الأربعاء، 29 فبراير 2012

انتحار كتابي




هل من المعقول أن يتوفى جسدي كتابيا وأعيش تحت تأثير الموت الحبري في مناطق الحرف المكشوفة ؟ لا زلت لا أفهم أساطير كتاباتي وغرائب قصائدي وألغاز فلسفتي الواقعة تحت تأثير أدوات لغتي المسخة .

لا أظن أني أديب متكامل بل أني أكيد أني واقع تحت تأثير أدب يمسخ وجودي كما لو أن هذا المسخ يشبه طفلا يحاول أن يلعب بوجودي عن طريق الرمز والاستعارة .
أشعر أني متنافر ومبعثر وغريب على ّ لدرجة أني بت أرى الكتابة تعبث بإيماني وبيقيني وبثوابتي وببراعتي في الحياة التي أطلبها عن طريق هذا المسخ الساكن في عقل ومخيلة أصابعي .
هل الكتابة كابوس ؟
هل يعقل أني عشت حياتي تحت تأثير الكوابيس الكتابية والأحلام التي تحاول أن تهرب من الواقع المعاش إلى الخيال المرتعب من الحقيقة المرة ؟ هل يعقل أني أخلق من خلال الكتابة عالما سرمديا لا يمت لواقعي بصلة عالما يقفز على أركان الكتابة ليصل إلى أركان الكآبة التي تسوغ حياتي بالحزن الذي يتفاقم حولي كالانفصام والفوبيا والوحدة والعري ।


علاقتي بهذا الشتات تكسبني خبرة في معرفة درجات القرف والوساخة والرعب والهلع من العالم والكفر بكل العالم والإيمان بكل العالم في ذات الوقت دون أن أنساب مني إلى الطرف الآخر من العالم الذي أصل فيه إلى اليقين الذي لا يغلب ।


كم أمقت الكتابة حين تصبح كبائعة هوى تحاول أن تقضي ليلة معي مقابل حفنة من شبق أو تحاول أن تجعلني أنال وطري منها دون أن تكون لها محاولة لصدي ومنعي كم أكرها حين تجعلني أشعر بعد ذلك وكأنها باغية قذرة أو عشيقة مخدوعة أو زوجة مهملة لا تستطيع أن تغير شراشف الحبر المتسخة بدمائها ।


الرغبة في الكتابة أصبحت تهرب مني كما تهرب بيوت الدعارة من يوميات رجل جنسي لا هم له إلا جمع أفخاذ النساء في أجندة أعماله اليومية والرغبة في الحياة وفي الحب وفي الجنس وفي الموت لم تعد تشكل لي هاجسا كما كانت تفعل في السابق بل أني أصبحت أرى دنيتي وكأنها امرأة لعينة لا هم لها إلا أن تراني أزني بحزني و أرتعش من رأسي حتى ركبتي دون أن تتدخل في منحي لحظة راحة .

إني أمارس الموت كلما أمسكت قلما ؟ بل أني أعانق عزرائيل كلما أطلقت حرفا ، أشعر أني أملئ مسدسه بالرصاص كلما كتبت جملة ليقتلني ، أشعر أن هذا الصديق الذي يحمل موتي معه إينما يذهب مستعد لإنجاز عمله مثلي رغم كل هذا التحفظ على الحياة الذي أحاول أن أصطنعه أو أخلقه في عالم كتابي منزوعة منه الأرواح

أعتقد أن المعركة معي قد بدأت وأعتقد أن المعارك تشعرني بالكثير من الاحترام لنفسي لأني أقف دائما في المعارك موقف البطل الذي تأخذه السيوف إلى النضج في عالم البرزخ ।


أشعر أني وحفاظا على هذا الاحترام فيما بعد سيكون عملي المحترم هو البحث عن جواهر الجنة الملقاة في أنهار الخمر والكوثر أشعر أني سأجلبها من أجل الحوريات حتى يحفظن تلك القدسية الموجهة للزوار .
أشعر أن ميزان حياتي الميت سيكون خالدا في برزخ ٍ يخرجني خارج جسدي الكتابي وروحي النثرية ، أشعر أني سأكون فردوسا لا يسكنها الكذب والالتواء والسعال والمرض ।



أشعر أني سأشفى من مرض الكتابة هناك وأن العلاقة بالكتابة وبالكتب وبالقراءة وبالبحث والتمحيص والفلسفة لن تكون ملحة في رأسي كما هي الآن بل أني أشعر أنها ستكون كفتاةٍ هربت من منزل والدها ولم ترجع .


أشعر أن علاقة هذه الفتاة بمنزلها وبأبيها وبأمها في ذلك المنزل البشري لن تكون هنا كما هي في المجتمع البشري لن تكون هروبا ولن تكون معاناة ولن تكون رسوبا في اختبارات القدرة على تحمل تعاليم الأسرة بل ستكون علاقة شبيهة بعلاقة الطبيب مع الممرضة التي يرسلها من أجل تمريض التعب .

ربما أنا أكتب الآن في لحظة من لحظات الانتحار الكتابي والاحتضار الكتابي لكني أكيد أني ما أن أنهض من هذه اللحظة المريضة سأكون في لحظة تشبه روشتة الطبيب التي يصف فيها دواء للمرضى الذين أضناهم النوم والعجز والوهن وسأكون حينها كما كنت قبل أن أتقيأ وانتحر واحتضر كتابيا سأكون مكانا للنوم وللعمل وللقوة وللهدوء وللراحة وللحب وللإنجاب وللكتابة وللقراءة وللحياة وللموت بعيدا عن وهن القلم .

ليست هناك تعليقات: