الأربعاء، 29 فبراير 2012

أصناف عجيبة وقميئة وساحرة

أحيانا أحاول أن أحلل كل من أعرفه بطريقة ٍ علمية ، أو أن أتخذ معه سيكولوجية فرويد في التحليل أو بعض الفلاسفة والعلماء أو أنظر إليه بعين المؤرخ ، ولكني دائما ما أنجح وأفشل في آن ٍ واحد ، فالنفس الإنسانية قارة لم تكتشف بعد ولن ، فكلما وجدت نفسك تعرف إنسانا معينا أكثر ، فجأة تكتشف أنك لا تعرف شيء سوى أنك لا تعرف ؟!!! وكنت أراهن وما زلت أن سر هذه النفس في ذلك المجهول الذي لا يعطيك نقطة محددة إلا وأهداك بعدها عشرة مجاهيل ،!!


ربما يمكننا أن نتقصى عن حالة فلان أو فلانة وسبر غوره إن عزلنا طبقة من طبقاته ، أو مارسنا طريقة البحث الجيولوجي على نفسه الإنسانية ، ربما بهذه الطريقة سننجح ، ولكن أن أخذنا النفس الإنسانية بجميع طبقاتها فلن نصيب إلا الفشل ، فالنفس لا تؤخذ أجمع أبدا أو توضع تحت مجهر للدراسة فهي متداخلة وشائكة في كثير ٍ من النقاط مذ الأنا وحتى أنـــ [ ــا هم ] وهذا ما يحير كل علماء النفس وما سيحيرهم ، الغريب هو أن هنالك مرضى تم وضعهم تحت مجهر وأصابوا الشفاء ، عن نفسي أقول أصابوه لأنهم فصلوا الأجزاء الباقية وأخذوا ما ظهر على السطح ، وكل ما هو مرئي وواضح كان علاجه أسهل ، أما تلك الأجزاء المخفيّة فلا تعرف حتى تنزو إلى السطح أو تؤتي بوادرها على سلوك المريض بشكل ٍ واضح । مأخوذ ٌ أنا بهذا السر وما زلت أعيش العجب منه والدهشة !!يستهويني البحث والتمحيص ، أجول بين نفسيات الناس ، أبحث في الوجوه والأنفس ، عن السر الذي لم يكشف بعد ، لن أقول أني فهمت أو وصلت ، ولكن سأقول يتم اقتلاعي من جذور الفهم كلما وصلت !


وجدت البعض يعيش وكأنه جزء من تاريخ ٍ قديم ، ووجدت البعض يعيش ونفسه الحضارة ، ووجدت بعضهم لا زال يحيا في كهوف العصر الحجري ويبارز الديناصورات ويعبد النجوم ، ووجدت البعض ليس مهتما لشيء في الحياة أبدا حتى لنفسه ولا يكلف نفسه مشقة المقارنة أو المجادلة أو التقصي أو المعرفة ، لا يكلف نفسه إلا النوم العميق أو الموت ، ووجدت البعض نرجسي وأناني ، كثير التمجيد لنفسه بشيء فيه وبشيء لا يمت له بصلة ٍ من قريب ٍ أو من بعيد ٍ ، حتى إذا ما رأى برج القوس قال أنا، وإذا رأى الحوت قال أنا ، وإذا رأى الجوزاء قال أنا ، وإذا رأى الطوفان قال أنا وكل من خلفي تراب ।ووجدت البعض يبحثون في ذاتهم يتقصون ، يريدون معرفة تلك النفس التي تحركهم ، يحاولون بكل همّة اكتشاف ذواتهم ، قبل اكتشاف الآخرين ، وجدتهم يفهمون التغيرات ويفهمون التقلبات ويفهمون لماذا يختلف الناس ، ويعلمون من هم ومن هؤلاء ومن أنا ، ووجدت البعض كالهيكل القديم المبني من سعف النخيل ، وكأن عاصفة عصفته وتركته أنقاضا، ووجدت البعض يبحث عن طبيعة الحياة ويحاول أن يكون فيلسوفا [ وجودي / تجريبي /سفسطائي /كلبي كديوجين ]، لا يهم المهم أن يصلوا ببحثهم إلى مرحلة متقدمة فإذا أصابتهم الدهشة قالوا وصلنا إلى مرحلة ما وراء الطبيعة والميتافيزيقيا ، ووجدت البعض يبحث عن ذلك السر الرباني من خلال الرسم واللوحات حتى إذا ما عجزوا عن تفسير تلك الملامح التي بدأت تنزو وتلوّن اللوحة قالوا : هذه هي السريالية صدق سلفادور دالي !! ووجدت البعض يعيش بين مرحلتين مرحلة العصر الأول ورجل الكهف ومرحلة العصر الأخير ورجل الموبايل والروك أند رول ، الحقيقة أنني وجدت نفسي في قارة ٍ موحشة وموغلة في القِدم ، قارة ليست بمأهولة ولا مؤهلة لرفع ستائرها ، فكل ستائرها مسدلة على ذاتها ما لم يرفع صاحب المسرح ستاره ليراه الجمهور بوضوح، وجدت أني أعيش وأنمو بين أصناف ٍ عجيبة وقميئة وساحرة في نفس الوقت !


ضعوا في بالكم بأني لست فرويد ولست لوقا ولست فريدريك ولا سارتر ، ولكن أجدني مضطر أن أقول بعد كل ما رأيت أن الفهم السيكولوجي للنفس أشبه بالخرافة أن صدقتها لابد أن يأتي شيء ويكذّب ما صدقت ، وإن كذبتها فاجأتك الحقائق !لكن لا بد من تحطيم باب هذه المنغلقة علينا ، لابد من الدخول ، كيف ، ومتى ، وأين ، هذا أمر ستعرفونه بنفسكم حين تقرعوا الباب مستئذنين للدخول، نصيحتي هي أن تكونوا حذرين لأنكم ستقتحمون أشد المعاقل خطورة وأكثرها مهابة ।فالخوف والظلام والنور والفرح والحزن والشقاء وكل المشاعر وكل السلوك وكل التصرفات ستجدونها في الأسفل ، كونوا على حذر لكي لا تكسروا شيئا ثم يصعب إصلاحه ، عليكم أن تتقدموا بصورة ٍ واعية لتوقدوا الشمعات في كل الأزقة النفسية ، وتزيلوا بعض الران والصدأ الذي علق بها . !!







ليست هناك تعليقات: