السبت، 23 يونيو 2012

قسما ً لم أعد أعرف




لم أعد أشعر أني بداخل عقلي بداخل قلبي بداخل أوعيتي الدموية وأنت ِ لست ِ معي ، لم أعد أشعر أني موجود وأني هنا وأني أضحك وأني أكتب وأني أرسم وأني أثرثر كعادتي في كل حوار ٍ ما لم أحس أن أصابعك تتحسس على شفتي وما لم أشعر أن شعورك ينساب من على جبهتي وعيني وفمي وكتفي وكلي ، لم أعد أشعر يا حبيبتي التي تحتل كل أوجه الناس وكل أجسامهم وكل أياديهم وأرجلهم وعيونهم وحركاتهم وسكناتهم بأي أناس ٍ يقاسمونا الحياة على هذه الأرض ، لم أعد أشعر إلا أن الأرض أنت ِ والناس أنت ِ والخطوات أنت ِ والتربة والماء والهواء والنار أنت ِ .



لم أعد أشعر بصوت التلفاز الذي كان ولا صوت الإذاعة ولم أعد أشعر ولا آبه بالصور المعلقة على الحيطان ، لم أعد أشعر إلا بصوتك وبإذاعات ضحكك وبصورك التي تخرج على ّ من كل الحيطان ، بت أراك تتخلقين في كل الأشياء وتلبسين كل الأشياء وتصبحين كل الأشياء ، بت أراك ِ السقف والأرضية وأراك الممشى والعليّة وأراك الصورة والميدالية ، وأراك الشمعدان وأراك ِ الثياب وأراك الباب وأراك المفتاح الذي يفتحني على كل الأشياء ويغلقني عن كل الأشياء .



صدّقيني لم أعد أشعر أينا أنا وأينا أنت ِ ، لم أعد أشعر بعد أن اختلطنا كثيرا وامتزجنا كثيرا وبعد أن دخل كل واحد منا في الآخر كثيرا أي الوجهين وجهي وأي الروحين روحي وأي القلبين قلبي لم أعد أشعر بأي فرق بين أن تضحكي أنت ِ أو أضحك أنا أو تمرضي أنت ِ أو أمرض أنا أو تركضي أنت ِ أو أركض أنا ، لم أعد أشعر حتى حين تزورنا المواقف المكهربة أينا تكهرب وأينا انتفض وأينا تأوه وأينا طبطب على كتف ِ الآخر وأينا حضن الآخر وأينا بلع الآخر .



حتى هذه الورقة لم أعد متيقنا من منّا بات يكتبها وأصابع من وأحرف من وروح من وأفكار من وأحاسيس من وعواصف من وخيال من لم أعد اشعر بعد أن قاسمتني الأصابع والحروف والروح والأفكار والأحاسيس والعواصف والخيال أصبع من الذي يمسك القلم وأصبع من الذي يقلب الورقة .



لم أعد أشعر بأن التفكير يكفي بأن أفكر فيك ِ ولم أعد أشعر أن حجم هذا القلب الذي يحبك بات يرضيني ويرضيك ِِ ، لم تعد حتى اللغة تكفي حتى القاموس حتى المفردات حتى البحر وزبده والليل وآخره والنهار وآخره لم يعد يكفي فكل شيء يجمعنا مبتكر وكل شيء ٍ فينا مبدع وكل شيء نقوله خلّاق وكل شيء ٍ يفكر فينا فيلسوف وكل شيء ٍ يعمل فينا عالم ، لم أعد أشعر حقا ً أن الأحياء والكيمياء والفيزياء ونظريات المنطق والفلسفة تكفي بأن تحمل ولو جزء بسيطا من هذا العالم الذي أسمه " نحن " .


قسما لم يعد شيئا يكفي ... قسما ً ، حتى هذا الواقع الذي يقسم عقله على فراقنا لم يعد يكفي لفراقنا حتى هذا القلب الذي يقسم قلبه على لقائنا لم يعد يكفي للقائنا حتى القلق لم يعد كافينا لنقلق حتى الطمأنينة لم تعد تكفي لنطمئن ، باتت فينا أشياء لا تقبل القسمة ولا الطرح ولا الجمع ولا الأضداد ولا المساواة ، باتت فينا أشياء أكبر من الأشياء وأحياء أكبر من الأحياء وموت أكبر من الموت وخلود أكبر من الخلود .


قسما ً لم يعد قمري الذي يدور حول أفلاكك قمرا ، ولم تعد شمسك التي تدور حول أفلاكي شمسا ً ، لم يعد ليلنا ليل ولا نهارنا نهار ، لم يعد المعقول معقولا ولا المجنون مجنونا ، لم تعد الأشياء تحافظ على كينونتها ، ولم تعد الكينونة تعرف ماهية الأشياء ، باتت فينا أشياء تتجاوز الحقائق وتتجاوز الطلاسم وتتجاوز التجاوز نفسه والتفسير وتسكننا .!


قسما ً أن كل ذي عين ٍ تقرأ لا تستطيع أن تحمل ما تقرأ وأن كل ذي عقل ٍ يفكر لم يعد يرفع ما يقرأ وأن كل ذي قلب ٍ ينبض لم يعد ينبض بما يقرأ ، وحدنا نحن وحدنا الذين نظرنا و الذين رفعنا و الذين حملنا و الذين نبضنا ووحدنا نحن الذين حاربنا وتحاربنا .


قسما ً أني لو أهديتك القلب أخاف أن أهديك قلبك ولو أهديتك الروح أخشى أن أهديك روحك ، بت لا أعرف أي القلبين قلبي وأي الروحين روحي ، بت فعلا لا أعرف هل أنت من تعزف الآن أم أنا ، هل أنت من تهذي الآن أم أنا ، هل أنت من تملك كل هذه الحمى الآن أم أنا ؟!! قسما ً لم أعد أعرف ! .

ليست هناك تعليقات: