سأمت من الحياة ِ كما سأم الملك الضليل من الخمر

قسماً لقد سأمت من الكتابة ِ كما سأم الأصمعي من الشعر .

متى سيموت حرفي ، متى سينطفئ ضوء طرسي ، متى سأتوقف عن عدّ قطرات المطر والتفكير بمشاعر الشجر ، متى سأكون بشرا ً غير هذا البشر ونفرا غير هذا النفر ؟

متى ستتوقف السماوات عن البكاء ِ بمحاجري والنساء عن النمو بداخلي ، متى سيصاب قلمي بداءٍ في الرئة أو يصاب عقلي بثقب ٍ في قربة ِ أفكاره ؟

متى سأستطيع أن أقف على الأرصفة كأعمدة النور ِ دون أن أكسر ضوءً أو أخالف إشارة ؟ متى سيستطيع قلبي أن يراقب الحب من نافذة ٍ لم تنحر أشواقها صبيّة حديثة كالعولمة ِ أو فتاة رملية كالقبيلة ِ أو امرأة عصرية كبلاد ِ الشام ؟

متى يستطيع صدري أنّ ينشر نفسه كحبال ِ الغسيل ِ تحت الشمس ، وكالشعر ِ الأبيض ِ النامي على شيبي أمس ؟ متى ستمر الحياة في جسدي كطلقة ِ مدفع وتركض السنوات في عمري كالطرق ِ السريعة ؟

متى سينام القلق قرير العين بداخلي وتتوضأ الطمأنينة بصلابة مشاعري ، متى سأصبح أزرق العشب كالبحر وأزرق العين كالسماء ، متى سأكف عن الرقص ِ فوق المفردات وعن الغرق ِ تحت الكلمات متى سأكف عن القفز في بحور ِ اللغة والتزحلق من على جبال ِ الملكات ؟

متى ستموت الحرب في ذراعي ويهرب السطر من يراعي ، متى سينكسر سيفي في ضراوتي وتبكي الجياد على براعتي ؟ متى سأنال براءتي من هذا الطين الواقف بيني وبين طهارتي ؟

قسما ً لقد سأمت من الحياة ِ كما سأم الملك الضّليل من الخمر .

قسماً لم يعد شيئا ً يدهش عيني أو يصدم في أصابعي ظفر .قسماً لم تعد الأغاني تطربني .. أو قناني العطر .. لم يعد الشعر يغريني بأن أدفن الموت وأهزم القبر ..لم يعد شيئا ً يجعلني أضحك ملء هذا الصدر ..لا عرس الأصدقاء ، لا انتظار الأحباء ، لا معطف الشتاء ، لا تعري الصيف ، لا بسمة عين لا ابتسامة ثغر .

إلهي .. أغثني من كوكب الأرض .. من السعي نحو الحقيقة من السعي نحو الفكر ..إلهي أغثني من كل هذا الكفر ، أغثني من هذا العقل الذي يبتزني فكرة فكرة ويستغلني خطوة خطوة ، أغثني من دوّامة الشك من متاهات اليقين ، من غواصة الظن من دهاليز السنين .

إلهي .. لا أريد بيتا سعيدا ً .. لا أريد أنشودة هادئة أو أغنية صاخبة ، لا أريد علماً مضيئاً يعلّق على أبواب ِ المدينة أو جهلا يسكن في ثياب القبيلة ، لا أريد شيئا فقط دعني استريح في مكان ٍ لم يسكنه الدم لم ينبشه الموتى لم تهواه القتيلة .