدون قدم ، أو كيف لي أن أصف لك شعور أب رزقه الله بطفلة ٍ عمياء اليوم ، أو كيف لي أن أشرح لك إحساس رجل صالح نسوه أهله البارحة في جهنم ورحلوا عنه إلى الجنة .

لغتي ما بين الفرحة والحزن رابط أزلي إذ أن الفرحة أحيانا لا تستطيع أن تخرج بدون أن تعاني مثلنا من وعثاء المرض ، حتى أنت ِ أحيانا تفعلين ذلك تسيرين في ليلة ٍ حزن بين القبور المهجورة في محاولات مشعة بالأمل لدق مسامير النبوءة عليها لتنتعش بالحياة ولتفرح وتسعد لكن القبور وأعني تلك التي انتعشت وفرحت وسعدت ترينها ترد الجميل إليك بعصيانها الذي راح يحرض الجيران الميتين بالسعادة التي سيجدونها في نحرك .

أنا طين ُ غاضب ، وأرض تعبت شرائعها ، وسماء سأمت أعمدتها من التعليق ، أنا قبر مليء بالسبخ وبالدخان وبالدود تجدين في أعلى راسي عربة تعرج يقصدها الفقراء لتحملهم إلى حزمة ٍ من النور المكسور وهم يحلفون برأس العربة أنها أسرع من حافر الخيل ، وتجدين في أسفل رأسي طفل أضاع أمه قبل عام في زحمة الضيق ، انظري إلى ّ جيدا ستجدين في عيني مخبرا يفتش عن وصلة للأمل ليستجوبها ستجدين تحت أذني مخفرا يتابع كل ما يدور من حديث ٍ يصل ليطهره من النور وليمدني بالظلام الذي احتاجه ، ستجدين تحت فمي عريشة من عنب ٍ أسود تكوّن يوم أخبروا حبري أنه إرهابي انشق على نفسه وراح يفجّر الآفاق بالقنابل .

لغتي ، أنشدي الله أن ينصرني لأني أنشده أن يفعل ، أنشديه أن يمدني بصلاة ٍ تستطيع أن تركع وتسجد خاشعة دون أن تتذكر ما تيبس بداخلي وما تكسر ، أنشديه أن يمنحني بعض صبر أيوب لأستطيع أن أفرش البسمة في وجه الملائكة ، ولأستطيع أن أدفع الشياطين عن الحي الذي حبس بداخلي .

ليست هناك تعليقات: