الأربعاء، 29 فبراير 2012

لن تتفهم أيها المترف




لن تتفهم أيها المترف هذا القبول والرضا المتفرد في قلوب الفقراء حتى وأنت تطأهم بأقدامك ، لن يتفهمه عقلك المتخم بالمال والمليء بالدنانير والذهب ، كما لن يتفهم " كرشك " تقبلهم لـ تكسر الرغيف المتيبس في بطنهم الفقير لان " بطنك " الثري يترفع عن رغيف ٍ ارتبط بهم أكثر من ارتباطك بالطبقة الارستقراطية التي تنتمي إليها .

لن تتفهم لماذا يحب الفقير أن يدفع ثمن الرغيف عرقا في حين انك تدفع عوض العرق دينارا ذهبيا وأنت تنعم بجلدٍ جففته أجهزة التكييف ، لن تتفهم تلك الثورة التي تخرج من عجوز ٍ أسقطها احتلال طبقتك لشيخها المسن أرضا في حين أن والدك الشيخ الثري لا يسقط إلا واقفا ً ليرتع من وهن الضعفاء شبعا لا يعرف الجوع والعطش .

هذا الفقير ، هذا الضعيف ، هذا الذي لا تعجبك رائحته ولا يعجبك هندامه ولا طريقته في المشي وفي التعبير هو أقرب إلى الله منك بسحنته الفقيرة ورائحته الكريهة وطريقته البسيطة هو أقرب إلى الفردوس من سنسفيل أجدادك لأنه كل ما تبقى من بساطة ٍ وفضيلة ٍ خلدها آدم الأول ولم تغتالها أرض أمثالك بعد .

هذا الفقير ، أيا كان ، أيا كان دينه ، معتقده ، انتمائه ، موطنه ، هو أكثر قدرة منك على كسر قيود الألم وأكثر فعالية منك في أوقات المحن وأكثر جلادة وصبرا في المصائب التي ينزلها أمثالك في شوارع الله وفي أرض الله لتخنق البسطاء ، هؤلاء الحفاة العراة الجياع هم أقرب لكليم الله موسى منك وأقرب لروح الله المسيح منك وأقرب لحبيب الله محمد من ابتهالك في ليلة ٍ من ليال القدر ، هؤلاء أقرب للسماء لأنهم لم يبيعوا أقدامهم للظلام مقابل لقمة حرام تسد جوعهم ولم يخونوا الله في سبيل أن يمنحهم الشيطان كنزا من شبع ، هؤلاء لم ينتهكوا حرام الله ولم يقولوا لأوامر الله في حياتهم كما قلتم " ربنا سمعنا وعصينا " هؤلاء كل ما تبقى من ريح الجنة ومن نهر الكوثر ومن لجين الفردوس .

هؤلاء أفضل منك لأنهم لا يأخذون لقمتهم عبر باب " الواسطة " ولا يلوذون برجال ٍ يجلسون على مقاعد ٍ من فضة ٍ وذهب ٍ ليمنحوهم رغد المعيشة ، وليس لقربهم من فلان ولعلان أي شأن في العزة والكرامة التي تراها فيهم ، لكنك تفعل .

هذا الفقير لم يغتصب يوما شفافية امرأة رفعت سريرتها إلى الله كما فعلتم ولم ينتهك حرمة فؤاد ابتسم بعينيه لصاحب العزة كما انتهكتم ، لم ينتحل شخصية طفل ليشرب نخب السلام على رأس رجل فجرته قنابل الإرهاب كما أرهبتم ، هذا الفقير منذ تعلق لبه بحب الإله وهو كما هو يسوق أقدام المغفرة والحب للعالمين على ظهره دون ملل ٍ أو كلل .

هذا الفقير وإني أميرهم أمير الفقراء المتشح بفقري في المكان نفسه مكانهم لا أمد يدي لأمسح ما علق بشفتي من طعام ٍ إلا وطعامهم الميت من الجوع يأكل مني ويقتل ما قُتِل فيهم هذا ولتعلم أيها المترف أني لا أدعي الدفاع عن الفقراء لأحظى بشيء من شرفهم وعظمتهم ولأحرك القلوب الثكلى والعيون الباكية ناحية فقري ووهني وإحساسي بهم لأني لولاهم لولا فقرهم وفقري ما كنت سترى معظم كلمي يفقأ عين الشبع اللفظي ليجول في شوارع الكتابة حافيا دون حذاء .

ليس بوسعك أن تتفهم لماذا " الفقراء يدخلون الجنة " لكن بوسعك أن تضحك على المقولة كما ضحك عليها عادل إمام في مسرحيته " الزعيم " لأن الأغنياء لا يجيدون فهم الرابط بين الفقر والجنة لأنهم يبررون جشعهم الثري بمحاولاتهم لـ شراء الجنة كما اشتراها عثمان إلا أنهم نسوا أن الأخير اشتراها قبل غناه بدمه المسفوح على وجه المصحف .

ليت شعري لو أنكم تستطيعون أن تتصالحوا مع أنفسكم كما نفعل نحن ، ليت شعري لو أنكم تقدرون على ترتيب أوجه الظمأ كما نفعل نحن ، ليت شعري لو أنكم استطعتم أن تمدوا موائد الرحمن في دواخلكم كما تمدونها في الشوارع ليدحرجكم الله إلى جنته .

ليت شعري لو أنكم تستطيعون أن تزيلوا كل ما علق في أصابعكم من دماء الأبرياء ومن مال ٍ جاء عن طريق الركوب على ظهر البسطاء ، ليت شعري لو أنكم قدرتم على حرث محاصيل أنفسكم السيئة كما تحرثون محاصيل القرية التي امتلأت بالحسنات .

ليت شعري لو أنكم تستطيعون الإحساس بغصة طفل يتيم ، أو صبية فقيرة أضناها الجوع والعطش فماتت وهي تنظر إلى السماء وقلبها يشهق قائلا " ألا بعدا للقوم الظالمين " ليت شعري لو أنكم جربتم أن تعيشوا في منزل طيني أنهكه المطر وأرهبته الرياح فتساقطت طينة أهله قبل أن يتساقط .

ليست هناك تعليقات: