الأربعاء، 29 فبراير 2012

ثقافة الاختلاف


أقول للذين لا يفهمون بعض الأساليب الكتابية والعملية والذين لا يسبرون غور الخطوة التي ينطلق منها أثري وأثر بقية الأدباء أقول ينقسم المثقفون كدأبهم دائما عند كل معركة ٍ من معارك الأمة إلى ثلاثة أقسام :
1) المثقف الديني
2) المثقف الاجتماعي
3) المثقف السياسي

ويذهب كل واحد ٍ مع قسمه ليحلل ويمحص ويكتب ويقول وكل يغني على ليلاه التي أخذته لكني حين أسأل نفسي ما دمت أعد نفسي من المثقفين أين موقعي من هذه الأقسام الثلاثة وأين ليلاي؟ أجد أن نفسي تلقيني تارة في قسم الثقافة الدينية إزاء الحرب وتارة أجد نفسي تلقيني إلى الثقافة الاجتماعية التي تتمخض عنها الحرب وتارة أجد نفسي تكتب وتقول وتناقش الأحداث السياسية بإستراتيجية بعيدة النظر فيما تحدثه وستحدثه الحرب ।

هو أمر جيد أن أنقسم أنا كما ينقسم المثقفون إلى أقسامهم فالأقسام باجتماعها تكمّل بعضها البعض إلا أني حين أفرغ من التفكير في كل قسم ٍ وقبل أن أبدأ بوضع قلمي على الورقة أجد أني أكتب منطلقا من الثلاثية الدينية والاجتماعية والسياسية أجد أن الأقسام بثلاثيتها تسكنني .

لا أزعم أني أفرق عن الآخرين لكني أزعم أني كأولئك الذين حين ينطلقون في صوغ أفكارهم ورؤاهم يصوغونها ابتداء من لا إله إلا الله وانتهاء ً بأن محمدا عبده ورسوله ثم أتبع قولي وعملي ورؤاي بمخزوني الاجتماعي الذي ورثته من البيئة التي تربيت فيها أو البيئات التي تربيت فيها وفقا لنظرية البيئة / الطبيعة وأيضا من الموروث الثقافي الإسلامي الاجتماعي التي وجدته بين يدي ابتداء من رسول الله ومرورا بمن بعده بمن بعده مستفيدا بمن بعدهم أيضا ومرورا بابن خلدون ومقدماته ومالك بن نبي فرضياته ومصطفى محمود ونظرياته وانتهاء بخالد العلوي وفلسفاته كما أني أنطلق أيضا من ثقافتي الدينية التي تربيت عليها كما تربيتم عليها من أن الحق حقا والباطل باطلا ومن أن الساكت عن الحق شيطانا أخرس وحتى رد الأمانات إلى أهلها ، كما أني أيضا أنطلق من ثقافتي السياسية التي يفرضها على ديني الذي أسقاني منذ صغري أن من نام غير مهتم ٍ بأمور المسلمين ليس بمسلم وحتى أعظم جهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر .

إذا ً أنا لست كافرا ً ولست منفرا ً ولست أحمقا ولست خارجا ًً ما أنا إلا روح ألقاها الله في جسد ٍ لا يخشى سواه وما أنا إلا عطسة ما خرجت إلا لتقول يرحمكم الله وما أنا إلا امرئ يحاول بأضعف الإيمان أن يحق الحق ويبطل الباطل حتى لو كلفه الحق أن يجد نفسه مسجى على خازوق ٍ أو ملقى في منفى لا يسأل عنه فيه إلا الله .

أنا هنا لا أطلب من الذين لا يفهمونا إلا التفهم ولا أطلب من الذين يخالفونا إلا الاختلاف الذي قال عنه رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله أنه رحمة والذي جاء عنه في الأثر أنه يدل على الائتلاف ، الاختلاف ثقافة يا سادة ثقافة تقودنا إلى التكامل وإلى التوافق نحن نختلف لنتكامل ولنتشارك لنصل إلى وجهة تقريبية للحقيقة ونختلف لكي نبنى من اختلافنا نقاطا بيضاء كهذا البياض المزروع بفطرتنا لنطلق بعدها إلى ما يرتضيه الله منا من قول ٍ ومن فعل ٍ فاللذين لا يعرفون عليهم أن يعرفوا أن لا حقيقة مطلقة على هذه البسيطة كلها إلا وجود الله سبحانه وتعالى ورسالة محمد باعتبارنا على دين الإسلام وحتى هذه الحقيقة المطلقة التي نتبناها كمسلين هي حقيقة نسبية عند من يخالفونا في الدين والعقيدة ، كل شيء نسبي يا سادة لا شيء إلا الله ورسالة محمد عندنا حقيقة مطلقة وكل شيء عداهم معرض للتساؤل ومعرض للنقاش حتىلنصل إلى نقطة ٍ ربما يؤيدها الأغلبية إلا أن حتى هذه النقطة ستجد اختلافا وستجد اعتراضا من أحدهم بلا شك ।



لسنا أوصياء ً على الناس لنفرض عليهم ما نريد ولست وصيا ً على عقول الناس لأقول لهم أن الحق معي والباطل معكم أو لأقول لهم خذوا الكلام مني وخذوا الحق مني والباطل والكذب ستجدوه عند الآخرين ، لا أيها السادة أنا لست نبيا ً مرسلا ولست ملاكا ً منزلا ً ولست معصوما فالعصمة لا تكون إلا لنبي ، أنا من المؤمنين بثقافة الاختلاف ومن المؤمنين بثقافة التكامل ومن المؤمنين بثقافة الحوار ومن المعارضين وبشدة لثقافة الخوار وثقافة الجدل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع من المعارضين لمن يأتي وهو مصاب ٌ بعمى في الألوان ليقول لي أن هذا اللون أبيض واللون لا يقربه البياض من بعيد ٍ ولا قريب ٍ إلا بعمى ألوان عينه ، من المعارضين لكل من لا يجيد قراءة الأحداث أبعد من أنفه والناس رجلان رجل عينه في عقله وآخر عقله في عينه .

أنا من المعارضين لكل من يأتي ليلقي بمجامير كلامه على الملأ وهو يغرق في شبر جهالة والناس تسبح في نهر ِ ثقافة أو يأتي أحدهم وهو لا يعرف الفرق بين حلال الله وبين حرامه لأنه غارق في المشتبهات أو يأتي أحدهم متعلقا بشعرة معاوية والناس متعلقة بحبال محمد أنا من المعارضين لكل هؤلاء وإن خاطبني أحدهم فليبشر مني بخيبته فإني والله لا أخشى في الله لومة لائم ولا أخشى فيه قول الحق .

فلنختلف يا سادة وفقا لشرط الاختلاف " الائتلاف / التكامل / عدم قطع حبل الود " فإني لست القديس بولس ولست اليسوع ولست معصوما ً أنا بشر يخطئ ويصيب ولم أزعم أبدا في ساعات خطئي أن خطئي صواب ولم أخرج يوما على الملأ لأقول سلوني قبل أن تفقدوني لأني لست عليا ولم أكتب يوما أنام ملء جفوني عن شواردها لأني لست المتنبي أنا لا أذكر أني خرجت أو أني كتبت غير أن الله غالب ٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .


ليست هناك تعليقات: